من بينهم ديور .. 3 عمالقة في ثالث أيام أسبوع باريس للموضة
(ديور) دار أزياء ولدت في وقت صعب .. بعد الحرب العالمية الثانية، حين ابتكر صاحبها «ذي نيو لوك»، وهو التصميم الذي رفع المعنويات وأعاد الجمال والأناقة إلى النساء.. لقد أردت أن أكمل مسيرة المؤسس..أن أكمل الحلم، وأن أبدع جمالا عصريا وفخما، وتصميمات تلهب الحواس.
نحن نحتاج دائما إلى الجمال والإبداع، وفي وقت الأزمات يصبح لزاما عليَّ أن أؤدي هذا الدور أكثر من أي وقت آخر، حتى أوقظ الحلم بداخل كل امرأة».
هذا ما قاله البريطاني جون غاليانو، مصمم دار «ديور»، تعليقا على الأزمة المالية وتأثيراتها على عالم الموضة، وعلى تشكيلته لخريف وشتاء العام المقبل.
أما كيف ترجم هذا الحلم والجمال، فبالتوجه إلى الشرق البعيد. شرق قلما تمت زيارته، مثل طاجكستان وسمرقند والصين وحتى إيران، من خلال تشكيلة قال إنه أرادها أن تتنفس الفخامة والترف؛ حتى تكون مضادا حيويا للعقلانية والسوداوية التي رأيناها مؤخرا، الأمر الذي يفسر السخاء في استعمال الفرو والقماش المقصب والأحذية ذات الكعوب الفنية وغيرها.
لم ينس أيضا المرور بالشرق العربي من خلال سروال الحريم، الذي جاء أكثر إغراء وعصرية، لكونه من أقمشة ناعمة تتحرك بسهولة، كما أنه يبدو وكأنه تنورة طويلة؛ مما يكسبه أنوثة وعملية في الوقت ذاته، بمعنى أنه بالإمكان ارتداؤه في مناسبات أكثر، مع قليل من الحذر في التنسيق.
كانت هناك أيضا فساتين طويلة على شكل قفاطين غنية بالتطريزات، وحتى تلك التي كانت فيها التطريزات بجرعات أقل، أضاف إليها إكسسوارات فضية ضخمة، يمكن الحصول عليها من خان الخليلي، أو أسواق اليمن ومراكش، وغيرها.
كانت هناك تحية ملموسة للعشرينات من القرن الماضي، بداية الاستشراق في عالم الموضة على يد «بول بواريه»، ولو من خلال تسريحات شعر.
الفكرة من هذه الرحلة، حسب قول غاليانو، هي إعادة بعض الفانتازيا والحلم للعالم، لكن شتان بين الفانتازيا التي رأيناها منه في السنوات الماضية، والفانتازيا التي أطلقها في حدائق التويلريز يوم الجمعة.
ففي الماضي، يمكن القول إن عروضه كانت تنتمي إلى المدرسة السريالية، فيما أصبحت اليوم تنتمي إلى فانتازيا الواقع. والسبب معروف، وهو أن التجارة لها أحكام، وحتى الحلم يجب أن يبيع، وإلا فإنه يبقى حلم صاحبه فقط.
وهذا ما استوعبه غاليانو في المواسم الأخيرة، التي خف فيها جنونه بعض الشيء، وأول من أمس أيضا، بدليل أن تشكيلته، رغم توجهها إلى عصر جنكيز خان والإمبراطورية الصينية والفارسية وغيرها، ضمت أيضا قطعا تخاطب المرأة التي تريد أن تبقى في الغرب والقرن الواحد والعشرين، من خلال معاطف من الكشمير، وفساتين من الشيفون، وتايورات متنوعة، بعضها بخصر محدد، وبعضها الآخر واسع لا يعترف بهذا الجزء، وبعضها بأكتاف محددة وصارمة، وأخرى تكاد تغيب فيها الكتف في أكمام مستديرة ومنفوخة.
المهم أن كل واحدة ستجد ما تريده في هذه التشكيلة، لأن الغرض الأساسي منها أن تكون تجارية، بقدر ما تكون فنية وملهمة. وعلى ذكر الغرض التجاري، فإن الحقيبة التي ظلت تبيض ذهبا لدور الأزياء عموما، كان لها دور مهم في هذا العرض، إلى جانب الأحذية.
ويبدو أن الدار تريد نجاحا مضمونا بطرحها حقيبة «لايدي ديور» التي اشتهرت أول مرة عندما حملتها الأميرة الراحلة ديانا، ثم اختفت لسنوات قبل أن تعيدها الدار، من خلال حملة ترويجية تمثلها النجمة الفرنسية ماريون كوتيار. وهي اليوم، حسب قول المسؤولين، من أهم القطع التي ترتبط بها وتحقق لها النجاح.
والفضل يعود إلى كلاسيكيتها التي تجعل منها استثمارا بعيد المدى، في وقت لم يعد يتحمل الصرعات، ويتطلب الكلاسيكيات.
