كل ما تريد معرفته عن الوسواس القهري.. أسبابه وعلاجه
11:00 ص - السبت 28 نوفمبر 2020
خاص الجمال - إيمان عبد الهادي
مجرد وجود تكرار لسلوك معين، نبدأ في التشكك في إصابتنا بمرض الوسواس القهري، ونحاول أن نتأكد مما إذا كانت تصرفاتنا وسلوكياتنا والروتين اليومي الذي نتبعه، له علاقة بوجود أفكار وسواسية أو أفعال قهرية أم أن الأمر عادي.
غسل اليدين بشكل متكرر على مدار اليوم مع محاولات التأكد في كل مرة أنها نظيفة، ففي المرة الواحدة تغرق يداك في الصابون ما يصل إلى الثلاث مرات، وقبل الخروج من المنزل تقوم بالتأكد من غلق الأبواب والشبابيك وانطفاء الأنوار أكثر من مرة ضمن تصرفات قد تعتبرها عادية، لكن تكرارها وتحولها إلى سلوك قد يعيق ممارسة باقي الأنشطة اليومية يجعلها مشكلة ومرضاً يحتاج إلى علاج.
الوسواس القهري واحد من الأمراض النفسية التي تؤثر على السلوك البشري، والذي يسبب الإصابة بها ضيقاً وقلقاً لصاحبه فيمنعه من الاستمتاع بالنشاطات اليومية المعتادة، ولكن متى يعتبر الشخص أن تكراره لسلوك معين من الممكن أن يكون بسبب الوسواس القهري؟
ما هو الوسواس القهري؟
الاضطراب الوسواسي القهري Obsessive Compulsive Disorder، والذي يمكن اختصاره لـ (OCD)، يرتبط هذا الاضطراب النفسي بالقلق، ويأتي من وجود أفكار وسواسية تلازم الشخص وترد إليه دون وعي منه أو قدرة على التحكم فيها، أو بعض الأفعال التي يقوم بها للدرجة التي يصبح مجبر على الإتيان بها، فالوسواس القهري يجعل الشخص يفعل هذه الأشياء دون وعي منه، فيصبح مرغماً عليها دون مقاومة.
من الممكن أن يكون سلوك الوسواس القهري بسبب الخوف من أمر ما، كالخوف من الإصابة بالمرض الذي تنقله الجراثيم، فيتحول مجرد التأكد من النظافة الشخصية أو المكان المحيط إلى سلوك متكرر ومعتاد ويصبح مثل العادة التي تطارد الشخص، وتجعله يؤذي نفسه أحيانا، وتقتطع من النشاطات اليومية التي يقوم بها، فمن الممكن أن يتفرغ لتنظيف يديه أو للتأكد من ترتيب المنزل بدقة عالية دون أخطاء، بالشكل الذي قد يستهلك أكثر من ساعة من وقته يوميا.
أعراض الوسواس القهري:
لا يوجد نمط معين أو سلوك واحد يتبعه كل مرضى الوسواس القهري، فالأمر يختلف من طبيعة الوسواس الذي يعاني منه والذي قد يكون: أفكار وسواسية تأتي في صورة أفكار وتخيلات تظهر للمريض على هيئة صور وتسيطر على تفكيره معظم الوقت دون أن يكون لديه القدرة على التحكم في هذه الأفكار الوسواسية التي غالبا ما تبدو خالية من أي منطق ولا يوجد مبرر لها. والمؤسف أنها تظل تلح في التكرار وقد تؤدي بصاحبها إلى مخاوف وأفكار لها علاقة بالهوية الجنسية أو الدينية، وتولد لديه شعورا عاما بالقلق والتوتر.
الأزمة تأتي من عدم القدرة على وقف هذه الأفكار والتحكم في المنحنى الذي تأخذه، وقد يسبب تصرفات غامضة وغير مفهومة ناتجة عن الوساوس الفكرية التي من الممكن أن تجعله يتجه إلى الإتيان بسلوك عنيف أو شاذ.
لا توجد لهذه الممارسات أي تفسير، فعلى جانب آخر قد يقوم الشخص بفعل ما يجنبه الوقوع في أمر ما يخشاه، كمن يحاول دوما تفادي الوقوع في حادث مروري، فيهلك نفسه في المشي لمسافات كبيرة، ومن بين أعراض الأفعال القهرية أو العادات القاهرة، القيام بكشط الجلد بصورة لا إرادية، أو نتف الشعر وقضم الأظافر، أو أكل الشفاه وغسل اليدين للدرجة التي قد تسبب لهما الضرر على المدى الطويل، كالإصابة بالجروح، ويعتبر التنظيف والترتيب بصورة مبالغ فيها من السلوكيات القهرية أيضا.
