«قهوة بيضاء».. مطعم ديكوره يدل على اسمه
مبهر وحديث ومأكولاته تقليدية
لطالما اقترن طلب فنجان «قهوة بيضاء» بالدعوة إلى الاسترخاء، هذا الطلب كان يقتصر على الجلسات العائلية في حميمية المنازل. لكن مقهى ومطعم «café blanc» قرر نقل هذه الحميمية إلى أرجائه. من هنا استمد اسمه وراج في الأوساط اللبنانية ليتميّز بهوية شرقية عصرية خاصة، ويتّسم بطابعه الفريد من نوعه من كل النواحي، لا سيما بعدما حرص على ديكور يتناسب والاسم، واختار للائحة طعامه النظام الغذائي اللبناني التقليدي. هذه الصيغة حملها صاحب فكرة «café blanc» جان بول رامي من لبنان إلى السعودية والكويت ودبي والبحرين، فذاع صيتها، خصوصاً أنه حافظ عليها في كل الفروع بكل تفاصيل الأطباق وطيبها، مع تفنّن في إضافة «تقنيات غذائية» وابتكار أنواع جديدة من دون المس بروح المأكولات التقليدية التي تشكّل الأساس الذي ينطلق منه الشيف المشرف على المطبخ داني عبد الله.
أراد رامي إيصال فكرة مختلفة عما هو سائد في المطاعم والمقاهي المنتشرة في لبنان، ومفادها بالدرجة الأولى تحرير المطبخ اللبناني من قواعد الـ«إيتيكيت» التي تقيّد الزبون من خلال مرافقة النادل له في جلسة تناول وجبة الطعام الشرقية، إذ إن الهدف هو ترك الحرية للزبون في أن يختار أنواعاً محدّدة على الطريقة الغربية ويأكل المأكولات الشرقية من المقبّلات المتمثلة بمختلف أنواع السلطة إلى المعجنات والأطباق الرئيسية من اللحم والدجاج، وختامها مسك، مع الحلويات العربية، التي ترك عبد الله العنان لـ «فنه المطبخي» لابتكار أنواع جديدة لاقت إعجاب الزبائن على اختلاف أعمارهم .
زوار الـ «café blanc» الذين يتجاوز عددهم الـ 700 شخص في اليوم الواحد، لا يقتصرون على فئة دون أخرى بعدما أصبح قبلة الكبير والصغير، يكتشفون أن رامي وصل إلى مبتغاه على أكمل وجه من التفاصيل الصغيرة إلى أبرز الأمور التي تلعب دوراً في نجاح أي مطعم أو مقهى. الصورة الكاملة التي تبهر زائر المقهى تبدأ من زي العاملين في المطعم الذي صمّمته مصمّمة الأزياء اللبنانية العالمية ميليا مارون، محافظة على تصميم الشروال التقليدي بطلّة عصرية من «الجينز» الأسود والأزرق من دون تمييز بين الفتيات والشباب.
الإضاءة متناغمة مع الديكور الذي صمّمه المهندس اللبناني جورج شدياق بأسلوب راقٍ، معتمداً لون الخشب الموشح بالأزرق، ما يضفي أجواء خاصة مستمدّة من زخرفات القناطر التي تعلو الجدران والجلسات العربية الموزّعة في زوايا المطعم وفي شرفته المزيّنة بالنباتات الخضراء من كل الجهات، إضافة إلى البركة المركّزة في وسط المدخل حيث تتوزع الطاولات من حولها. ووصلت الدقة في الديكور الشرقي إلى الحمامات التي تجمع بدورها بين تقليدية التصميم وجمال الشكل. ولأن الجلسة الشرقية لا تكتمل من دون النرجيلة، انفرد المطعم بنرجيلة ذات تصميم خاص موقعة باسم «café blanc» الذي تحوّل إلى ماركة خاصة دُمغت على كل الأدوات المستخدمة والمصنوعة يدوياً، من الملعقة والشوكة إلى الصحون وركوة القهوة والفناجين.
الأمر الذي جعلها إكسسوارات تزيّن زوايا المطعم، فيتمكن كل من أحبّ خصوصيتها أن يشتريها لينقل مزيج الأجواء التقليدية العصرية إلى بيته. ومن سيختار الـ «café blanc» لقضاء وقت ممتع أو لتناول وجبة معينة، فهو لا يمكن أن يغادر المكان إالا بعدما يتذوّق فنجان «قهوة بيضاء» بنكهتها اللبنانية الأصيلة التي لا تزيد مكوناتها على ماء الزهر البلدي والماء الساخن والقليل من السكّر، لتبقى اسماً على مسمى وتكون كفيلة بمنح شعور بالراحة والانتعاش. ورغم أن مخترع القهوة البيضاء لا يزال مجهول الهوية ولم تسجّل باسمه براءة الاختراع، يقال إنها عادة عثمانية قديمة، إلا أن ما هو مؤكّد أن لماء الزهر المعروف بطعمه المميّز مكانة خاصة لدى اللبنانيين في الأفراح والأحزان، فهو يدخل في مختلف الحلويات العربية ومادة لا بدّ منها في حالات الإغماء، نظراً إلى رائحته القوية والمنعشة.
