مصممو الأزياء .. أول ضحايا الأزمات الأقتصادية

مجلة بازار لشهر مارس قدمت نصائح لشراء ملابس أنيقة واقتصادية
مجلة بازار لشهر مارس قدمت نصائح لشراء ملابس أنيقة واقتصادية

يبحث المصمم كارمين مارك فالفو، واضعا حول عنقه شريط القياس، بين أكوام من صور الأزياء اللامعة وكتب كبيرة الحجم وعينات من الأشرطة المزينة باهظة الثمن، عن دليل ملموس يعكس قلقه بشأن الركود الاقتصادي وأثره على صناعته، تلك التي تروج للرفاهية والأحلام والأناقة المتكلفة.


تناول فالفو مجموعة من الرسومات التي وضعها بالقلم الرصاص أثناء إجازته الأخيرة في كوستاريكا وبعثرها على المكتب.

هذه هي رؤيته الأصلية القلقة لأزياء خريف عام 2009. وقال فالفو: «كانت هذه التصميمات ستصبح مجموعة أزياء المشردين، مزيجا من الأقمشة المعاد تدويرها، يمكن معها ارتداء قفازات بلا أصابع مثل المشردين وأحذية عمال البناء. كانت ستصبح مجموعة عناقيد الغضب».

مثل معظم المصممين، يتأثر فالفو بالحالة المزاجية العامة وبحسه الداخلي لما يحمله المستقبل. لم يكن يشعر بالتفاؤل، ولكنه وجد ذاته أكثر اكتئابا لدى تفكيره في عرض مثل هذه المجموعة الحزينة المثبطة في قاعة عروض الأزياء. لا يمكنه أن يصمم أزياء من أجل أناقة الفقر.

وسيكشف أكثر من 250 مصمما عن مجموعات أزياء الخريف هنا طوال الأيام العشرة المقبلة لمحلات التجزئة والصحافيين والزبائن.

وستتراوح العروض ما بين تلك التي تقدم في قاعات رسمية كبيرة وفي الخيام المؤقتة الموضوعة في وسط بلدة براينت بارك، إلى العروض الصغيرة المنتشرة حول المدينة في المعارض الفنية والمنازل الخاصة وحجرات العرض والنوادي الليلية.

وبعد أن يقول مصممو نيويورك كلمتهم، يتبعهم مصممو لندن وميلانو وباريس، حتى تختال آخر عارضة أزياء فوق ممشى العرض في منتصف شهر مارس (آذار).

ولكن لا أحد يتحدث عن أطوال الملابس أو ألوانها، فبدلا من ذلك، يدور الحديث حول البقاء، حيث يسري قلق بالغ بشأن الاقتصاد وكيف تصمد صناعة الأزياء، التي تسودها الثياب المرحة الصاخبة والتطريز اليدوي والصوف الإيطالي الناعم، أمام العاصفة. ويسود ارتباك حول نوع الوتر الذي يجب أن تمسه الصناعة وتسير عليه في أسوأ فتراتها.

ويستهلك محررو المجلات قائمة المرادفات لكلمات مثل الميزانية والفصال، في محاولة للحفاظ على صورة السحر والأناقة. وتجري محلات البيع بالتجزئة خصما على كل شيء، عدا المصابيح.

ويحاول المصممون في دهاء أن يوازنوا بين الخيال الجامح والنفعية. وهم يجاهدون مع البنوك سعيا إلى إعادة التفاوض في الاتفاقيات المالية ومع المحلات التي تريد فقط الاحتفاظ بالبضائع على سبيل الأمانة وتسديد ثمنها بعد البيع.

 ويحاولون اكتشاف كيفية عرض إنتاجهم بالطريقة التي تولد الإثارة وتكون مقتصدة ماليا ولا تجعلهم يبدون وكأنهم يرقصون على ظهر سفينة تيتانيك.