ومن الممكن أن يكون سلوكاً له علاقة بالآخرين، كالسؤال المتكرر عن شخص ما للاطمئنان عليه، أو عدّ الأشياء والإحصاء، وبعض الأطباء يعتبرون أن إعادة تصحيح الأخطاء اللغوية بشكل مبالغ فيه، يُعد اضطراباً نفسياً من أحد أنواع الوسواس القهري.
المزعج للمرضى بالوسواس أن هذه الأفكار والتصرفات تنتقص وتأكل من أعمارهم؛ فيضطرون إلى قضاء وقت طويل لإتمامها دون أن يكون لديهم القدرة على التوقف والكف عن فعلها، مما يسبب لهم الضيق بسبب الانشغال بالإتيان بهذه الأفعال، وعدم توفر الوقت للذهاب إلى العمل أو الاستمتاع مع الأسرة والأصدقاء، فهنا يصبح آسير الوسواس القهري الذي يعاني منه.
ومن الممكن أن يتم إيجاز الأعراض التي تساعدك على التعرف إن كنت مصابا بالوسواس القهري أو يعاني منه أحد أقاربك أو أصدقائك في مجموعة من النقاط:
- الأفكار:
وتكون عبارة عن جمل أو كلمات صادمة وكريهة ومتكررة، وتكون غير مقبولة لك ولكنك لا تملك القدرة على طردها من دماغك.
- الصور:
تبدأ مجموعة من الصور في الظهور لك بصورة متكررة، وتحمل نفس سمات الأفكار في أنها صور غير منطقية ولا مقبولة بالنسبة لك، كما أنها صادمة وبشعة، فمن الممكن أن ترى نفسك تقوم بفعل جنسي شاذ أو فعل عنيف بصورة مبالغ بها، لا تقوم به فعليا.
- الشك:
يظل مريض الوسواس القهري في حالة شك دائمة، ومن الممكن أن تأتي في هيئة قلق وخوف من أن تكون قد آذيت شخصاً ما نفسيا أو معنويا دون أن تقوم بذلك بالفعل، ومن الممكن أن تشك إن كنت قد تسببت في حادث لأحدهم أو صدمته بسيارتك، أو الشك الديني المتعلق بصحة الوضوء أو الصلاة، أو صحة إيمانك واعتقادك.
- المثالية:
البحث الدائم عن الكمال والمثالية والانزعاج من عدم ترتيب الأشياء أو وضعها في مكانها اللازم، من وجهة نظره، فيعكف على التنظيم والاهتمام أن يكون كل شئ في مكانه الصحيح.
- التجنب:
يحرص المريض على تجنب لمس الأماكن التي يعتقد أنها قد تضره، مثل تجنب الذهاب إلى الحمام العمومي أو لمس الأكواب أو مصافحة الآخرين، أو الخوف من رمي الأشياء وتجنب التخلص منها.
- الاكتئاب:
من الممكن أن يؤدي الوسواس بصاحبه إلى الاكتئاب، والشعور بالقلق أو التوتر والخوف والذنب المستمر.
هل تعاني من الوسواس القهري؟
في بعض التقديرات وصلت نسبة المصابين بالوسواس القهري إلى 2.3%، وهم ممن أصابهم هذا المرض في واحدة من مراحل حياتهم العمرية، ويُرجح أن تكون الإصابة قبل سن العشرين، ومن المستبعد أو غير المألوف أن تحدث بعد سن الخامسة والثلاثين، ولكن تشير الدراسات أن هذا المرض من الممكن أن يصيب الشخص مرة في أحد مراحل عمره، ومن الممكن أن ينتاب الشخص على فترات، تهدأ فيها حدته أحيانا ويعود بشدة أحيانا أخرى.
من المهم أن يكون هناك سمات تجعل الأطباء يوقنون أن المريض مصاب بالوسواس القهري، فأول ما يلاحظ عليه هو القيام بمجموعة من الطقوس بشكل إلزامي، ويصبح أي تفريط أو تغيير فيها قادر على أن يفسد عليه اليوم ويسبب له الخوف والقلق، فهو يعتاد على روتين يومي يبدأ على سبيل المثال بالتنظيف والاستحمام ثم تناول الفطور وبعدها الشاي، ومن بعدهم تأتي الأنشطة الاجتماعية الأخرى المتعلقة باليوم.
