الدليل الكامل لعلاج الأكتئاب .. أكثر أمراض العصر إنتشارا
خاص الجمال - عمرو لبيب
نظرا لما تزخر به الحياة من تعقيدات ومشاكل استجدت مع متغيرات العصر الحديث ومصاعب الحياة اليومية علي الصعيد المادي والأجتماعي والمهني وقسوة وتيرة الحياة، ازدادت الأمراض النفسية انتشارا وكلما كانت الأسباب المؤدية لهذه الأمراض مركبة، كلما أصبح المرض ذاته مركبا، وبالتالي يكون العلاج صعبا وفقا لمستوي شدة المرض، ومن أبرز الأمراض الخفية التي يعاني منها الكثيرون هو مرض الأكتئاب، ويصيب مرض الأكتئاب مختلف الفئات الأجتماعية والعمرية، فليس غريبا أن نري طفلاً في الثانية أو الثالثة من عمره مصابا بالأكتئاب أو شيخا كبيرا بلغ من العمرأرزله.
لكننا في هذا التحقيق سوف نسلط الضوء علي المرأة نظرا لأنها من أكثر الفئات المعرضة للأكتئاب لأسباب سوف نسوقها في السطور التالية، وبالطبع سوف نفسح المجال لأحدث ما توصلت إليه النظريات العلمية الحديثة التي تتصدي لهذا المرض النفسي الذي قد يصل الأمر به إلي أن يودي بحياة الشخص بعد إذ يأس من إيجاد حلول لمشاكله أو سبباً تكمن وراءه حياته.
فالمرأة بطبيعتها مخلوق ضعيف، مرهفة الاحساس، عطوفة وعاطفية، تتأثر بشكل أكبر بما تصادفه من مشكلات أو عراقيل أو منغصات، فبالإضافة إلي الضعف الجسماني قياسا بالرجل فهي أكثر ضعفا من الناحية النفسية وهي بحاجة دائمة إلي من يتفهم مشاعرها وتقلباتها النفسية، العصبية والمزاجية، وهي تحتاج دائماً، علي عكس الرجل، إلي من يدعمها أو يقدم لها العون فيما تجابهه من مصاعب الحياة، لكن بالطبع، لا تتسني تلكم الأمور بشكل دائم، مما يعرضها للسقوط في نوبات الأكتئاب.
وقد تعتري الحياة كثيرا فقدان أناسا نكن لهم حباً جارفاً أو أعزاء أو أقرباء أو التعرض لفقدان علاقة حميمة، ونظراً لحس المرأة المرهف، فهي لا تتحمل تلك الأمور بشكل يسير وتتأثر بالصدمات، أما الرجل فبوسعه أن يكتم آلامه لأنه في أغلب الأحوال يخجل من مجرد إبداء حزنه أوضعفه أو هزيمته ومنهم من يعتبر الأمر في سياق تحدي ينبغي أن يفوز بمعركته. لكن ربما كان ذلك الكتمان من ضمن العوامل التي تؤدي إلي تفاقم الأكتئاب ( لدي البعض) نتيجة للكبت.
المرأة، العاطلين عن العمل والمطلقات هم الفئات الأكثر تضررا من الاكتئاب. وينبغي لدي هؤلاء تحديداً أن تكون الوقاية والسيطرة أقوى لتفادي الدخول في نوبات الاكتئاب.
وهذا الأمر ينطبق بصفة خاصة علي الاكتئاب. فعادة ما يتلازم الاكتئاب باليقظة المبكرة: الشخص المصاب بالمرض يستيقظ في وقت مبكر جداً، أحيانا من الساعة الثالثة فجراً! ويتقلب كثيراً في فراشه مستعرضا الأفكارالسوداء، وأخيراً يستطيع النوم ... عندما يحين الوقت للأستيقاظ!
من الضروري تحديد هذه المشكلة باعتبارها من أعراض الاكتئاب. لأن العديد من الأشخاص يتعاملون مع هذا الأمر بوصفه اضطرابا في النوم، ويعمدون إلي تناول الحبوب المنومة، دون معالجة السبب الحقيقي، ألا وهو الاكتئاب.
ومع ذلك، إذا ما تم تحديد الاكتئاب مبكرا وإيلاءه عناية كبيرة، فسوف يمكن علاج النتائج المترتبة على الأرق كما يمكن أن ينظر إليه على أنه علاجا مكملاً.
