الأطفال .. ضحايا صور الجثث والأجساد المشوهة في غزة

آثرعرض صور الجثث والأجساد المشوهة التي تبثها بعض الفضائيات على الأطفال والمراهقين.
آثرعرض صور الجثث والأجساد المشوهة التي تبثها بعض الفضائيات على الأطفال والمراهقين.

مختصون طالبوا بإبلاغ المشاهد قبل عرضها .. وخبير إعلامي يرجعها للتنافس الشرس


نحو 20 يوما مرت منذ اندلاع حرب غزة، التي أصبحت الحدث الأبرز في مجالس السعوديين وأحاديثهم، وأعادت الوهج لمتابعة النشرات الإخبارية التلفزيونية باستمرار، مع ما يرافقها من عرض لصور الجثث والأجساد المشوهة التي تبثها بعض الفضائيات، وهو ما حذر اختصاصيون منه، مرجعين ذلك لتأثيره السلبي على الأطفال والمراهقين.

وتستند هذه التحذيرات، التي أطلقها المختصون في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، إلى كون الأطفال أصبحوا مجبرين على متابعة نشرات الأخبار والتقارير المصورة التي وصفوها بالقاسية، وشبهوا تساقط ضحاياها بألعاب الـ «بلاي ستيشن» العنيفة، وذلك بسبب التشويق الذي يلمسونه في هذه الأحداث الدامية، وردود أفعال أهاليهم تجاهها.

وتتذكر الدكتورة دعد مارديني، استشارية نفسية في عيادات السلوان بالرياض، أنها استقبلت طفلا تعرض للاكتئاب فترة انتفاضة الأقصى، وطفلا آخر كلما يرى لوحة إعلانات بأحد الشوارع تحمل صورة شخص مريض، فإنه يصاب بقلق شديد، مضيفة أن تأثر الأطفال بمشاهد الدماء والجثث كبير، ومن الممكن أن يدفع لإصابتهم بالاكتئاب والقلق.

وأوضحت مارديني أن اكتئاب الأطفال يتبدى في سلوكيات مختلفة، مثل انخفاض المستوى الدراسي، وقلة النوم، والخوف، والالتصاق بالوالدين. وتابعت أن هذه المشاهد التي يراها الطفل تتداخل مع عوامل أخرى تشمل قابلية الطفل والتربية والبيئة التي يعيش فيها، وأكدت أهمية احتواء الأسر للطفل، وحثه على الدعاء والتبرع بما يريح نفسه.

فيما يرى الدكتور جمال الطويرقي، استشاري الطب النفسي في مستشفى الحرس الوطني بالرياض، أن أثر مشاهد وصور الجثث والجرحى على الأطفال؛ ممن هم دون سن السادسة، ليس كبيرا، مرجعا ذلك لكون الطفل في هذا العمر لا يدرك حقيقة الموت.

وأضاف أنها تتحول لمشكلة حقيقية لمن هم فوق سن السابعة، وتؤدي بهم إلى «رهاب» ما بعد الصدمة.

وأفاد الطويرقي بأن الطفل الذي يتأثر بالصور المعروضة عن الحرب، تظهر أعراض ذلك بأن يستيقظ في الليل فزعا، ويرى كوابيس تتضمن مشاهد الدماء والجثث.

وتابع أن ذلك قد يصل إلى الخوف من الخروج من المنزل كي لا يحدث له شيء، أو الخوف من ركوب السيارة بعد رؤيته لمجموعة من السيارات المحطمة وهي تحترق.

من جانبه، طالب الدكتور عبدالله اليوسف، أستاذ علم الجريمة في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، الأسر بضرورة متابعة الطفل وتقنين مشاهدته للتغطيات الإخبارية القاسية، وأوضح أن الإعلام يضع أحيانا صورا ومشاهد مقلقة، وهو ما يجعله يشدد على أهمية فلترة هذه الصور وأن لا يشاهدها الطفل دون توعية من ذويه.

وأكد اليوسف أن الخطر النفسي لهذه المشاهد أكثر من الاجتماعي. في حين توجه بحديثه للقنوات الفضائية مطالبا إياها بأن لا تنطلق رسالتها من البعد العاطفي فقط، وأكد أهمية أن تقوم هذه الفضائيات بإبلاغ المشاهد بعرض أي صور بشعة قبل بثها، تجنبا لأي أثر سلبي قد تسببه.

وبينما يطالب الاختصاصيون بتقنين بث صور المجازر البشرية في القنوات الفضائية، يدعم ذلك وجود مواثيق شرف إعلامية في العديد من بلدان العالم تمنع نشر الصور البشعة للأموات، مهما كانت الأسباب، إلا أن البعض يرى أهمية عرض هذه المشاهد ليقوم الإعلام بكشف الوجه الحقيقي للحروب أمام المشاهد.

وفي هذا المحور، أوضح الدكتور حمزة بيت المال، أستاذ مشارك بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود، عبر اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، أن البحث عن السبق الإعلامي والتنافس الشرس بين القنوات الفضائية في تغطية أحداث حرب غزة، دفعا بعض الفضائيات للتنازل عن الكثير من أخلاقيات ومعايير العمل الإعلامي.

وأكد بيت المال أن مواثيق الشرف الإعلامية لا تؤيد عرض الصور البشعة، موضحا أن بعض الفضائيات بالغت في عرض صور الدماء والأشلاء البشرية.

وأفاد بأن المواثيق الاعلامية أيضا تؤكد ضرورة الموضوعية، إلا أنه استدرك؛ فيما يتصل بمشكلة أحداث غزة، أن الشارع العربي لا يقبل فيها الموضوعية.

وأضاف أن القنوات الفضائية العربية تحاول الاستجابة لاتجاهات الرأي العام، وأفاد بأن تنبيه المشاهد بعرض الصور البشعة قبل بثها، يعد أحد المعايير الأساسية في العمل الإعلامي، لكنه أشار إلى أنه، بسبب النقل المباشر للأحداث، لم يعد هناك مجال لإعطاء المشاهد هذه الفرصة.