ولا يميل فالفو لأن يكون مصمما تتأثر مجموعاته بالحالات المزاجية الكئيبة. وقد نال شهرته بفضل الثياب شبه الرسمية والفساتين الرسمية.

لذا التفكير في أحذية العمل والقفازات من دون أصابع أمر غير طبيعي. وهو يصمم أزياء الأمهات، بالإضافة إلى مشاهير مثل كاتي كوريك وفانيسا ويليامز.

وهن منجذبات إلى تصميماته المناسبة بدقة، بالإضافة إلى حسه الجمالي وأسعاره. وتتراوح أسعار الثياب في مجموعة أزيائه الراقية بين 2.000 و3.000 دولار.

ربما تبدو هذه الأسعار عالية، ولكنها معقولة مقارنة بمنافسيه مثل بادجلي ميشكا أو أوسكار دي لارينتا، الذين تبلغ أسعار ثيابهم حوالي 5.000 دولار. ونتيجة لذلك، أقام فالفو شركة خاصة مربحة يقول المتحدث الرسمي باسمها إن قيمتها تساوي 80 مليون دولار.

ولكن يشعر مصمم فساتين الحفلات «المربحة» في صناعة الأزياء بالقلق بشأن الكشف عن مجموعته الفاخرة في عروض الأزياء في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات البطالة إلى 7.6 في المائة، وهي أعلى نسبة لها منذ عام 1992.

 لذا بعد 12 عاما من العروض الكبرى التي شارك فيها المشاهير وعشرات من عارضات الأزياء بالسير لمسافة 100 قدم على ممشى العرض، بلغت تكلفة كل عرض منها 200,000 دولار على الأقل، لا تشمل الملابس، قرر أن يقدم عرضا صغيرا في قاعة حفل كوكتيل. أما تكلفة العرض في الموسم الحالي فقد بلغت حوالي 25.000، بما فيها المشروبات.

ويقول فالفو، وهو جالس في مكتبه في الشارع السابع: «أقول بصراحة حقيقية، ينتهي عامنا المالي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وسنكون في مخاطرة كبيرة إذا أقمنا (عرضا ضخما). لذا قررنا أن نفعل شيئا ما أكثر إنسانية لمواردنا المالية».

ثم أضاف في نبرة من الإحباط: «تحاول البنوك أن تراجع بنود عقدي. بعد أن حصلتم على أموال خطة الإنقاذ، هل تريدون مراجعة بنود عقدي؟» ويقول: «في العام الماضي، كانت الظروف قاسية»، لكن حققت الشركة أرباحا ضئيلة. ولكن في العام الحالي، «لن نحقق أية أرباح».

ولا تعني خسائر البلاد للوظائف، قلة الراغبين والقادرين على الشراء فقط، بل تعني أيضا انخفاضا في صفوف هؤلاء الذين يديرون عجلة سوق الأزياء. لقد تخلصت «ماسي» من 7.000 وظيفة، وتخلت مجموعة «نيمان ماركوس» عن 375، وسرحت «ساكس فيفث أفينيو» 1.100 موظف في يناير (كانون الثاني) من بينهم مايكل فينك، نائب رئيس قسم أزياء المرأة، وهو واحد من أصحاب الصف الأمامي الذي كانت وظيفته أن يخبر السيدات على وجه التحديد ماذا يجب عليهن أن يرتدين في الأشهر الستة المقبلة.

وتخلصت شركة «توب ريبورت» الاستشارية التي تساعد المحلات على التعامل مع كثرة اتجاهات الأزياء، من أكبر خبرائها في سوق التصميم. من الذي سيساعد الآن المحلات السائدة على توضيح معنى الصورة المطبوعة على النسيج الصيني الشفاف من تصميم بالينسياغا لزبائنها؟

وأعلنت جريدة وول ستريت عن تخفيض حاد في حجم فريق أخبار الأزياء والمحلات، على الرغم من أن قيمة صناعة الأزياء الأميركية تبلغ 350 مليار دولار، وفقا لمجلس مصممي الأزياء في أميركا.

