«تشنج الحمل» .. ما هي أسبابه وطرق تشخيصه؟
عرف تشنج الحمل أو الإرجاج Eclampsia قديما بين النساء بتسمم الحمل. وجاءت هذه التسمية لأن هذه الحالة لا تصيب إلا السيدات الحوامل، فكان الاعتقاد القديم بأن الجنين يتسبب في تسمم الأم.
وهذا اعتقاد خاطئ لأن هذه التسمية لا تصف الحالة الحاصلة حيث لا وجود للتسمم في جسم المرأة الحامل.
يعتبر تشنج الحمل من الحالات الطارئة التي تهدد حياة الأم والجنين معا، ويصاب به حوالي من 5 إلى 7% من النساء الحوامل اللائي شخصن بحالة ما قبل الإرجاج أو مقدمة الإرجاج preeclampsia، وفيها تصاب الحامل بارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة البروتين في البول الذي يعرف بالزلال مع تورم الجسم مثل القدمين واليدين والوجه، ويتطور المرض إلى تشنج الحمل لدى امرأة واحدة من بين كل 100 امرأة مصابة بما قبل الإرجاج.
وحسب آخر إحصائية يتسبب تشنج الحمل في حوالي 50 ألف حالة وفاة للأمهات حول العالم، وهو يصيب 25% من النساء خلال فترة الحمل، و50% أثناء عملية الولادة و25% بعد الولادة.
أسباب المرض
لم يعرف حتى الآن السبب الرئيسي للإصابة بحالتي ما قبل التشنج وتشنج الحمل، وبما إنه لم يتم اكتشاف السبب في حدوث المرض فلا يستطيع الأطباء تقديم أي من العلاجات أو الاختبارات الوقائية الفعالة للسيدة الحامل لمنع إصابتها بالمرض.
وتكثر الإصابة بهذا المرض لدى السيدات صغار السن خلال حملهن الأول، على الرغم من ذلك يمكن حدوثه للحوامل بأكثر من جنين (التوائم)، والسيدات ما فوق سن الخامسة والثلاثين، ومن شخصن بارتفاع ضغط الدم قبل الحمل، ومريضات السكري، ومن يعانين من أمراض أخرى كأمراض الكلى أو الذئبة الحمراء.
ولأسباب غير معلومة يعد تشنج الحمل أكثر شيوعا بين الأميركيات من أصل أفريقي أكثر من غيرهن، كما يظهر لدى السيدات من ذوات التاريخ العائلي لهذا المرض كإصابة الأم أو الأخت بذات المرض، وأيضا في حالات الحمل التي يصحبها كبر حجم المشيمة (chorionic villi) كالحمل في توائم أو الحمل العنقودي (molar pregnancies) واستسقاء الجنين غير المناعي (nonimmune hydrops fetalis).
ومع أن معظم الحالات التي تحدث تكون موجودة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من فترة الحمل أو خلال 48 ساعة من بعد الولادة، فقد تم رصد حالات قبل إتمام الأسبوع 20 من الحمل، وتم رصد حالات أخرى متأخرة عن ذلك أي بعد الولادة خلال فترة النفاس. وقد تم تسجيل حالات لتشنج الحمل دون أن تكون مسبوقة بحالات «ما قبل تشنج الحمل».
آلية حدوث المرض
تبنى العلماء العديد من النظريات والعوامل التي يمكنها أن تؤدى إلى الإصابة بالمرض، منها العوامل الوراثية والغذائية والمناعية وغيرها.
لكن تبقى النظرية الأقوى التي حتى الآن لم يتم إثباتها تماما بالأبحاث العلمية وهي أنه عند وجود نقص أو قصور في تروية الأوعية الدموية التي تمد المشيمة والرحم بالدم والغذاء، يؤدي ذلك إلى إفراز وسائط كيميائية حيوية (biochemical mediators) أو الأجسام المضادة (antigen) التي تنتشر عبر دم الأم وتتسبب في خلل كبير في وظائف بطانة الرحم، فتؤدي إلى تضيق وانقباض شرايين الجسم أو الأوعية الدموية بشكل عام مما يسبب قصورا في وظائف أعضاء الجسم كالقلب والكلى والكبد والجهاز العصبي والدورة الدموية والدم.
وتتلخص قصور وظائف أعضاء الجسم فيما يلي:
ـ الدورة الدموية: تقلص الأوعية الدموية، زيادة ضخ الدم من البطين الأيسر، نقص ضغط الدم الوريدي، نقص ضغط الشريان الرئوي.
ـ الكلى: نقص تنقية البولينا، نقص معدل الترشيح الكلوي، نقص البلازما في الكلى.
ـ الكبد: تلف خلايا الكبد، تجمعات دموية تحت غشاء الكبد.
ـ الجهاز العصبي: تجمع السوائل بين خلايا المخ، نزف الدماغ.
ـ الدم: زيادة نسبة لزوجة الدم وزيادة قابلية التجلط، زيادة حجم البلازما وزيادة تركيز الدم.
أعراض المرض
تظهر هذه الأعراض قبل الدخول في مرحلة تشنج الحمل:
ـ صداع
ـ غثيان وقيء
ـ اضطراب البصر
ـ ألم بالجهة اليمنى من أعلى البطن أو في المعدة
ـ تورم الجسم
ـ زلال في البول
وتنقسم مرحلة التشنج إلى أربعة مراحل، ويلاحظ لدى بعض المريضات عدم وجود البروتين في البول واختفاء التورم والانتفاخ، مع استمرار الاضطرابات العصبية.
- المرحلة الأولى: انتفاض عضلات الوجه وأكثر ما ترى حول الفم.
