العلماء يحللون ظاهرة لماذا نفرح عند معاناة الخصوم؟
صديقي، وهو من المولعين بشدة بلعبة البيسبول، يكون سعيدا جدا عندما يربح فريقه «بوسطن ريد سوكس»، وقد أخبرني حديثا أن فرحه يكون طاغيا أيضا عندما يخسر فريق «نيويورك يانكيز»، وهو من أشد الفرق المنافسة لفريقه.
وقد أفادت دراسة حديثة لفريق من الباحثين اليابانيين، بوجود دلائل علمية على أن مشاعر صديقي طبيعية لدى فرحه بفريق «ريد سوكس» كما هو الحال مع مشاعر مشجعي نفس فريقه، وعندما يخسر «ريد سوكس» فإن نفس هذه المشاعر تكون طبيعية أيضا لدى مشجعي فريق «يانكيز».
وتوصف هذه الحالة بتعبير باللغة الألمانية هو «schadenfreude»، أي الشعور بالسرور (freude) عندما يعاني شخص ما آخر، خصوصا إذا كان شخصا محسودا، من مصاعب تتطلب إبداء الأسف (schade)، (ولذلك سنسميها حالة «الانغماس في السرور عند معاناة الآخرين (المحرر)».
وقد وصف الباحثون اليابانيون تحت إشراف هيديهيكو تاكاهاشي الباحث في معهد علوم الراديولوجي الوطني، التجربة التي ساعدتنا على فهم الأسس العصبية (المتعلقة بالأعصاب) لهذا النوع من السلوك.
ففي عدد 13 فبراير (شباط) 2009 من مجلة «ساينس» أفاد الفريق أن الألم وكذلك السرور ينشطان نفس المستقبلات في نفس مناطق الدماغ، سواء كان الحافز لهما بدنيا (مثل ضربة على الوجه) أو اجتماعيا (ضربة موجهة إلى الذات الشخصية).
«فرح الحسد» وعرض الباحثون على المشاركين في التجربة، سلسلة من السيناريوهات الموجهة لاستفزازهم وتوجيههم نحو الشعور بالحسد أو إلى حالة «الانغماس في السرور عند معاناة الآخرين».
وطرح الباحثون تصورات نظرية تعتبر أن ردات أفعال المشاركين ستزداد قوة عندما يتعرفون بشكل كبير على خصائص وقدرات الأشخاص المستهدفين، وعلى سبيل المثال فإن أحد مشجعي فريق «ريد سوكس» قد يشعر أنه أكثر قربا إلى مشجع آخر لفريق «يانكيز»، من قربه إلى مشجع فريق «أرسنال» الإنجليزي لكرة القدم.
وفي المرحلة الأولى من الدراسة أجرى الباحثون عمليات مسح وتصوير بجهاز المرنان المغناطيسي الوظيفي بهدف قياس تدفق الدم لدى المشاركين الذين تم استفزازهم لكي يشعرون بالحسد، وفي المرحلة الثانية صور المرنان المغناطيسي الوظيفي استجابات المشاركين لأحداث تَعرّض فيها أشخاص آخرون لعثرات الحظ.
وقام المشاركون بأنفسهم بتقييم درجة الحسد لديهم، وكذلك درجة السرور بمعاناة الآخرين في سلم من ست درجات لكل سيناريو، وظهر أن حسدهم كان أكثر للأشخاص الأكثر نجاحا من الذين كانوا متشابهين معهم (وهذا تأكيد على أن ارتباط الحالات مهم)، وعندما كان هؤلاء الأشخاص يتعرضون لمشكلات تواجههم، كان سرور المشاركين قويا بالنتيجة.
وأظهرت مسوحات المرنان المغناطيسي الوظيفي لأدمغة المشاركين الذين قالوا إنهم شعروا بالحسد، نشاطا في نفس مناطق الدماغ التي تنشط حين وجود الألم، وكانت إحدى المناطق هي dorsal anterior cingulate cortex، وهي منطقة عميقة في الفص الأمامي من الدماغ يبدو أنها تسجل الألم الجسدي عند حدوثه.
وعلى نفس المنوال فعندما شعر المشاركون بحالة «الانغماس في السرور عند معاناة الآخرين»، فإن الدارة العصبية للمكافآت سجلت نشاطها لديهم، وعموما فإن قوة الحسد أو «الانغماس في السرور عند معاناة الآخرين» التي عبّر عنها المشاركون تطابقت إلى حد كبير مع درجة النشاط التي رصدتها مسوحات الدماغ.
وفي مقالة مرافقة من هيئة التحرير كتب ماثيو ليبرمان وناعومي إيزنبيرغر الباحثان في علم النفس في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، أن هذه الدراسة تقدم أول الدلائل على أن الألم الجسدي والألم الاجتماعي يقودان إلى إحداث نشاط مماثل في الدماغ.
ولا يبين هذا القدرة الكفأة لقوة الدماغ فحسب، بل إنه يفترض أيضا أن عملية تناغم الألم والسرور الاجتماعيين مع الألم الجسدي يمثل قيمة مهمة لنجاة الإنسان كنوع حي، وكتوكيد لهذه النظرية أشار الباحثان إلى أن حجم القشرة الأمامية الجبهية للدماغ قد ازداد، لكل الأنواع الحية، مع توسع وازدياد المجموعات الاجتماعية.