ما هي عناصر التي تحدد مرض العاملين وعدم قدرتهم على العمل؟
ودون الدخول في الإجازات المرضية لإجراء فحوصات أو عمليات جراحية بالمستشفيات، أو للمُراجعات الطبية بالعيادة أثناء أوقات العمل الوظيفي، أو إجازات الولادة والرضاعة، فإن موضوع طلب الإجازة عن العمل جراء «الإصابات المرضية المفاجئة»، يهم نسبة عالية من الناس. وبالنسبة للفرد العادي، فإن مبدأ «الصحة أهم» يخضع لدى البعض لضغوطات من عوامل شتى في أماكن العمل، ولدى آخرين يخضع لضغوطات الرغبة في جني فوائد من الاستمرار بالعمل رغم المرض.
والأهمية بالنسبة للمديرين في أماكن العمل هي الحفاظ على مستوى الإنتاج والمردود المادي له. أما الأهمية بالنسبة للمؤسسات التعليمية، في أي مرحلة منها، تتعلق بتحقيق تعليم الانضباط وتوفير فرص الاستفادة القصوى من البرامج التعليمية المُقدمة يومياً لمرتاديها.
ومع دخول الأزمة المالية العالمية مراحل متقدمة من الوضوح والعمق في الأضرار على أرباب الأعمال الخاصة، وعلى العاملين والموظفين لديهم، وعلى فرص توافر الوظائف ومميزاتها، في كل أنحاء العالم، تبدو «الإجازات المرضية» أحد «المتضررين الصحيين المُحتملين» بتلك الأزمة وتداعياتها.
أولويات الصحة
وبين أشخاص «يختلقون» الفُرص للتغيب عن العمل أو المدرسة، وبين مديرين «متشددين» بطريقة خاطئة في إلزام المرضى بالحضور إلى أماكن العمل أو المدرسة، هناك مرضى فعليون يُعانون لدى اضطرارهم الذهاب العمل أو الحضور إلى المدرسة حال مرضهم. وهناك أيضاً زملاء لهم سليمون في العمل والمدرسة يتعرضون لاحتمالات ارتفاع فرص انتقال الميكروبات إليهم حينما يحتكّون مع زملائهم المرضى.
وكذلك هناك أجنّة تتعرض للضرر والأذى جراء الضغط النفسي الذي تُعاني منه الحامل في اضطرارها للعمل وهي غير قادرة عليه، وجراء القيام بالمجهود البدني والذهني للعمل نفسه، وجراء حضور زميلات مرضى لمكان عمل يضم حوامل. وإزاء هذا كله، علينا استحضار الأولويات التالية:
ـ حفظ صحة الإنسان، ومساعدته على تلقي المعالجة، سواء كانت تلك المعالجة أدوية يتناولها، أو راحة يقضيها، أو عملية جراحية يخضع لها.
ـ حماية الأشخاص السليمين من خطر التعرض للعدوى من المرضى أيا كانوا.
ـ عدم هدر الأموال والطاقات الإنتاجية والتشغيلية لأماكن العمل، والاستفادة القصوى من البرامج التعليمية في الجامعات والمدارس. هذا مع العلم أن لا مكان للراحة في أماكن العمل أو المدرسة.
وعليه، تظل الأسئلة المطروحة: متى «يجب» على الطالب أو الموظف عدم الذهاب للمدرسة أو مكان العمل؟ وكيف يعرف أحدنا أن صحته أصبحت تسمح له بالذهاب إلى المدرسة أو العمل؟ وكيف يُمكننا التفريق بين حالة مرضية «مُعدية» للغير، وحالة لا خطورة فيها بذلك؟ وفي أي الحالات المرضية تكون الراحة المنزلية أحد عناصر العلاج الضرورية؟
وماذا على المريض فعله لو وصف له الطبيب المُعالج أدوية تُؤدي إلى تدني قدرات التركيز الذهني أو تتسبب في النعاس؟
أربعة عناصر «مرضية»
خلاصة، ثمة أربعة عناصر لتحديد ما إذا كان المرء مريضاً لدرجة لا تسمح له بالعمل، أو مريضاً يجب عليه عدم العمل. وبحسب ترتيب الأهمية، فإن العناصر الأربعة هي:
ـ أن يُشكّل ذهابك للعمل وأداؤك متطلباته، أمرا ذا خطورة على حالة وسلامة الآخرين.
ـ أن يُشكّل ذهابك للعمل وأداؤك متطلباته، أمرا ذا خطورة على الحالة المرضية التي تُعاني منها.
ـ أن تكون، بمرضك، شخصاً مُعدياً للآخرين بانتقال الميكروبات إليهم، وسبباً في إصابتهم بالمرض.
ـ أن لا تسمح لك حالتك الصحية بأن تكون عاملا منتجا بمستوى فاعل في عملك.
