الدليل الكامل لفوائد ومقادير الكالسيوم المطلوبة للجسم
الأسئلة الموجهة إلينا حول الكالسيوم، تتوالى أكثر من الأسئلة حول أي عنصر غذائي آخر، ويحمل الكثير منها مشاعر الخيبة، فمن جهة يقال إن تناول حبوب الكالسيوم يدرأ حدوث هشاشة العظام ويقلل حدوث الكسور.
ومن جهة أخرى فإن المعلومات التي تشكك في فائدة الكالسيوم تتوالى، وحتى إن قسما منها يفترض أن المقادير الكبيرة منه ضارة.
ثم إن أضفت إلى ذلك التساؤلات حول امتصاص الكالسيوم ونوع مكملاته (حبوبه) التي ينبغي تناولها، فإن كيس الرسائل الواردة سيعاني من الامتلاء!
وإليكم بعض تلك الأسئلة المتكررة، وأجوبتنا عنها
ما هي مقادير الكالسيوم التي ينبغي علي تناولها؟
إن التوصيات الرسمية هي 1000 ملليغرام (ملغم) يوميا للبالغين بين أعمار 19 و50 سنة، و1200 ملغم للذين تجاوزت أعمارهم نصف قرن، وتشمل هذه المقادير الكالسيوم المتناول من كل مصادره: منتجات الألبان، أنواع الأغذية والمشروبات الأخرى، ومكملات (حبوب) الكالسيوم.
إلا أن هناك وجهة نظر مناقضة تقول إن تناول مقادير بين 600 و1000 ملغم من الكالسيوم كاف بل وصحي أكثر.
والدكتور والتر سي ويليت، رئيس كلية الصحة العامة في جامعة هارفارد، وعضو هيئة تحرير «رسالة هارفارد الصحية»، هو واحد من مناصري وجهة النظر هذه.
ما هي مقادير الكالسيوم التي أحصل عليها، من دون اللجوء لمكملاته؟
الغذاء الجيد المعقول الذي يحتوي على بعض الفواكه والخضراوات يقدم نحو 200 إلى 300 ملغم من الكالسيوم يوميا، من دون تناول منتجات الألبان. ويضيف تناول كوب من الحليب 300 ملغم أخرى، بينما تضيف أي حصة من منتجات الألبان 150 ملغم أو أكثر من الكالسيوم (وعلى المولعين بالأجبان تناول الأنواع الصلبة منها لاحتوائها على كالسيوم أكثر).
وهكذا فإن الغذاء الجيد، مع حصص من الحليب ومنتجات الألبان، يوصلك إلى مستوى بين 600 و800 ملغم يوميا.
وماذا عن مكملات الكالسيوم، وأي نوع ينبغي علي تناوله؟
إنك تفترض مسبقا أن عليك أن تتناول مكملات (حبوب) الكالسيوم، وتصنع غالبية مكملات الكالسيوم من كربونات الكالسيوم أو سترات الكالسيوم، وكربونات الكالسيوم تحتاج إلى إفرازات لأحماض المعدة لكي يتم امتصاصها.
ولذا فإن كانت هي مصدر الكالسيوم في المكملات التي تتناولها (عليك بقراءة تعليمات النشرة المرفقة ومن ضمنها تلك المطبوعة بحروف صغيرة جدا)، فإن من الأفضل تناولها بعد وجبة الطعام.
أما سترات الكالسيوم فإنها لا تتطلب وجود أحماض المعدة، ولذا يمكن تناولها في أي وقت.
والأشخاص الذين يتناولون الأدوية المخفضة لأحماض المعدة، مثل مثبطات مضخة البروتون proton) ـ (pump inhibitors («بريفاسيد» Prevacid، «بريلوسيك» Prilosec)، أو حاصرات إتش2 (H2 blockers) («تاغاميت» Tagamet، «زانتاك» Zantac).. عليهم تناول سترات الكالسيوم لأن انخفاض كميات أحماض المعدة لديهم يقود إلى سوء امتصاص كربونات الكالسيوم.
إلا أن الميزة الكبرى لكربونات الكالسيوم مقارنة بسترات الكالسيوم هي أنها تحتوي على ضعف مقدار الكالسيوم.
وعلى الرغم من أن الملصقات على قناني المكملات تشير أحيانا إلى أن الحبوب الموجودة فيها تحتوي على جرعة الكالسيوم نفسها، بجرعة 500 أو 600 ملغم، فإن المقدار من حبوب السترات هو ضعف المقدار من حبوب الكربونات.
ويستطيع الجسم امتصاص جرعة من 500 أو 600 ملغم من الكالسيوم، وإن زادت الجرعة أكثر إلى 1000 ملغم فإن النتيجة ستكون مماثلة لتناول 500 أو 600 ملغم.
هل يمنع الكالسيوم حدوث الكسور؟
هنا يكمن بيت القصيد، إذ إن منع حدوث الكسور هو السبب الرئيسي الذي تدور حوله مسألة تناول الكالسيوم.