والأمر لا يكون بهذه السلاسة، فلكل منا روتينه على مدار اليوم، ولكن مريض الوسواس القهري يتعامل مع أي خلل بهذا الروتين برد فعل مختلف لأنه نابع من شعوره بالخوف الذي كان يعمل على تفاديه بهذا النمط من السلوك، وغالبا ما يتجه المرضى إلى العمل والإنتاجية ذهنيا وبدنيا دون مراعاة لاحتياجاته الجسمانية، مع الدقة المفرطة، والهوس باتباع القواعد والقوانين.
أسباب الوسواس القهري:
لا يوجد حتى الآن أسباب واضحة للوسواس القهري، ويمكن تحديدها والرجوع إليها واعتبارها من مسببات الوسواس القهري، ولكن هناك بعض العوامل التي يمكنها أن تسبب ظهوره، ومن بينها:
- العوامل البيولوجية والتي تأتي من تغير كيميائي ما في جسم المريض يؤثر على أداء وظائفه الدماغية، كأن يكون هناك نقص في السيروتونين، الذي يؤدي انخفاض مستواه عن الطبيعي إلى احتمالية الإصابة بالوسواس القهري.
- هناك عوامل بيئية لها علاقة باتباع الشخص مجموعة من التصرفات والسلوكيات مما ينتج عنه الإصابة بالمرض.
- العوامل الوراثية أيضا لها دور في ظهور أعراض الوسواس القهري، لكن لم يتم تحديد الجينات المسئولة عن ذلك بعد.
- البعض يُرجح أن القلق والضغط والتوتر من عوامل ظهور الوسواس القهري والإصابة به، بعض الأبحاث أشارت إلى سوء التغذية كواحد من أسباب اضطراب الوسواس القهري، إلى جانب تسببه في الإصابة باضطرابات وأمراض نفسية أخرى.
- من الممكن أن يكون المرض نتيجة الإصابة باضطرابات نفسية أخرى مثل القلق أو الاكتئاب.
من الممكن أن يؤدي هذا الوسواس القهري إلى:
الأفكار الانتحارية، الإصابة بالاكتئاب، انعدام القدرة على العمل أو التعلم، اضطرابات في تناول الطعام، الإدمان بأنواعه، ظهور اضطراب نفسي آخر.
علاج الوسواس القهري:
علاج الوسواس القهري يعتمد على المواجهة، بالتأكيد الأمر يخضع لتقديرات الطبيب والمعالج النفسي، وفي الغالب يعتمد العلاج على نوعين:علاج بالعقاقير والأدوية الطبية، إلى جانب العلاج المعرفي السلوكي، ولذلك يجب أن يدرك المريض بعض الأمور التي يمكنها أن تساعده على العلاج والتخلص من المرض الذي يقضي على حياته، والبداية قد تكون من ملاحظة السلوكيات القهرية التي تقوم بها، ومحاولة القضاء عليها وتخطيها.
لا يمكنك تجنب مخاوفك وأفكارك، أولا عليك أن تواجهها وتعرفها جيدا حتى يمكنك التعامل معها، فإذا كان لديك الهاجس والوسواس الذي يضطرك إلى التأكد من غلق الأبواب مرتين أو أكثر، فعليك أن تقاومه وتعمل على التأكد مرة واحدة فقط، وإذا شعرت أن هناك رغبة قوية تجرفك نحو التأكد لمرة ثانية حدث نفسك "هذه مجرد هلاوس"، وتخيل صورة للباب وهو مقفل.
ضرورة تغيير الطقوس الإلزامية التي تأخذ ساعات طويلة من يومك، وأن تكون البداية بمحاولة تقليل الوقت المستغرق في إتمامها، مع التخلي عن إحداها فترة بعد الأخرى، وتأتي قدرتك على التحكم في هذا الأمر، من الطريقة التي تسيطر بها على القلق وتحاول التخلص منه.
من الممكن الانشغال عن الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية بأنشطة أخرى، مثل الركض أو المشي وممارسة الرياضة، ومحاولة الاستماع إلى الموسيقى أو مشاهدة فيلم، ومن الممكن اللجوء إلى القراءة أو إجراء مكالمة مع أحد أصدقائك وتنغمس في تفاصيل ما تقولونه، فالمهم هو محاولة الالتهاء بشئ آخر ممتع لما يقرب 15 دقيقة أو أكثر إن أمكن.
مواجهة الأفكار الوسواسية يحدث عندما تعرفها جيدا، لذلك ففي كل مرة تهاجمك الأفكار والوساوس قم بكتابتها على أي ورقة أو على هاتفك المحمول، المهم أن تتخلص منها وتراها أمامك مجسدة في شكل حروف وكلمات، وفي كل مرة تضيف إليها حتى تعي أكثر الأفكار التي تهاجمك، ومع الوقت ستجد أن كتابة هذه الأفكار أصعب بكثير من مجرد التفكير فيها فقط، فتجدها تختفي تدريجيا خاصة أن قوتها تنتهي بمجرد رؤيتها مكتوبة أمامك.