والعنصر الأول يُعد من الجوانب التي تحتاج إلى توضيح، للعاملين ولمديريهم في العمل. ويقول الدكتور مايكل بانغر، الطبيب بمستشفى سانت ليوك روزفلت والمدير الطبي لـ«مركز روزفلت لمكاتب أطباء المستشفى» في نيويورك: «يجب أن تسأل نفسك السؤال الأساسي التالي: هل أنا كمريض أُشكل خطورة على سلامة نفسي أو سلامة الآخرين»؟
وأعطى مثلا بمن يُعاني من ألم مفاجئ في الأذن، وتسبب لديه في اضطراب في التوازن أو التركيز الذهني. وقال بأن هذا الشخص قد لا يتسبب في الكثير من الضرر عند مجرد عمله على الكومبيوتر. ولكن هذا الشخص لو كان طياراً أو سائق شاحنة أو حافلة، فإن ألم أذنه أمر خطير جداً لكل من حوله من الأشخاص.
وكذلك الحال، كما أضاف، لو كنت تتناول عقاراً يتسبب في نعاسك وتدني قدرات تركيزك وترنحك كالسكران، فإن من الخطير أن تُؤدي أعمالك الوظيفية المعتادة. ولذا فإن بقاءك في منزلك حينئذ سيجعل كل الناس سعداء وسالمين.
وهناك مجموعات من الأدوية التي تتسبب في النعاس وبتدني قدرات التركيز، وتُستخدم في حالات مرضية شائعة جداً، كنزلات البرد والتهابات المجاري التنفسية والتهابات الجيوب الأنفية والأذن وغيرها. كما أن هناك عدة أعراض مرضية لأنواع من أمراض الأذن والعيون والجيوب الأنفية وغيرها، قد يُصاحبها اضطرابات في التوازن أو التركيز الذهني أو دقّة الإبصار.
حرج وضغوطات مادية
وتقول الدكتورة كاثرين كيمّنس، من كلية الطب بجامعة كاليفورنيا ـ إيرفين: «يشعر الناس بالحرج والتوتر عندما يضطرون للتبليغ بمرضهم إلى المسؤول في موقع عملهم. ولكن لو كنت حقيقة تشعر بأنك على غير ما يُرام، خاصة لو كانت لديك حمّى، فأنت تحتاج إلى البقاء في المنزل، لأنك لو كنت تشعر بالمرض حقيقة فإنك ستواجه أوقاتا صعبة كي تعمل بنفس المستوى الطبيعي لك.
ولو كان لديك التهاب بكتيري أو فيروسي، فستُعرض جمهور زملائك في العمل لهذه الميكروبات، وبالتالي سيُصبحون مرضى مثلك.
وبقاؤك في منزلك وقتئذ سيكون الوسيلة لتقليل فرص انتشار هذه الميكروبات في المجتمع. وكان الباحثون من جامعة هارفارد قد طرحوا، في دراسة لهم صدرت في يوليو من العام الماضي، تساؤلات حول أسباب ملاحظة شائعة بأن كثيرا من الناس المرضى يُقدمون على مزاولة أعمالهم الوظيفية بالرغم من المعاناة المرضية.
واقتصرت تلك الدراسة على ولايتي فلوريدا وأوهايو، ومما قاله الباحث روبرت بليندون، من جامعة هارفارد: «وجدنا أن نحو نصف المشمولين في الدراسة أفادوا بأنهم قاموا بالذهاب إلى أعمالهم الوظيفية وهم يُعانون من حالة مرضية تتطلب منهم البقاء في المنزل. وتبين أن 67% من المشمولين بالدراسة من فلوريدا، و 60% من أوهايو، يشغلون وظائف تُؤمن لهم حق أخذ إجازات مرضية. والبقية لا يتوفر لهم ذلك».
وأرجعت الدراسةُ أسباب العمل برغم المرض، إلى أحد أمرين. وهما، إما شغل هؤلاء الأشخاص لوظائف لا تُؤمن إجازة مرضية. أو أن هؤلاء الأشخاص يشعرون بأنهم تحت نوع ما من الضغط المؤثر من جانب ربّ العمل، أو للحفاظ على موقع جيد في العمل، بوجوب وجودهم فيه بالرغم من المرض.
وهو ما علق عليه الباحث بالقول: «الذهاب للعمل حال الإصابة بالمرض ليس فكرة جيدة. والحقيقة أن شعور كثير من الناس، بأنهم لا يستطيعون لأسباب اقتصادية البقاء في المنزل حين المرض، ليس هو أفضل وسيلة لحفاظ على صحة الأفراد، بل الاختيار الأفضل هو بقاؤهم في المنزل حال المرض مع الشعور بأن ذلك البقاء في المنزل لن يتسبب لهم في جزاءات مالية مؤثرة».
إجازات لمصلحة العمل
ومع وجود محاولات لتوفير تلك الأجواء، الأكثر أماناً للعاملين حال مرضهم، وبقائهم في المنزل، ثمة أصوات تعترض وتشير إلى أن ذلك من الصعب تحقيقه. وعلى سبيل المثال ثمة مطالبات في سان فرانسيسكو وواشنطن بتوفير إجازات مرضية للعاملين. وكانت ديبرا نيس، رئيسة «الشراكة القومية للنساء والأسر» قد ذكرت أن توفير «إجازة مرضية مدفوعة الأجر» هو الهدف التالي في الجهود الهادفة لجعل أماكن العمل أكثر ودا وصداقة مع الأسرة familyـfriendly.