وقد خفضت صحف أخرى من مساحات تغطيتها لأخبار الأزياء. وقلل كثيرون من تغطية مجموعات الأزياء الأوروبية لتقليص ميزانياتهم. وتكافح لندن من أجل الحفاظ على استمرار حضور محرري المجلات لعروضها وقدمت دعما ماليا لعدد من الحاضرين.

وحتى «بالم بيتش ديلي نيوز» لم ترسل محررا لتغطية أخبار عروض الخريف في نيويورك. وعندما لا ترسل الصحيفة التي تقدم خدماتها للسكان الأثرياء في «بالم بيتش»، أرض المواسم الاجتماعية ومارالاغو، مراسلا لتسجيل أعمال أوسكار ورالف ودونا، هل يمكن أن تكون معركة نهاية عالم الأزياء قد اقتربت؟

وعلى الرغم من أن قائمة المصممين في أجندة نيويورك ما زالت لم تتغير، وأنه يوجد بعض الوافدين الجدد المغامرين، فإن طريقة تقديمهم لمجموعاتهم تغيرت.

ويختار البعض مثل بيتسي جونسون وفالفو، الذين يشتركان عادة في عروض باهظة التكاليف عروضا أكثر حميمية وأقل تكلفة. وخفض مارك جاكوبس من حجم قائمة مدعويه. ونقلت فيرا وانغ عرض أزيائها من الخيام الفاخرة في بريانت بارك إلى محلها الجديد في وسط المدينة.

وتطول قائمة المصممين الذين يقيمون عروضا حية أو يعتمدون على صورة متواضعة حية، لدرجة أن المرء يشعر بالأسى لجميع مشاهير الدرجة الثانية الذين كانوا يستخدمون الصفوف الأولى في عروض الأزياء وكأنها مؤتمراتهم الصحافية الخاصة.

وتقيم شركة «ميس سيكستي» الإيطالية عرض أزياء في نيويورك منذ عام 2006. ويعترف مدير الشركة المبدع فيكي حسن بوجود بعض الارتباك في العرض الكبير الذي خطط لإقامته في خيام بيانت بارك.

ومن أجل التخفيف من حدة البذخ، سيحصل كل ضيف على مظلة تخصص عائداتها للأعمال الخيرية، لتوفير مياه الشرب في المجتمعات المحرومة حول العالم.

ويقول حسن: «ننفق الكثير من المال على عارضات الأزياء والتصوير وأشياء غبية. وهذا يسبب لي حرجا في بعض الأحيان. لذا من اللطيف أن نفعل شيئا جيدا».

وتعد مجموعات أزياء الخريف هي الأولى التي تصدر بعد أن اتضحت خطورة الأزمة الاقتصادية.

وقد صممت أزياء الربيع في المحلات عندما كان الاقتصاد يقترب من خطه الأخير، ولكنه لم يكن محور الحديث طوال اليوم على شبكات القنوات الإخبارية.

ويعتقد المصممون أن سوق مبيعات الجينز الممزق الذي يبلغ ثمنه 3.000 دولار ستظل كما هي، كما كانت أثناء الأزمات المالية التي حلت في الماضي. (وبالفعل أعلنت الشركات التي تنتج الماركات الفاخرة مثل «إل في إم اتش» عن زيادة في أرباحها.) ولكن تظهر هذه التصميمات في نماذج المجلات الموضوعة منذ عدة أشهر.

في عدد شهر فبراير (شباط) من مجلة «هاربرز بازار»، على سبيل المثال، تظهر في الصفحة رقم 77 صورة مذهلة لفستان أخضر بلون البحر سعره 17.000 دولار، من تصميم كريستوف ديكارنين، من بيت الأزياء الفرنسي «بالمان».

