التبرع بالأعضاء .. بين القبول والرفض
الأطباء يؤيدونه .. عشرات الآلاف من البشر يحتاجون إلى زرع أعضاء صحيحة فى أجسامهم للحفاظ على حياتهم ، لكن الذين يقبلون على التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم أقل بكثير من إحتياجات المرضى ..
وفى الآونة الأخيرة راح بعض الأطباء والباحثين ينادون بتغيير نظام التبرع بالأعضاء المتبع حاليا فى الكثير من البلدان بحيث تصبح أعضاء المتوفين متاحة تلقائيا، لكن البعض الآخر يرفض هذه الفكرة.
الجمال فى التحقيق التالى نعرض لظاهرة التبرع بالأعضاء والفروق القانونية المتعلقة بها، ومدى الفائدة التى تحققها التغييرات المقترحة.
قليلون هم الذين يفكرون فى التبرع بأعضاء أجسامهم ، حيث أن الغالبية العظمى منا لا يحبون التفكير فى ما الذى سيحدث لأعضاء أجسامهم بعد وفاتهم، غير أن ندرة الأعضاء المتاحة لكى تزرع فى أجسام المرضى الذين يحتاجون إليها حاجة ماسة أصبحت ظاهرة تشتد وطأتها يوما بعد يوم .
وفى بلد مثل بريطانيا نجد أن عمليات زرع الأعضاء لا تزيد عن 2700 حالة ، وهذا يترك 6000 حالة سنويا تحتاج إلى من يتبرع لها بالأعضاء التى يحتاجونها، ومن بين هؤلاء الذين يشغلون قائمة الانتظار يموت 400 سنويا أثناء انتظارهم وهذه الندرة دفعت كثيرين للسفر إلى خارج بريطانيا وشراء العضو الذى يحتاجونه بأى ثمن .
وقد اكتشفت الشرطة البريطانية قبل أشهر شبكة عالمية للأتجار فى الأعضاء يشترى وكلاؤها أعضاء الجسم فى البلاد الفقيرة بمعدل عشرة آلاف دولار ومن اشهر الأعضاء التى يتاجرون بها الكلى ويقول الاستاذ كريس رودج، الجراح البريطانى الشهير فى مجال زراعة الكلى: سبب هذه الندرة وبالتالى هذه التجارة غير القانونية فى الأعضاء بسيط جدا ويتمثل فى أن الذين يحتفظون ببطاقة التبرع بالأعضاء طبقا للنظام المتبع حاليا قليلون جدا، وهذا يتسبب فى شعور الكثيرين من الجراحين بالإحباط، نظرا لأن معدل نجاح زراعة الكلى، تحديدا عال جدا، ونحن نعرف من الدراسات التى أجريت فى بريطانيا أن 90 فى المائة لا يرفضون فكرة التبرع باعضاء أجسامهم فى حالة وفاتهم، لكن قلة من هؤلاء هى التى تسجل فى قائمة المتبرعين وتحتفظ ببطاقة التبرع .
انعدام الثقة مشكلة أخرى نعانى منها وتسبب ندرة الأعضاء المتوفرة للزراعة فى أجسام المرضى، وهى أن الجراح عندما تحدث وفاة أحد أفراد العائلة فى حادث مثلا ويناقش بعض أقاربه فى شأن إمكانية التبرع بأعضائهم لإنقاذ حياة المرضى فإنهم غالبا ما يرفضون، خاصة وهم يكونون فى حالة صدمة وحزن شديدين لموت أحبائهم .
وقد أجريت دراسة فى العام الماضى ظهر منها أن قرابة نصف أقرباء المتوفين رفضوا التبرع بأعضاء الشخص الذى توفى، بينما نجد أنه فى اسبانيا يرفض الأهل التبرع بأعضاء المتوفين من أقاربهم بمعدل بين 20 و25 فى المائة فقط، ولذلك نجد ان أكبر معدل لزرع الأعضاء فى البلاد الاوروبية يحدث فى أسبانيا .
ما يعتقده كثيرون من الجراحين فى بريطانيا ان هناك مشكلة فقدان ثقة بين الأطباء والناس ، خاصة بعد الفضيحة التى تبين من خلالها أن أحد المستشفيات البريطانية احتفظ ببعض الأعضاء من الأطفال المتوفين، وذلك بغرض إجراء البحوث الطبية .