قبل عرض البريطانية المخضرمة فيفيان وويستوود، كان الحديث منصبا على النجمة باميلا أندرسون، التي ستكون نجمة العرض بلا منازع.
فهي لن تكون حاضرة كمتفرجة في الصفوف الأمامية، بل ستشارك كعارضة، وهو الخبر الذي تسرب منذ أيام إلى وسائل الإعلام؛ وجعل عرض المصممة البريطانية أكثر إغراءً.
بدأ العرض متأخرا، وظهرت عارضة، ثم أخرى، في أزياء تبدو وكأنها لم تكتمل في خياطتها، واسعة لا يجمعها سوى الحزام، ثم ظهرت العارضة الثالثة. إنها باميلا أندرسون في دور صغير تظهر فيه وكأنها حورية مكتوفة اليدين من الخلف، دلالة على عدم قدرتها على مواجهة التسخين الحراري، وهي الرسالة التي تكررت كثيرا، من خلال أزياء رسم عليها «5 درجة»، وهي النسبة التي تزعم ويستوود أن حرارة الأرض تزيد عليها بشكل سريع. والحقيقة أن التشكيلة لمن لم يتعود على أسلوب هذه المخضرمة المتمردة، سيصعب عليه هضمها، لكونها تبدو فوضوية ومجنونة وغير مكتملة في الكثير من تفاصيلها، لكنها في أرض الواقع يمكن أن تناسب شرائح كبيرة من الشباب ومحبي الصرعات والرسائل السياسية والاجتماعية. وأغلب هؤلاء ـ على ما يبدو ـ هم من الشرق الأقصى، إذ كانت نسبة الحضور العالية من القارة الآسيوية هي المقياس.
لكن الكلمة الأقوى في اليوم الثالث من أسبوع باريس لخريف وشتاء 2009-2010، كانت بلا شك لألبير إلبيز، مصمم دار «لانفان».
صحيح أنه في كل موسم يؤكد أنه من القلة التي تعيد للأذهان مبدعي المدارس القديمة وإن كانت أدواته عصرية، إلا أنه في هذه المرة تفوق حتى على نفسه، إن صح التعبير.
على أرضية مبللة وخلفية تبدو وكأنها شارع طويل ببنايات مهجورة أو مهدمة، أطلت علينا عارضاته من باب مزين بورود باللون الأحمر، بالأسود ثم الأسود والأسودن فيما عدا فستان أحمر بدا نشازاً بينها، وجرعات خفيفة لا تسجلها الذاكرة من اللون البيج والرمادي والبني الغامق والأزرق النيلي.
منذ اللحظة الأولى، أشعرنا بأن الأناقة لا تزال بخير، وأن المصمم لا يحتاج إلى (فذلكة) ليعطي المرأة ما تريده، سواء كان ذلك فستانا بياقة مفتوحة أو عالية، أو فستان سهرة طويلا من الساتان بقصة مستقيمة، ليس فيها أي تفاصيل، ولا تحتاج إلى شيء للتأكيد أنها منحوتة بحب أو إتقان، أو فستان سهرة طويل من المخمل الناعم أيضا بقصة مستقيمة بذيل طويل لا يخترق انسيابه سوى حزام رفيع جدا.
هو الآخر، مثل أوليفييه تيسكينز، من دار «نينا ريتشي»، وكريستوف ديكارنين من دار «بالمان»، ونيكولاس غيسكيير من دار «بالنسياجا»، استوحى من الثمانينات، لكن بطريقة أخف بكثير، سواء تعلق الأمر بالأكتاف المحددة، أو باستعمال المعادن، خاصة الذهبي في بعض التفاصيل والإكسسوارات.
كل ما في التشكيلة ينطق بأن ألبير يفهم المرأة ويحترمها كأنثى وكإنسانة تقوم بعدة أدوار في الحياة، وبالتالي لم يغرق في الرومانسية، وأعطاها أزياء رائعة يمكنها أن تستعملها في كل المناسبات.
فكل قطعة منها تتميز بالتفصيل بطريقة يحسده عليها خياطو «سافيل رو»، بما في ذلك المعاطف التي تبدو واسعة مع استدارة في الأكتاف، وكأنها فصلت بطريقة عشوائية، بينما هي في الحقيقة تخدم المرأة، وتضفي عليها أنوثة فيها قوة وشاعرية، خصوصا إذا تم تنسيقها مع قطع من الفرو تلف حول الصدر، ويمكن ارتداؤها مع أي قطعة.
ولا شك أن هذه القطع ستكون من الإكسسوارات الساخنة جدا، أناقةً وتجارة. والأجمل من هذا، ستحصل المرأة منها على أحذية، قد تكون عالية، لكنها رائعة في تصميمها، ويبدو أنها مريحة من طريقة تحكُّم العارضات في المشي بها، حتى فوق الأرضية غير المعبَّدَة والمبللة.