وتبع الصورة خبر يصف تـأثير المصمم على الصناعة، بالإضافة إلى حقيقة أن «جميع الفتيات الرائعات» يردن الثياب التي من تصميمه، من بينهم أروع الفتيات على الإطلاق، كيت موس.

وبعد 23 صفحة، يشرح موضوع بالتفصيل كيف يمكن للمتسوقة التي تريد الحفاظ على ميزانيتها توفير 3.000 دولار وتعيد استخدام بنطلون جينز من تصميم «بالمان» في المنزل بسائل تبييض القماش ومقص. هل تقصر المسافة التي تفصل بين فستان من الجينز يبلغ ثمنه قيمة رهن عقاري ومشروع قمت به بنفسك إلى هذا الحد؟

تقول رئيسة تحرير «بازار غليندا بايلي إن ديكارنين»: «مصمم ممتع يبث حياة جديدة في دار أزياء بالمان. ونحن ننظر إلى الفساتين التي يصممها.

إنها غالية الثمن، ولا تستطيع كل السيدات أن تشتري تصميماته، ولكن أليس من الرائع أن نرى أزياء جميلة؟ إننا نفخر بأنفسنا لتقديمنا أفكارا للقراء». وتضيف: «هناك أزمة ائتمان وليست أزمة إبداع».

ومع جميع العناوين التي تتصدر غلاف عدد شهر مارس (آذار) من مجلة «بازار» التي تطمئن القراء إلى وجود عدد كبير من الطرق الرخيصة لمتابعة صيحات الأزياء، تقول بايلي إن متابعة الأزياء يجب ألا تكون بالفعل رفاهية على الإطلاق، ويكفى إلحاق الشعور بالذنب تجاه الصناعة.

وتقول بايلي: «هؤلاء سعداء الحظ القادرون على دعم الصناعة يحافظون على وجود العاملين فيها. وفي هذا توفير لفرص العمل وتحفيز لاقتصادنا».

وتقول ناتالي ماسينيت، مؤسسة Net-a-Porter.com، التي كانت تبيع أزياء المصممين على الإنترنت منذ عام 2000: «تتعلق الأزياء بما ترتديه. والأشخاص الأكثر أناقة هم الذين يحبون الظهور»، وأضافت عبر الهاتف من مقر الشركة في لندن: «ولكني لا أرى في ذلك بذخا. فالأناقة ضرورة في رأيي».

وكدليل على ذلك، قدمت صافي أرباح شركتها الخاصة. ففي عام 2008، بلغت أرباحها 80 مليون جنيه (حوالي 119 مليون دولار)، بعد أن كانت 55 مليون جنيه (حوالي 82 مليون دولار) في العام السابق. وهذا يشمل النمو في السوق الأميركية أيضا، على حد قولها.

وتأمل في أن تظل جماليات المصممين مقيدة على نحو ملائم وأن تكون متفائلة. وتقول إنه إذا كانت هذه صناعة سينما، لما توقع أحد مدى تأثر المشاهدين على مدار عام. وفي عام 1992، في آخر مرة فقد 11.6 مليون شخص وظائفهم، وأطلق مارك جاكوبس مجموعته المهلهلة «بيري إليس» التي صممت فيها الملابس باهظة الثمن لتبدو وكأنها رخيصة وبالية. كانت هذه المجموعة مستفزة، وتسببت في فصل جاكوبس.

لذا ربما من الجيد أن نعرف أنه مع اقتراب موعد تقديم عرض أزيائه، ارتفعت روح كارمن مارك فالفو المعنوية.

 ويقول: «ما زلنا نستخدم أقمشة معاد تدويرها، ولكنها الآن أنيقة وأثيرية ورقيقة، وكأنها سكر لصنع الحلوى. لقد كنت مكتئبا طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية، ولكني صممت ملابس جميلة لمناسبات جميلة». وكان عليه أن يستمر فيما يحسن فعله.