من المعروف تأثيرالأكتئاب الموسمي على النوم إذ يصاحبه شعوراً بالتعب في الصباح، حتى بعد مرور 12 ساعة من الراحة! ويأتي الحل عن طريق الخضوع لدورات علاج ضوئية، وبالتحديد خلال فترة الصباح للحصول علي طاقة ضوئية كاملة. مع ملاحظة أننا نتحدث بشكل متزايد عن أوقات الأسيقاظ المعروفة .. ساعة "ضوء الفجر" التي من شأنها فقط أن تسمح باليقظة الطبيعية والتعرض لضوء طبيعي مكثف بدءا من وقت اليقظة. لكن لم تؤكد أي دراسة جادة فوائد التعرض للضوء لعلاج الأكتئاب الشتوي .
شخص واحد من بين 13 يعاني من الصداع في الصباح لدي الأستيقاظ . وكانت اضطرابات النوم هي السبب الرئيسي حتى الآن، إلا أن دراسة أوروبية جديدة اكتشفت أن هذه الآلام تعد مؤشرا جيداً للاكتئاب.
فما يكاد المرء يستيقظ في الصباح حتي تستولي عليه آلاما في الرأس... لست وحدك، فالصداع الصباحي هو الضيف الثقيل الذي يفاجيء عدد كبير جداً من الأوروبيين.
ولكن في الآونة الأخيرة استطاعت دراسة وبائية أن تحدد العوامل الجديدة المتسببة... قامت دراسة استقصائية أوروبية واسعة النطاق بسؤال 18980 أوروبي من الذين تزيد أعمارهم على 15 عاما مما يشكل عينة تمثيلية من خمس دول (بريطانيا، إيطاليا، ألمانيا، البرتغال واسبانيا) عن مشكلة الصداع المزمن.
وقام الدكتور موريس اوهايون رئيس لجنة البحوث الوبائية المتعلقة بالنوم في مدرسة الطب في جامعة ستانفورد (كاليفورنيا)، قام بتقييم مستوي الصداع الصباحي لكل المشاركين وكذلك الاضطرابات السريرية، استهلاك العقاقير ذات التأثير العقلي، اضطرابات النوم والاضطرابات النفسية.
ووفقا للدراسة، فإن نسبة الأشخاص الذين يعانون من الصداع الصباحي المزمن وصلت يوميا إلي 7.6 % (1.3 % يوميا ، 4.4 % في كثير من الأحيان و 1.9 % في بعض الأحيان). المرأة هي الضحية الأولى (8.4 % مقابل 6.7 % للرجال) والفئة العمرية 45-64 سنة هي الأكثر تأثرا (9 %).
يرتبط هذا الصداع المزمن كذلك بتوقف التنفس أثناء النوم (15.2 %)، وارتفاع ضغط الدم (11 %)، والاضطرابات العضلية الهيكلية (14.1 %)، واستخدام العقاقير المضادة للقلق )20.1%) أو الافراط في شرب الخمر (12.6 %).
ويستخلص الدكتور اوهايون حديثه: "يعد الصداع الصباحي المزمن من المؤشرات الرئيسية الجيدة للأرق ونوبات الاكتئاب. وخلافاً لما كان عليه في السابق، فهي ليست محددة لتوقف التنفس أثناء النوم". هذه الاضطرابات في الصباح تحدث على الأرجح نتيجة لتفاعل عوامل عديدة. وتحديدها في المستقبل قد يساعد المتخصصين العاملين في مجال الصحة علي إدراجها في الفحص السريري.
لكن لا يزال التفسيريحتاج إلي ان يحدد... وثمة صلة متطورة بين الكيمياء الحيوية والقلق وألم الصداع النصفي، تعتبر مواضيع الاكتئاب والصداع النصفي شديدة الحساسية من قبل مستقبلات السيروتونين، والموصلات العصبية مسؤولة عن القلق والاكتئاب، وبكل تأكيد أيضا عن حدوث آلام الصداع النصفي بشكل أكثر سؤاً.
مع ذلك، هذا الافتراض يحتاج إلي مزيد من الدراسات لتؤكده.
من جهة، فالاكتئاب يعد من العوامل المعروفة التي تسبب ألم الصداع النصفي. ومن جهة اخري، فالإعاقة الناجمة عن الصداع النصفي قد تشجع على حدوث الاكتئاب. لوضع حد لهذه الحلقة المفرغة، فإن الخطوة الأولى هي التشاور. إذا كنت تعانين من أية آلام مستمرة أو نوبات الصداع، عليك بالتحدث إلى طبيبك. وتوجد علاجات فعالة لمعالجة هذين المرضين.
