«أوهام» أدوية معالجة السرطان .. تحذيرات دولية في مواجهة شركات الدواء
"من باب رفع العتب"، وكـ"رد فعل خجول"، صدر عن إدارة الغذاء والدواء الأميركية، تحذير على هيئة "رسائل إنذار" Warning Letters ، في 17 يونيو الحالي، موجه إلى 23 شركة أميركية وشركتين أجنبيتين، بسبب تسويقهم أصناف واسعة من المنتجات ذات الصفة التي وصفتها الإدارة بـ "الاحتيالية والمُخادعة" في إدعائها منع السرطان والشفاء منه.
والإشكالية ليست في وجود محتالين وبائعي أوهام، فالأسواق العالمية تعج بأمثال هؤلاء "البشر" الذين "تُغطي" أنشطتهم خداع الناس في كل ما يُمكن أن يستهلكوه في حياتهم، وخاصة في جوانب يحتاجونها بصفة أساسية. لكن الإشكالية هي في ازدواجية معايير النظرة والتشهير.
دعونا نُجري المقارنة التالية حول نوعية "النظرة" الموجهة إلى جانبين مما لهما تأثير على صحة الناس، وهما "أخطاء الإهمال الطبي" و"شركات إنتاج السجائر"، ومقارنة النظرة نحوهما بالنظرة إلى "قطعان" شركات إنتاج ما يُسمى بـ "علاجات طبيعية" للشفاء أو الوقاية من السرطان أو أمراض القلب أو حتى تساقط الشعر وضعف الانتصاب.
لا أحد مطلقاً يُبرر أو يُدافع عن "أخطاء الإهمال الطبي" ولا عن شركات إنتاج التبغ، فالأضرار الصحية لما ينتج عنهما، بالمعنى الواسع للكلمة، أبشع من أن تستحق إلا نظرة عدم التقبل، على أقل تقدير. لكن عند إمعان النظر والتأمل، لا فرق بين هذين الأمرين وذاك الأذى الناجم عن استهلاك المرضى لتلك "الأدوية" الوهمية.
ولئن كان، في السابق، خداع ووهم تلك المنتجات "المُعالجة" للسرطان، يمشي على استحياء بين الناس. فإننا نشهد اليوم نشاطاً مفرطاً لمُعالجين وشركات إنتاج "أدوية" يتفننون في تسويق منتجاتهم. ونراهم يحتلون ساعات من البث على القنوات الفضائية، ويملئون صفحات من الدعاية في المجلات المختلفة، ولا يتركون "إي ميل" إلا ويُرسلون إليه تعريفاً بمنتجاتهم، وغير ذلك.
وعلى سبيل المثال، عرضت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أمثلة لـ "ادعاءات الاحتيال" fraudulent claims التي تستخدمها الشركات تلك في الدعاية لتلك المنتجات، منها القول بأنها "تُعالج كل أنواع السرطان"، "تتسبب بإقدام الخلايا السرطانية على الانتحار"، " ذات قوة أكثر بنسبة 80% من فاعلية العلاج العالمي رقم واحد للسرطان"، "تناولها لتجنب ألم الجراحة أو العلاج الإشعاعي أو العلاج الكيميائي أو غيرها من علاجات السرطان التقليدية".
والواقع أن هذا النشاط التسويقي المحموم لمنتجات علاج السرطان يصحبه عادة "سرد" متكرر لواحد من قصتين ممجوجتين وسخيفتين. القصة الأولى تقول بأن "الدكتور" الفلاني اخترع هذا العلاج في ذلك البلد، ويُسمونه. ثم لم تعترف به هناك الهيئات الطبية المعنية بشكل رسمي بالمحافظة على صحة الناس وحمايتهم من أي إدعاءات غير ثابتة طبية.
وتستطرد القصة بالقول إن هذه الهيئات رفضت السماح لهذا "الدواء" لأنها لو وافقت على ذلك فإن الناس لن يذهبوا إلى المستشفيات بل يتجهوا إلى هذه "الأدوية"، وهو ما سيحرم المستشفيات من "الزبائن" المرضى والفوائد المالية من ورائهم! والقصة الأخرى "تسرد" مقابلات وتصريحات لـ "شهادات" من مرضى تناولوا تلك "الأدوية"، وكيف أن أمراضهم "تلاشت"! وكيف أن الأطباء حينما فحصوهم في المستشفيات "تفاجأوا" و "اندهشوا" و "تعجبوا" من زوال الورم السرطاني.
وكأي وسيلة للـ "حَيْد" عن النقاش والعرض الموضوعي والعلمي، فإننا ندخل بهم في متاهات نظريات "المؤامرة" على المرضى، لأن وراء هاتين القصتين السخيفتان افتراض عبثي بأن ثمة في الوسط الطبي منْ لا يُريد إزالة البأس عن المرضى!
وافتراض أن ثمة وسائل علاجية "تشفي" السرطان، لكن هناك منْ يُخفيها عن المرضى!
والسؤال، ألا يكفي هؤلاء "المُخادعين" ابتزاز وسلب ما في جيوب المرضى ببيعهم "الوهم" الذين يحلمون به والذي فيه إعادة الأمل بالحياة إليهم؟
وألا يكفيهم هدر وقت وطاقة هؤلاء المرضى في تجريب هذه "الأدوية" غير الثابتة الجدوى؟
وألا يكفيهم حرمان المريض من المتابعة والمعالجة الطبية الدقيقة في المستشفيات عبر التلهي والعبث في تناول تلك "الأدوية"؟
والذي يبدو أن كل ذلك لا يكفي، بل يُريدون أن يُدخلوا المرضى في عالم من الـ "لا ثقة" في كل منْ يعتنون بهم من الأطباء والمستشفيات وأنظمة الرعاية الطبية.
والحقيقة، وبالتجربة المُشاهدة، أن من العبث وإضاعة الوقت في محاولة نُصح أو تذكير أو تفهيم هذه الشركات بأن ما يفعلونه ضار، وأن الطب أمانة، وأن خدمة المريض ووعده بالشفاء مسؤولية.
والسبب أنها شركات لا "ترعوي" عن بث الإدعاءات الزائفة، ولا تدخل "بيوت المعالجة" من أبوابها، بل ولا حتى من شبابيكها، لأنها تعلم أن الدخول من الأبواب الطبية العلاجية له أصول، ويتطلب أن يكون "الدواء" قد ثبت بالتجارب والدراسة جدواه في المعالجة أو الشفاء، وثبت أمان تناوله.
وهما أمران من الصعب جداً على مثل هذه الشركات أو هؤلاء "المعالجين" سلوك الطريق العلمي لبلوغ ذلك.
ولذا تدخل، على مرضى السرطان بالذات، من منافذ "اليأس" وطول أمد "المعاناة" وخوف الرجفة من "الموت"، وهذه منافذ لا يُمكن فقط تسويق "دواء" من خلالها، بل يُمكن منها تسويق حتى السم وكل ما لا يخطر على بال، إذْ المثل يقول "يا روح ما بعدك روح".
ولكن ثمة سؤال موجه للأطباء وغيرهم من العاملين في الوسط الطبي، لماذا يفقد المرضى ثقتهم في جدوى علاج أطبائهم، ويُصبح من السهل على "الوهم" خداعهم؟