إن تناول الكالسيوم بمقادير كبيرة يقود إلى رفع مستوى الكالسيوم في الدم، ويؤدي هذا المستوى العالي إلى منع إفراز الهرمون الجار درقي parathyroid hormone، وهو الهرمون الذي يحفز على عمليات تحلل العظام، وهي عملية تكسير أنسجة العظام التي تقود إلى تحرير كميات من الكالسيوم نحو الدم.
أما إن كان مستوى الكالسيوم قليلا في الدم، فإن تحلل العظام يساعد على رفعه إلى مستواه الاعتيادي، ولكن وفي هذه الحالة، فإن العظام تغدو ضعيفة، وتتعرض في الغالب للكسر.
ومن الناحية النظرية فإن الحفاظ على مستوى عال من الكالسيوم في الدم، يدرأ وقوع تلك السلسلة من الأحداث.
ولكن، وفي عدد من الدراسات الوبائية، ومنها دراسات أجريت في جامعة هارفارد، لم تقل حوادث كسر العظام لدى الأشخاص الذين كانوا يتناولون مقادير كبيرة من الكالسيوم مقارنة بآخرين كانوا يتناولون مقادير أقل منه.
إلا أن التجارب العشوائية التي أجريت فيها مقارنات مباشرة بين الكالسيوم والحبوب الوهمية، أظهرت نوعا من التحسن في كثافة العظام، على الرغم من أنها لم تظهر ما فيه الكفاية من التحسن في ما يتعلق بكسر العظام.
إذن، لماذا هذه العلاقة المتذبذبة بين ما هو متوقع من فوائد الكالسيوم وبين نتائج التجارب حولها؟
أحد التفسيرات المحتملة هو أن هناك، على المدى البعيد، عوامل أخرى ـ قوة العضلات، التوازن، النشاط البدني، تناول فيتامين «دي» ـ تكون ذات وزن أكبر، مقارنة بتناول الكالسيوم، في تقليل خطر التعرض لكسر العظام.
وهناك خلافات حول أهمية هذه الدلائل السلبية، ولم تكن كل نتائج الاختبارات سلبية، ففي دراسة مهمة ظهر أن النساء اللواتي تناولن باستمرار حبوب الكالسيوم معا مع 400 وحدة دولية من فيتامين «دي» قل لديهن فعلا كسر عظم الحوض، كما أنه، وعلى الرغم من المناقشات الجارية، فإن التوصية الرسمية لا تزال تتمثل في تناول 1000 إلى 1200 ملغم من الكالسيوم.
ولكن، يظل من السليم القول حاليا إنه توجد الآن بعض الشكوك حول ما إذا كان تناول المقادير العالية من الكالسيوم هو الأفضل لدرء كسور العظام.
الغذاء أم الحبوب
أكدت الدراسات مرارا وتكرارا أن من الأفضل لنا أن نتناول غالبية العناصر الغذائية من الغذاء بدلا من المكملات (الحبوب)، إلا أن الأمر هو أكثر تعقيدا بالنسبة للكالسيوم، ففي حالات كثيرة تكون منتجات الألبان، خصوصا الحليب، مصادر مثلى له، إذ إن مقدار الكالسيوم فيها كثير ويسهل امتصاصه.
إلا أن وجود منتجات الألبان في الطعام يعني دخول الدهون المشبعة فيه، وهي الدهون التي تؤدي زيادة تناولها إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، ثم وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض الدراسات تفترض أن منتجات الألبان نفسها تزيد من حدوث بعض أنواع السرطان.
وطبيعي أن يلجأ الناس إلى استبعاد الدهون المشبعة بتناول منتجات الألبان الخالية الدسم، إلا أن الكثيرين لا يميلون إلى طعمها.
وبعض الخضراوات هي مصدر جيد للكالسيوم، إلا أن السبانخ ونبات «التشارد» (chard)، وغيرهما، تحتوي جميعا على الأوكسيلات التي يقود وجودها إلى التداخل مع عملية امتصاص الكالسيوم (انظر السؤال الخاص بحصى الكلية).
إلا أن هذه التحفظات غير مهمة لأن الغذاء هو الطريقة المفضلة للحصول على العناصر الغذائية ومنها الكالسيوم.
وأفضل خيارات الغذاء للحصول عليه هي منتجات الألبان (بكميات محدودة)، وبعض أنواع السمك (السلمون والسردين المعلبين) والخضروات (الخضروات الملفوفة).
وتختلف الحاجة إلى تناول حبوب الكالسيوم وفقا لنوع غذائك، أو لحاجتك إلى الوصول إلى مقاديره حسب التوصيات الرسمية.
يحتوي الكثير من حبوب الكالسيوم على فيتامين «دي». ما تأثير ذلك؟
ربما يؤثر ذلك. ففيتامين «دي» يساعد على امتصاص الكالسيوم (وكذلك الفوسفور)، إلا أن دلائل الاختبارات على توليفة من الكالسيوم مع فيتامين «دي» تقدم نتائج مختلطة.