- المرحلة الثانية: تقلصات توترية تجعل الجسم متصلبا وقاسيا، وتستمر هذه المرحلة بين 15 إلى 20 ثانية.
- المرحلة الثالثة: حدوث التشنج أو نوبة صرع وهي عبارة عن اهتزازات قوية لا إرادية في عضلات الجسم، يصحبها خروج رغوة من الفم وعض اللسان وتوقف التنفس.
- المرحلة الرابعة والأخيرة: الدخول في غيبوبة.
في بعض الحالات النادرة قد لا تحدث مرحلة التشنج، وتدخل المريضة في الغيبوبة مباشرة، ويصاب بعض المريضات بعد الاستيقاظ من الغيبوبة بفقدان وقتي للبصر مع عدم تذكر ما حدث لها، ويصاب الجنين خلال نوبة التشنج بانخفاض في معدل ضربات القلب.
سبل العلاج
يعتمد علاج تشنج الحمل على منع تكرار حدوث نوبات الصرع، والسيطرة على ضغط الدم المرتفع، وولادة الجنين.
- الوقاية من نوبات التشنج: تتم باتخاذ سبل المراقبة والوقاية الأولية المعروفة، ولا ينصح بالتدخل أثناء حصول التشنج الأول بمحاولة وقفه أو تقصيره، وتعطى كبريتات الماغنسيوم عن طريق الوريد لمنع المزيد من التشنجات.
- السيطرة على ضغط الدم المرتفع: يتم قياس ضغط الدم كل عشر دقائق مع إعطاء عقار خفض الدم عن طريق الوريد.
- الولادة: بعد العمل على استقرار حالة المريضة يجب الإسراع في إجراء عملية الولادة القيصرية ويتم ذلك بغض النظر عن عمر أو حجم الجنين، فالولادة هي العلاج الرئيسي والأساسي لحالات التشنج، ومن المهم جدا عدم القيام بمحاولات الولادة قبل الانتهاء من التشنج والغيبوبة واستقرار حالة المريضة.
- بعد الولادة: استمرار مراقبة الأم بعد الولادة والحفاظ على ضغط الدم في المعدل الطبيعي له تجنبا لحدوث تشنج الحمل لدى السيدات اللائي تمت ولادتهن في مرحلة ما قبل تشنج الحمل.
أسباب وفاة الجنين
وأهم أسباب وفاة الجنين هي عدم اكتمال نموه عند الولادة، احتشاء المشيمة (placental infarctions)، تأخر نمو الجنين داخل الرحم، انفصال المشيمة، نقص كمية الأوكسجين الواصل إلى الجنين.
وللوقاية من مشاكل الحمل وعدم التعرض لأي من المخاطر الصحية يجب على كل سيدة حامل متابعة حملها بالرعاية الصحية الطبية الدورية، حيث إن التشخيص المبكر والعلاج المكثف لحالات ما قبل التشنج مع الإشراف الطبي توفر الكثير من العناء للأم والطفل وتعد أساسا لاجتناب العديد من المضاعفات وحالات الوفاة بين السيدات.
مخاطر ومضاعفات
حالات ما قبل الإرجاج أثناء الحمل إلى جانب التهيؤ لاستقبال عضو جديد في الأسرة، فإن حمل المرأة يمكن أن يقود إلى عدد، ولو كان قليلا، من الحالات المؤثرة على صحتها لأمد طويل.
وحالة ما قبل الإرجاج preeclampsia، واحدة من الحالات التي يمكن أن تكون خطيرة، وهي تؤثر على واحدة من كل 20 امرأة حاملا.
وحالة ما قبل الإرجاج هي ظهور ارتفاع ضغط الدم وازدياد زلال (بروتين) الدم بعد نحو 20 أسبوعا من بداية الحمل، وأكثر حالات المرض خفيفة ولا تؤثر على الأم والجنين، إلا أن حالاتها الحادة قد تقود إلى حدوث التشنجات، أو السكتة الدماغية، أو الإسقاط.
و«تشفى» حالة ما قبل الإرجاج عند الولادة، فما إن يولد المولود، يعود ضغط الدم وزلال البول إلى طبيعتهما الاعتيادية، إلا أن حدوث الحالة قد يسبب آثارا بعيدة المدى، فالنساء اللواتي يصبن بها يتعرضن أكثر بمرتين للنوبات القلبية والسكتة الدماغية، ويكنّ أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين، التي قد تؤدي إلى وفاتهن مقارنة بالنساء اللواتي لا يعانين من مضاعفات أثناء الحمل، وفقا لباحثين من جامعة ماكماستر نشروا دراستهم في مجلة «القلب» الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، وفقا لتقرير نشر في «رسالة هارفارد للقلب»، وكلما كانت حدة ما قبل الإرجاج أكثر كلما كانت مخاطرها أعظم.
وتؤدي حالة ما قبل الإرجاج إلى إلحاق الضرر بالأوعية الدموية والكليتين، مما يؤدي إلى مشاكل في المستقبل، كذلك من المحتمل أن يكون الحمل نفسه اختبارا يمتد عدة شهور للقلب والمنظومات الأخرى في الجسم.
وما قبل الإرجاج، ومرض السكري أثناء الحمل، والمضاعفات الأخرى الناجمة عن الحمل، ربما هي علامات تشير إلى المشاكل التي تقود لاحقا إلى وقوع أمراض القلب.
وإن سبق لامرأة أن عانت من حالة ما قبل الإرجاج عند الحمل، فإن عليها أن تحافظ على مستويات ضغط الدم، الكولسترول، والوزن، وأن تتحكم في عوامل الخطر المؤثرة على القلب، وتجرى الآن دراسات حول الوسائل الفعالة لحماية قلوب النساء اللواتي تعرضن إلى هذه الحالة.