علاج الاكتئاب
تتكررجلسات العلاج بصورة منتظمة، عدة مرات في الأسبوع 3 أو 4 مرات بوجه عام... وهذه المسافات الدورية أساسية .
المريض يتحدث، وهو مدعولأن يقول كل شيء يجول بخاطره. ولكن هذا الأمر ليس بسيطاً كما يبدو: فهناك مقاومة نفسية تتعارض مع حرية الفكر بسبب تضارب الأفكار.
تعتمد الطريقة إذا علي الحد من المقاومة لتحقيق حرية التعبير كليا. لذلك، يقوم المعالج بتقديم تفسيرات لما يقال، وتوجيه مسار الأفكار، دون أن يعطي المشورة أو أوامر خاصة. علي الطبيب المعالج أن يبقى محايدا ولكن برفق.
ويركزالمعالج علي العلاقة التي تنشأ بينه وبين المريض، والتي أكد فرويد أنها تستنسخ أنماط العلاقة التي شهدها المريض مع والديه في طفولته.
قد يكون التحليل مجرد فرصة للاستكشاف والتطويرالشخصي. في أغلب الأحيان، يمكن للاضطرابات النفسية أن تكون ذات دلالة في التحليل النفسي ويوجه التحليل في المقام الأول إلي الاضطرابات العصبية والاضطرابات النفسية الكبري التي توجد لدي كثير من الناس. هذه الاضطرابات تنشأ بسبب المخاوف، الميول الاكتئابية واختلال الوظائف الجنسية، وغير ذلك.
وأقل من هذه الفترة، هناك خطرالتعرض للانتكاسة. إذا كنت قد تعرضت للاكتئاب مرة واحدة في حياتك، وليست لديك الرغبة في تكرار العلاج فأعلمي أنه لا بد من متابعة العلاج بصورة منتظمة للشفاء. وهذا هو مفتاح النجاح، ولكن من المعروف أن مريض واحد من كل ثلاثة لا يتابع علاجه.
إذا كان الطبيب، بدوره لا يمكنه الرد على أسئلتك، يجب أن يقول لك ذلك، لأنه في الطب هناك أشياء عديدة نجهلها.
وغالبا ما يشعر مريض الأكتئاب بالذنب، لأنه يفتقر إلى الإرادة، وهو يفتقد أيضا إلي الرغبة في أي شيء. وهذا الأفتقاد في الرغبة يعد جزءاً من مرض الاكتئاب. والسبب على وجه التحديد لأنك ببساطة مكتئبة، وسوف تستعيدين رغبتك عندما تتحسن حالتك.
وللأشخاص المحيطين دورا مكملا لا غنى عنه لنجاح العلاج : لا تترددي في طلب الدعم من عائلتك، أصدقائك وزوجك، والتحاور معهم حول المرض. ومن المفيد أن يعرف طبيبك عائلتك وأن يتحاوار معهم ويمدهم بالمعلومات اللازمة.
في معظم الأوقات مرضى الاكتئاب لا يتلقون العلاج فى المستشفيات. ومع ذلك فإنه ضروري جدا في بعض الأحيان عندما يكون الاكتئاب شديدا للغاية أو حين تكون العلاقات مع الأقرباء سيئة أو عندما تزداد خطورة الإقدام علي الأنتحار.
يعتبر الممارسين العامين في مقدمة التعامل مع مرضي الاكتئاب حيث يقومون بإجراء نحو73 % من التشخيصات. ولكنهم يواجهون اختلافات في الرأي، حيث ترتفع أصوات توجه لهم اللوم علي التدخل العلاجي المبكر والعلاج، وبالتالي عدم إتاحة الوقت للمرضى للخروج من المرض من تلقاء أنفسهم والنجاح في التغلب على هذه المشكلة.
في المقابل، يشكو البعض الآخر من تأخرالعلاج حيث يترك الشخص المصاب بالاكتئاب يناضال وحده ويعيش معاناة حقيقية ضارة. يبدو أن هذا الأختلاف الدائم يتجاهل أن نصف حالات الأكتئاب لايتم علاجها، بينما بلغ الذين يوقفون علاجهم عدداً غير قليل .
والانتكاسات متكررة. لذلك، من المهم أن ينجح الطبيب في إقامة علاقة من الثقة لتمكينه من الأستماع جيداً لشكاوى المرضي الغير محسوسة. النظرات، الصمت، التنهد... كلها يمكن أن تكون علامات ذات مغزى كبير.