وقد يعود جزء من هذه المشكلة إلى جرعة فيتامين «دي» نفسها، فقد استخدمت عدة دراسات مهمة جرعة 400 وحدة دولية منه، وربما يؤدي تناول ضعف هذه الجرعة إلى إحداث تأثير ما على صحة العظام.
وغالبية حبوب الكالسيوم المنتجة حاليا تحتوي على جرعات بين 200 و400 وحدة دولية من فيتامين «دي».
ويبدو أن فيتامين «دي» يمتلك جوانب متعددة من الفوائد، في وقت لا تمتلك فيه أجسام الكثير منا كميات كافية منه، غالبا بسبب قلة الخروج إلى الهواء الطلق، إذ إن التعرض لأشعة الشمس يولد النوع النشيط من الفيتامين، ولذلك فإنه يسمى «فيتامين الشمس».
وهناك مدرسة علمية تقول إننا نحتاج إلى تناول 1000 وحدة دولية من فيتامين «دي» يوميا.
ما هي قصة الكالسيوم والسرطان؟
الأخبار الجيدة هي أن الدراسات قد أظهرت باستمرار أن الأشخاص الذين يتناولون مقادير عالية من الكالسيوم والكثير من منتجات الألبان في غذائهم، هم أقل تعرضا للإصابة بسرطان القولون.
إلا أن نتائج دراسات أخرى تبدو أقل توكيدا في ما يتعلق بتأثيرات الكالسيوم الواقية من سرطاني الرئة والثدي.
أما الأخبار السيئة فهي أن عددا من الدراسات ربطت تناول الكالسيوم ومنتجات الألبان مع حدوث سرطان المبيض والمراحل المتقدمة من سرطان البروستاتا.
وعلى جانبي الأخبار الجيدة والسيئة، تظل هذه النتائج مفترضة وليست نهائية، وأمامها طريق طويل لكي تكون حاسمة.
هل يتسبب تناول مقادير كبيرة من الكالسيوم في حدوث حصوات الكلى؟
تتكون حصوات الكلى من الكالسيوم في 80 في المائة من الحالات، ولذلك ومن الناحية الظاهرية فإن من المعقول أن يكون تناول الكالسيوم عاملا محتملا لحدوث حصوات الكلية.
إلا أن الدراسات التي يعود تاريخها إلى التسعينات من القرن الماضي أظهرت العكس تماما: فالكالسيوم بمقادير عالية لا يتسبب في الغالب في حدوث حصوات الكلى، إن جرى تناوله عن طريق الغذاء.
وأحد التفسيرات المحتملة هنا هو أن الكالسيوم يعوق امتصاص الأوكسيلات، وهي جزئية غالبا ما تختلط مع الكالسيوم لإحداث حصوات الكلى.
وتوجد الأوكسيلات في الكثير من الأغذية النباتية ومنها بعض أنواع العنبيات، السبانخ، المكسرات، وبعض محاصيل الحبوب.
وقد وجدت عدة دراسات أن حبوب الكالسيوم، بخلاف الكالسيوم المتناول من الغذاء، ترتبط بحدوث زيادة طفيفة في خطر تكون حصوات الكلى.
وافترض الباحثون أنه إذا تناول الأشخاص حبوب الكالسيوم بشكل منفصل عن وجبات طعامهم، أو مع وجبة واحدة يوميا (أثناء وجبة الإفطار عادة)، فإن الكالسيوم ينتفي من الأمعاء خلال وقت طويل، ولهذا فإنه لا يقوم بمهمة إعاقة امتصاص الأوكسيلات.
هل يؤدي تناول حبوب الكالسيوم إلى تراكمه في الشرايين؟
تظهر صور الأشعة المقطعية كميات مترسبة من الكالسيوم على ترسبات جدران الشرايين، ولذلك تولدت بعض المخاوف من أن تناول مقادير عالية من الكالسيوم ربما «يغذي» تلك الترسبات، إلا أن كميات الكالسيوم المترسبة هي نتيجة لعملية التهابية تقود إلى حدوث تصلب الشرايين، وهي على الأكثر لا تمت بصلة إلى مستوى الكالسيوم في الدم.
والطريقة التي يمكن فيها تجنب حدوث ترسبات الكالسيوم في الشرايين، هي تقليل حدة تصلب الشرايين إلى أقل درجة، وهذا يعني ممارسة التمارين الرياضية، والابتعاد عن التدخين، والتحكم بضغط الدم، وبسكر الدم، ومستوى الكولسترول.
وقد سببت نتائج دراسة نيوزيلندية نشرت عام 2008 بعض الضيق، إذ أظهرت أن النساء اللواتي تناولن الكالسيوم (1000 وحدة دولية من سترات الكالسيوم يوميا)، كن أكثر، وليس أقل، تعرضا للنوبة القلبية، وإلى أمراض القلب والأوعية الدموية الأخرى، مقارنة بالنساء اللواتي تناولن الحبوب الوهمية.
ولكن، وحسبما لاحظ الباحثون، فإن تلك النتائج كانت أولية، تتطلب دراسات لاحقة حول علاقة تناول الكالسيوم مع أمراض القلب والأوعية الدموية.