هناك حيلة أخرى من الممكن اتباعها للتعامل مع هذه الأفكار، بأن تخصص لها وقتا محددا خلال اليوم، وأن يكون لهذا الوقت طقوس مرتبطة بالزمان والمكان، كأن تختار الجلوس على كرسي بزاوية في غرفة النوم في ميعاد محدد وليكن من الساعة السابعة مساء وحتى السابعة و 20 دقيقة، تدع الأفكار خلال هذ الوقت تنهال عليك دون أن تقاومها أو تحاول تصحيحها، وإذا هاجمتك خلال اليوم تعمل على مقاومتها وتأجيلها للميعاد الذي حددته.
البعض يلجأ إلى التسجيل الصوتي لهذه الوساوس، فتقوم بتسجيلها على هاتفك الذكي كما ترد على لسانك دون تعديل أو تجميل منك لها، وتقوم بعدها بالاستماع إليها لمدة نصف ساعة تقريبا، في النهاية سيسبب تواجدها والاستماع إليها ضيقا وقلقا أقل، فالعبرة أنه كلما واجهت هذه الأفكار قلّ تأثيرها عليك.
ومن المهم أيضاً أن تتبع نظام حياة صحي ومتوازن، كالتعود على أداء التمرينات الرياضية البسيطة، كونها واحدة من العلاجات الطبيعية للقلق حيث تعتبر الرياضة وسيلة جيدة للتحكم في أعراض الوسواس القهري عند ظهورها.
يجب أن يحصل الجسم على عدد ساعات كافٍ من النوم، فقلة النوم والشعور بالأرق يجعل الأفكار تداهمك، وتجعلك غير قادر على مواجهتها، لذلك الراحة الجسمانية ضرورية.
التقليل من التدخين، والنيكوتين والكحول، فكلها عوامل من الممكن أن تزيد من أعراض الوسواس القهري.
اللجوء إلى جلسات الاستجمام والاسترخاء وممارسة اليوجا، حتى تعمل على التقليل من الشعور بالإجهاد أو التوتر، اللذين يؤثران في ظهور أعراض الوسواس القهري.
من المهم أن يحصل المريض على الدعم والثقة من المحيطين به، فمن الممكن أن تجعلك الوساوس تضطر إلى العزلة الاجتماعية، والتي تعمل على تفاقم أعراض الوسواس القهري، ولذلك يجب أن تكون محاطا بأقاربك وأصدقائك الذين تحبهم ويبادلونك الشعور بالحب والود، فتكتسب منهم القدرة على مواجهة المرض والدعم والمساندة.
البحث عن مجموعات دعم مرضى الوسواس القهري، فتحصل على خبرة في التعامل مع المرض من مرضى سابقين، وتشاركهم الهواجس التي تنتابك وتفرغ عن الطاقة السلبية التي يسببها المرض.
إذا كنت تعتقد أنك تعاني من أي من هذه الأعراض وتحاول أن تُشفى، فيجب عليك استشارة وسؤال طبيب نفسي متخصص، ليدلك على الطريقة المناسبة لحالتك وفق التشخيص الذي يضعه، ولا يجب أن يكون مصدرك هذا الموضوع فقط.
الاضطرابات النفسية لم تعد شعورا ثانويا، أو مجموعة من الأعراض التي يمكن تجاهلها، فتأثيرها على الصحة العامة بخلاف التأثيرات التي تُحدثها على الصحة النفسية، من الممكن أن تؤدي إلى نتائج وعواقب تصل إلى حد فقدان الشخص لحياته، فهذه الاضطرابات التي تغير في النمط السلوكي وتؤثر على سيكولوجية الفرد، ما زالت تخضع لتغييرات وتدخل عليها التحديثات من أجل الوصول إلى توصيف دقيق لكل منها، والتي يعتبر الوسواس القهري من بينها.
وتشمل أنواع الاضطرابات النفسية أيضا، القلق أو الخوف، والفوبيا، والاكتئاب الهوسي (اضطراب المزاج ثنائي القطب)، واضطراب الفكر والهلاوس، واضطراب الفصام المعروف بـ (الشيزوفرينيا)، إلى جانب اضطرابات الشخصية سواء المعادية للمجتمع أو الشخصية الانعزالية أو فصامية النوع.
وعلى اختلاف الاضطرابات النفسية وأسبابها، يجب أن يكون لديك قناعة بضرورة طلب النصح والإرشاد وعدم تجاهل أي من أعراضها، والذهاب على الفور لمشورة طبيب أو متخصص أو معالج نفسي.