فعلي الطبيب أيضاً إجراء تقييم دقيق للمسائل الأسرية والمهنية والاجتماعية المحيطة بمريض الاكتئاب لتحديد عوامل الخطر.
يعد "التحالف العلاجي" جزءاً أساسيا من تشخيص وعلاج نوبات الاكتئاب. ويقول الدكتور فيليب نوس :"إن التشخيص هو التحالف مع المريض وليس مجرد وصف مضادات الاكتئاب فحسب ".
من ضمن العلاجات المتاحة، هناك العلاج النفسي، ومضادات الاكتئاب والعلاج بواسطة الصدمات الكهربائية. الآن هذه العلاجات تتيح الحصول على نتائج جيدة، وهي تستخدم منفردة أو مجتمعة على أساس عدة عوامل مثل حجم ونوع الاكتئاب وكذلك مستوي الآثار الجانبية. في جميع الحالات، طبيبك هو أفضل شخص يمكنه وصف العلاج الأنسب لك. في معظم الأحيان، يتم الجمع بين مضادات الاكتئاب والعلاج النفسي للسيطرة سريعا على المرض.
الأهتمام بالمحيط الأسري من قبل الطبيب المعالج حيث يمكن أن يتيح لجميع الأقارب حضورجلسات العلاج النفسي. وتبين دراسات حديثة أن التقارب الأجتماعي- النفسي يعتبر فعالا مثل العلاج بواسطة مضادات الاكتئاب لعلاج حالات الاكتئاب الخفيف.
غير أن الدكتور بيغو بخدمات الطب النفسي بمستشفى كوشين يؤكد على أن العلاج لابد أن يجمع دائما بين الأدوية والعلاج النفسي. وفي أغلب الأحوال يحتاج إلي العلاج النفسي. بالنسبة لسائرالعلاجات النفسية (التحليلية والسلوكية، وما إلى ذلك)، لا يمكن وصفها منفردة في حالات الاكتئاب الخفيفة مع المريض الذي يحتفظ بقدرته على التفكير. في حالات الاكتئاب الأكثر شدة، يصبح من المستحيل استخدام العلاج النفسي، والعلاج الطبي لازم ".
وعادة تستغرق مضادات الاكتئاب حوالي عشرة أيام ليظهر تأثيرها، وفي حالة عدم ملاحظة أية فاعلية للعلاج، يمكن للطبيب النفسي أن يزيد الجرعة أو يغيير العلاج في حالة عدم وجود فاعلية بعد ستة أسابيع. ويستغرق العلاج نحو أربعة أشهر بالجرعة الكاملة، والتي ينبغي أن يضاف إليها شهرين مع مراعاة خفض الجرعات تدريجيا قبل وقف العلاج نهائيا ."
ويمكن أيضا استخدام الليثيوم نظراًُ لتأثيره المنظم لأضطرابات الاكتئاب الهوسي حيث يظل النشاط البيولوجي من الصعب تحديده.
كل هذه الأدوية تحتوي علي آثار جانبية، لذلك لا بد من إبداء مظاهرهذه الآثار علي طبيبك. الذي قد يغير جرعة الدواء أو إذا كان العلاج مؤلماً للغاية.
ووفقاً للدكتور بيغو: "هذا العلاج فعال جداً لهذا النوع من الاكتئاب، بخاصة لدي المسنين، نظراً لكثرة المحاذير ضد مضادات الاكتئاب، وفاعليته أسرع بكثير من العقاقير. ويعتبرآمناً، إلا أنه يحتوي علي بعض الآثار الجانبية مثل النسيان الطفيف أو الألتباس، والتي تختلف من شخص لآخر.
حالما يقرر طبيبك العلاج الأمثل، يجب تجنب خطر الانتكاس. وفي الوقت الراهن، ما يقرب من 90 % من حالات الاكتئاب يمكن علاجها. وكلما تم تقديم الدعم في وقت مبكر، كلما يكون العلاج أكثر فاعلية. إذا لا تترددي، فليست هناك حاجة إلى المعاناة في صمت.
قد يستغرق العلاج بعض الوقت. إلا أنه الطريق الموصل إلي الحرية والتفتح النفسي، ويؤدى إلي المزيد من الإبداع، العلاقات الأجتماعية المتوازنة والمتناغمة. سوف تختفي الأعراض المرضية لتبقي بعض الصراعات في اللاوعي والتي سوف تجد طريقها للأختفاء بعد فترة من العلاج.