لكن هذا المشروب الساخن هو بالتأكيد البديل الوحيد والصحي عن القهوة العربية الداكنة في الجلسات، والمهرب الذي لا بد منه لمن يريد الابتعاد عن الكافيين. ولا مانع من خلط الاثنين كما هي العادة في بعض المناطق اللبنانية، حيث تتم إضافة ملعقة من ماء الزهر إلى فنجان القهوة بدل السكّر.
وللمأكولات في «café blanc» سيرة لا تنتهي، فهي تجمع بين الطعم الرائع والشكل وأسلوب التقديم المتقن الذي يحرص الشيف عبدالله على تنفيذه بدقة ويقول «يلعب الانطباع الأول للطبق قبل تذوقه دوراً مهماً في جذب الزبون، لتكون الخطوة الثانية التذوّق والحكم على النوعية المقدمة. لذا نحترف الاثنين معاً ونقدّم الأفضل لزبوننا».
وفي هذا السياق يقول رامي «نحرص على تغيير لائحة الطعام وتجديدها كل ثمانية أشهر. وذلك بالاعتماد على المواد الأولية اللبنانية في كل الأطباق التي تتوحّد في كل الفروع المنتشرة في الدول العربية حيث تستقطب بدورها الزبائن من مختلف الجنسيات للتعرّف على المأكولات اللبنانية في المرحلة الأولى وليصبحوا زبائن دائمين بعد أن يلمسوا التميّز في ما نقدّمه».
تطول اللائحة، ويقع الجائع في حيرة من أمره عندما يكون أمام امتحان اختيار الطبق في «café blanc»، لذا تحلو زيارة المكان ضمن مجموعات، ما يتيح للجميع تذوق أكبر عدد ممكن من الأطباق المبتكرة. أما أنواع المقبّلات اللبنانية التي لا بدّ من أن تزيّن الطاولة لتكون مفتاح الشهية فهي تحافظ على أصالتها من دون أي ابتكار أو تجديد. وإضافة إلى الأنواع التقليدية من المأكولات اللبنانية والحلويات العربية تزخر لائحة «café blanc» بأنواع خاصة ابتكر عبد الله طريقة التفنّن في مكوناتها وإضافة مواد منكّهة أخرى كفيلة بمنحها صفة الفرادة، ولا سيما فيما يتعلّق بالأنواع الخاصة بالأطفال التي تحضّر بطريقة صحية خالية من المواد المضرّة أو البهارات مثل «كفتة برغر» أو «الرز بالحليب بالشوكولا» و«تشيز كيك براحة الحلقوم».
وتقسّم لائحة المأكولات في الـ «café blanc» إلى فئات عدة وأهمها، «صباح الخير» و«الترويقة اللبنانية»، وتدخل في أصنافها المأكولات اللبنانية التقليدية التي بات وجودها شبه نادر في المطاعم الأخرى مع ما تيسّر من أصناف مبتكرة كـ «عجينة اللبن بالقاورما». وتحت مبدأ تحرير الأطباق الشرقية من قيودها يقدّم المطعم لائحة تحت اسم «سندويشات عربية» وتشمل أنواعاً عدة وأهمها، إضافة إلى الفلافل، «خبز الزيتون مع اللبنة» وهي عبارة عن عجينة مخبوزة بالزيتون، و«القرنبيط المقلي» و«لفّة الدجاج». وللـ «العرائس» اللبنانية، (أي السندويشات الخفيفة) حصّتها أيضاً مثل الجبنة واللبنة.
وتترأس لائحة المازة الساخنة الكبة وطبق «رأس العصفور المتبّل» و «كبة بالمقلي» وهي عبارة عن مكونات الكبة المقلية، إنما يتمّ طبخها بطريقة مختلفة وذلك بخلط مكونات الكبة من اللحمة والبرغل والبصل في طبق واحد بدل حشو أقراص الكبة باللحمة والبصل وتطبخ بدل أن تقلى، أما كبة البطاطا فتقدّم محشوة بالجوز والباذنجان ودبس الرمان، كذلك للكبة النيئّة مواعيد محددة لمن يرغب في تذوقها في «café blanc» إذ يقتصر تقديمها على أيام عطلة آخر الأسبوع لتقدّم طازجة للزبون. وأخيراً، لا بدّ من المرور ولو سريعاً بالحلويات، وتذوّق صنف واحد على الأقل من الأنواع المبتكرة مثل «الكنافة بالبرتقال» و«تمرية رولز» و«تريو حلو» الذي يجمع في طبق واحد المهلبية والرز بالحليب والمغلي. ويبقى الختام مسكاً مع القهوة البيضاء التي لا بدّ من ارتشافها بهدوء على صوت وديع الصافي وفيروز والأغنيات اللبنانية القديمة التي تصدح في أرجاء المكان على امتداد ساعات النهار.