كما أن فضائح أخرى تسببت فى زيادة عدم ثقة الناس فى الأوساط الطبية، مثل فضيحة استمرار نجم الكرة الشهير جورج بست فى إدمانه للخمر، حتى بعد أن نقل له كبد، وما يعنيه ذلك من أستهتار بحياته وبقيمة ومعنى الكبد الذى نقل له .
وليست هناك إحصائيات مؤكدة لأثر تلك الفضائح على عدم إقبال الناس على التبرع بأعضائهم وأعضاء ذويهم المتوفين ، غير أنه بعد تلك الفضائح اتصل العديدون بالهيئة البريطانية للتبرع بالأعضاء طالبين إلغاء أسمائهم من قائمة المتبرعين ، كما مزق العديدون بطاقات التبرع بالأعضاء التى كانوا يحتفظون بها دائما من قبل .
تغيير القانون فى الوقت الحالى يقضى القانون فى بريطانيا بأن الانسان حتى إذا كان يحتفظ ببطاقة التبرع بأعضائه فإن أقاربه يمكن أن يرفضوا التبرع.
لكن قانونا يناقش الآن فى البرلمان البريطانى يمكن أن يغير هذا الأمر، بحيث تحترم رغبة المتوفى فى التبرع بأعضائه.
لكن الأطباء يعتقدون أن هذا التغيير لا يكفى وأن بريطانيا يجب أن تتبع القانون الذى يعمل به فى بقية بلاد الوحدة الأوروبية، ففى هذه البلاد يحدث عكس ما يجرى فى بريطانيا، حيث يعتبر المتوفى متبرعا بأعضاء جسمه إذا لم يطلب من الأطباء صراحة عدم أخذ هذه الأعضاء، وذلك من خلال بطاقة خاصة يرفض بها الشخص التبرع بأعضائه بعد وفاته، او ان يطلب الأهل بعد الوفاه عدم نقل هذه الأعضاء إلى مرضى يحتاجونها وفى البلاد التى يتبع فيها القانون الأخير نجد ان ندرة زرع الأعضاء أقل حدة من بريطانيا .
ومن ناحية أخرى فإن بعض الأطباء يتخوفون من ان يتسبب تغيير القانون فى بريطانيا لكى يصبح مماثلا للقانون فى اوروبا، ان يتسبب فى عكس الهدف منه، حين يشك الناس فى الغرض من التبرع التلقائى بالأعضاء وما إذا كان الهدف منه التجارة بهذه الأعضاء وبيعها للأغنياء أو إجراء البحوث الطبية .
الغرض إنقاذ الحياة ربما كان حل تلك المعضلة يكمن فى تعريف الناس بالفوائد الكبيرة التى تنتج عن التبرع بالأعضاء، فكثيرون لا يعرفون أن الانسان عندما يتبرع بأعضاء جسمه يمكن أن ينقذ حياة عشرة أشخاص أو يظللهم بالصحة والعافية بقية حياتهم .
فالقرنيتان فى العينين يمكن أن تعيد البصر لشخصين، والقلب ينقذ حياة إنسان، والرئتان تنقذان حياة شخصين والكليتان تبعدان شخصين عن المعاناه الدائمة من عملية غسيل الكلى والفشل الكلوى وخطر الموت، والكبد يمكن أن يقسم إلى قسمين ينقذان حياة شخصين، والبنكرياس يمكن من خلاله علاج مرض السكرى، والجلد يمكن أن يعالج به المصابون بتشوهات إثر التعرض لحريق.
ويلاحظ بهذا الخصوص أن معدل نجاح عمليات زرع الأعضاء يصل إلى قرابة تسعين فى المائة، وتقول مريضة تلقت كلية من شخص تبرع بها أهله بعد وفاته: "لقد أنقذ هذا التبرع حياتى، وأنا أقدر جميل الناس الذين تساموا على أحزانهم وقدروا حاجة المرضى الماسة".
والسؤال الذى يمكن طرحه على كل إنسان هو: لو حدث، لا قدر الله وأحتجت لزرع عضو فى جسمك نتيجة المرض هل تكون ممتنا لشخص تبرع بأعضائه لإنقاذ حياة الأخرين، ومنهم أنت؟بمعنى آخر هل تقبل أن تتلقى عضوا من متبرع فى حالة الحاجة الماسة لذلك ؟
إذا كانت الاجابة بنعم ، فيجب أن يتذكر الانسان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويسارع هو الآخر للقيد فى سجل المتبرعين بالأعضاء.
ما سبق كان عرضا للأراء المختلفة بهذا الخصوص، لكن ما هو رأيك أنت .. بصراحة ؟