أنا أكذب .. فماذا أفعل لتجنب أيذاء الاخرين؟
غالبا ما أكذب، وبذلك أعرض للصدمة أشخاصا مهمين في حياتي. هل يجب عليّ طلب المشورة؟
الكذب جزء من مشكلة أكبر ويجب التنقيب عن دوافعه، ومسألة الكذب شهدت أبعادا كبرى حديثا بعد الحكم في الولايات المتحدة على برنارد مادوف بالسجن 150 سنة.
ومدير الأموال المحتال هذا، خدع آلاف المستثمرين واستولى على مليارات الدولارات منهم ونفذ خديعة ذات أضرار كبرى بتوظيفه لـ«خطة بونزي»؛ نسبة إلى الإيطالي كارلو بونزي الذي وضع الخطة في العشرينات من القرن الماضي.
إلا أن أكاذيبه لم تجلب له في النهاية أي نتائج جيدة.
ومن الطبيعي القول إنه لا يوجد إنسان واحد يقول الحقيقة كل الوقت، ومن حسن حظنا أنه يوجد القليل فقط من الأكاذيب الضارة المماثلة لأكاذيب مادوف.
أنواع الكذب
بعض الأكاذيب حميدة، مثل التحايل على الحقائق بهدف عدم المساس بمشاعر الآخرين.
وبعض الأكاذيب ضرورية، مثلما هو الحال في النظم السلطوية، حيث يمكن إيداع الشخص القائل للحقيقة في السجن أو تعرضه إلى الموت. إلا أن بعض الأكاذيب الأخرى موجهة للإيقاع بالطرف الآخر، مثل كذبة أبريل.
والكذب مسألة شائعة وله دوافع متعددة، ولذا لا ينبغي على الأطباء التسرع في تقديم النصائح، كما أن الكذب، لنفسه، لا يصنف ضمن الاضطرابات الصحية.
بل إن الكذب، وعلى غرار كون الحمى عرضا من أعراض الكثير من الأمراض، غالبا ما ينشأ كجزء من مشكلة أكبر.
دوافع الكذب
لو كان يسهل عليك التوقف عن الكذب، لكنت قد توقفت عنه فعلا الآن. كما أن التهديدات بفقدان العلاقات المهمة في حياتك كانت ستقدم لك الحوافز الكافية لتغيير سلوكك.
وأنا افترض أنه لا يزال من الواجب عليك أن تتعرف على جذور هذه المشكلة لديك، وواحدة من الوسائل لتنفيذ هذا الواجب، هو التنقيب عن دوافع الكذب لديك.
وبمساعدة أحد الاختصاصيين، ربما سيكون بمقدورك أن تجيب بصدق عن السؤال التالي: «لماذا تمارس الكذب؟».
وإليك بعض الإجابات المحتملة: بهدف الحصول على الاستقلال الذاتي أو الاستقلال، بهدف تجنب الخوض في حقيقة مزعجة أو إنكارها، بهدف سرعة تحقيق الرغبات، بهدف رفع المكانة الشخصية، بهدف تعزيز الثقة بالنفس، بهدف الشعور بالقوة، بهدف الشعور بالسرور عند المجابهة العدائية، أو بهدف الشعور بالإثارة عند خداع الناس.
وعلى الرغم من رغبتي في إطالة فقرات هذه القائمة، فإنني سأتوقف عندها فقط.
وإن كنت تشعر بالخزي أو الندم بسبب الكذب، فإن بعضا من الألم مع وجود الضغوط المتواصلة الدافعة للكذب، قد يظهر نتيجة الشعور بالإحباط في تحقيق الرغبات.
وقد ثبت أن الكذب هو استراتيجية خاسرة للحصول على مبتغى الشخص الكاذب، سواء كان ذلك المبتغى هو الحرية، أو القوة، أو الظهور بمظهر قوي، أو الحصول على قلب الحبيبة، أو اقتناء جهاز تلفزيون حديث جدا! فقد تحصل فعلا على بعض ما تريد، إلا أن مشاعر سيئة ستنتابك في نهاية المطاف، ولذا فإن غنائم الكذب لا تسوى ممارسته.
أما عندما يكون الكذب لديك مؤذيا للمشاعر، فإنه يمكن أيضا أن يكون معبرا بطريقة غير مباشرة، عن الغضب أو الخيبة. وهذه أيضا استراتيجية خاسرة، لأن الانتباه سيتركز على «جريمة» الكذب، وليس على محتوى الكذبة.
دوافع قهرية
التعبير المعروف باسم «ممارس الكذب القهري» compulsive lier يمثل واحدا من العبارات الكثيرة المدرجة في محركات البحث على الإنترنت.
إلا أنه، وكمصطلح طبي، لا يزال ملتبسا بسبب عواقب استخدامه. إذ أنه يعني أن كل ممارسي الكذب المتعودين عليه لديهم دوافع قهرية للكذب.
إلا أن الدلائل لا تدعم مثل هذه الاستنتاجات.
والدوافع القهرية compulsion تعرف بشكل ضيق بأنها إغراء لا يقاوم لتنفيذ عمل ما. ويبدأ تصاعد هذه الدوافع بشكل غير مريح لصاحبها، الذي يأخذ في تنفيذ الأمر، ثم يحس بعد ذلك بالارتياح.
وعلى الرغم من أن بعض الناس من ممارسي الكذب يمرون بخطوات شبيهة بهذا النسق (على غرار الشراء القهري أو التخزين القهري)، فإن من الصعب العثور على معطيات لتوضيح ما إذا كان هذا النسق المعين شائعا لديهم أو غير شائع.
وإن كنت قلقا من أنك تمارس الكذب بكثرة، فإن العلاج النفسي هو الوسيلة التي ينبغي التوجه إليها لمساعدتك.
وعلى الرغم من أن «الاعتراف» قد يقدم لك راحة كبرى، إلا أن الاعتراف، وكذلك الغفران الأخلاقي، ليسا هدفين للعلاج النفسي.
والاختصاصيون في العلاج النفسي بإمكانهم مساعدة الشخص على التوصل إلى أحكامه الأخلاقية والأدبية الخاصة، إلا أنهم لا يقومون بإجباره على تقبل تلك الأحكام.
وتتمثل مسؤولية الاختصاصيين هنا في المساعدة على التغلب على مقاومة الشخص للحديث عن الكذب بالتفصيل، ثم تحديد وظائف وأهداف ذلك الكذب.
وفي المحصلة النهائية، فإن فهم دوافعك للكذب، سيمكنك من إيجاد الحلول لمشكلتين في الوقت نفسه؛ إذ أنك ستعزز من فرص تأمين احتياجاتك في الوقت نفسه الذي ستكون فيه أقل إيذاء لمشاعر الأشخاص القريبين منك.