وأفاد تقرير مجموعتها، الصادر في عام 2004، بأن 47% من الأميركيين العاملين في القطاع الخاص، لا تُوجد لديهم إجازة مرضية مدفوعة الأجر paid sick days، وأن 59 مليون أميركي، في وظائف القطاع العام والخاص، لا تُوجد لديهم إجازة مرضية مدفوعة الأجر، وأن 41% من الوالدين الذين يتقاضون أجوراً تصل إلى ضعف ما هو في مستوى الفقر، ليس لديهم أي نوع من الإجازات المدفوعة الأجر.
أي إجازات مرضية أو إجازات عطلة أو غيرها. وأن 117 دولة على المستوى العالمي تضمن للعاملين أيام أسبوع كامل أو أكثر من الإجازة المرضية سنوياً. وأن معدل الغياب بداعي المرض، لأطفال المدارس خلال العام هو ثلاثة أيام أو أكثر.
أنفلونزا في مكان العمل خسائر سنوية عالية
في استبيان تم إجراؤه على شريحة بلغت نحو ألف شخص، في مارس (آذار) 2006 بالولايات المتحدة، ظهر أن نحو 35% من العاملين يشعرون بضغط ضرورة حضورهم للعمل عندما يكونون مُصابين بالأنفلونزا. والسبب كان لدى 60% هو أن واجباتهم الوظيفية لن تُنجز إذا لم يحضروا للعمل.
وأفاد 48% بأن هناك سببا مهما آخر، وهو شعورهم بالتقصير والذنب جراء عدم الحضور للعمل. والأهم، ما ذكره 25% من المشمولين بالاستطلاع، وهو أنهم يضطرون مجبورين للذهاب إلى العمل، حال المعاناة من الأنفلونزا، لأن ربّ العمل لن يدفع لهم أجر اليوم الذي يغيبون فيه بداعي المرض.
وحضور هؤلاء للعمل لا يُعرض زملاءهم فقط لخطورة العدوى والإصابة بالأنفلونزا، بل يُزعجهم أيضاً. وأفاد أكثر من 40% منهم بأن حضور الزملاء المريضين بالأنفلونزا لا يجعلهم يشعرون بالتعاطف مع هؤلاء المرضى بل يجعلهم منزعجين بدرجة مهمة من ذلك الحضور للمرضى.
وقالت الدكتورة سوزان ريهم، المديرة الطبية للمؤسسة القومية للسيطرة على الأمراض المُعدية، الطبيبة بقسم الأمراض المُعدية في مؤسسة كليفلاند كلينك: «إن ضبط انتشار الأنفلونزا في أماكن العمل أمر مهم من منظور الصحة العامة للناس، ومن منظور قطاع الأعمال على حد سواء».
وأوضحت أهمية معرفة الفرق بين الأنفلونزا ونزلة البرد الشائعة بقولها: «إذا كانت لديك أعراض التهاب في الجهاز التنفسي العلوي، فإن من المهم أن يتم تحديد ما إذا كان لديك أنفلونزا أو نزلة برد. والأنفلونزا هي مرض شديد يحصل بشكل حاد، وعلاماته الصداع وألم العضلات وارتفاع الحرارة ودرجة شديدة من الإنهاك البدني وسعال جاف عن إخراج البلغم. وفي المقابل، فإن نزلة البرد أكثر بطئاً في تدرج ظهور الأعراض.
ومن النادر أن يُصاحبها ارتفاع شديد في درجة الحرارة أو إنهاك بدني شديد، بل الغالب فيها العطس وسيلان الأنف وألم الحلق. وأهمية معرفة الفرق بين الحالتين في التشخيص هي أن طريقة معالجة كل منهما مختلفة.
وفي الوقت الحالي لا تُوجد وسيلة فعّالة لمعالجة نزلة البرد، إلاّ أن أخذ قسط وفير من الراحة البدنية، وتناول الكثير من السوائل، وأخذ بعض أنواع أدوية نزلة البرد التي تُباع في الصيدليات دونما الحاجة إلى وصفة طبية، يُمكن أن يُساعد على إعطاء المريض الراحة خلال الفترة التي تستمر فيها نزلة البرد بالمريض.
وفي حالات الأنفلونزا، يُوفر اللقاح السنوي ضد فيروسات الأنفلونزا، خط الدفاع الأول. وحينما يُصاب أحد بالأنفلونزا فإن عليه بالراحة المنزلية التي ستُقلل أيضاً من نشر المرض بين الأشخاص الآخرين».
واستطردت في التوضيح بقولها: «وفي مكان العمل، حيث يقضي الناس وقتا طويلا بالقرب من بعضهم، فإن من المهم على وجه الخصوص تقليل احتمالات نشرك للفيروس بين الغير. والاهتمام بغسل اليدين بشكل منتظم بالماء والصابون هو وسيلة ممتازة لحماية نفسك والآخرين من المرض. وطريقة الغسل الجيد لليدين تشمل فرك اليدين بالماء والصابون لمدة تتراوح ما بين 20 إلى 30 ثانية.