لكي تكونين قبطانا ناجحا في العمل والبيت .. أمسكي العصا من المنتصف

عدم توازن العلاقة بين الزوجة التي تتولى مركزا سلطويا وبين زوجها، يؤديان ـ كما في حالات كثيرة ـ إلى الطلاق، وعدم استمرار العلاقة
عدم توازن العلاقة بين الزوجة التي تتولى مركزا سلطويا وبين زوجها، يؤديان ـ كما في حالات كثيرة ـ إلى الطلاق، وعدم استمرار العلاقة

الإصرار على التفوق في العمل والتفوق في إدارة المنزل، بالإضافة إلى الحفاظ على حسن العلاقة مع الزوج وأفراد العائلة، عملية شاقة، تجد المرأة ـ التي تتولى مركز سلطة في مجال عملها ـ صعوبة في أن تقوم بها كل يوم.


ويكاد يتحول الأمر أحيانا إلى ما يشبه انفصام الشخصية لديها، إذ عليها من جهة أن تحافظ على صورتها كزوجة متفانية في البيت، وعلى صورتها كقائدة حازمة في العمل.

هذا الواقع يتطلب منها مرونة وقدرة جبارة على التحكم في مجريات حياتها العائلية، وخصوصا علاقتها مع الزوج وكيفية التعامل معه؛ حتى لا يشعر يوما أنه «زوج الست». وكلما وصلت إلى أعلى المراكز في سلّم الهرم الوظيفي، زاد عبء التوفيق بين الصورتين.

هذه المعادلة تفتح الباب على عوامل عدة، من شأنها أن تحدّد صورة المرأة الاجتماعية والمهنية، ومدى قدرتها على تحقيق توازن بين الدورين، من دون أن يؤثر أحدهما سلبا على الآخر، لا سيما «المنصب السلطوي» على «المنصب الزوجي».

والشواهد على هذا الأمر متعددة ومختلفة، ففي حين تعجز بعض الزوجات عن الفصل بين متطلبات الشخصية القائدة، وواجبات الزوجة الهادئة، تحقق أخريات النجاح في المجالين، مكرّسات تألقا مهنيا وتفوقا أسريا، بل إن المرأة تستفيد من طبيعة عملها في الوسط الاجتماعي؛ لتنقل خبراتها إلى البيت وأفراده.

رئيسة الصيرفة الإلكترونية وتطوير الأعمال في «بنك عودة» رندة بدير تقول: «طبيعة عمل المرأة التي تتبوأ منصبا رفيعا في وظيفتها، لا بد أن تؤثر على شخصيتها وطريقة تعاملها مع الأقربين، لاسيما إذا كان عملها يفرض عليها أن تكون عملية، وتصوّب نحو الهدف، من دون مراوغة، على عكس سيدة المنزل التي تعتمد على اللّطف لتحصل على ما تريد، لأن الواقع الوظيفي يؤثر عليها بشكل، أو بآخر».

وتتابع: «هنا عليها أن تفصل بين السلطة والحياة العملية، وبين العلاقة الأسرية، لذا .. أحرص على ألا أدمج بين الاثنين منذ لحظة خروجي من مكتبي، وما إنْ تضمني جدران بيتي؛ حتى أعود المرأة التي تعمل جهدها لإرضاء الآخرين، وتتجنب إعطاء الأوامر.

حتى اتخاذ القرارات .. أحاول أن أتركه لغيري، لأني أكون متعبة من ذلك في العمل، لكن للأسف، قلّما يحصل هذا، لأن الناس ـ بحكم عملي ونجاحي فيه ـ يثقون في رأيي، ويسألونني في كل شاردة وواردة، ليس لأنني في موقع سلطة، لكن لأن الحياة العملية والاجتماعية أكسبتني خبرة.

أما عن تفاعل زوجي، فهو يتراوح بين الإيجابي والسلبي، ففي حين يفتخر بي وبنجاحي أمام الناس، إلا أنه عندما نكون وحدنا؛ فهو مرة يستشيرني ويثق برأيي، ومرة أخرى يبدي استياءه من بعض ردود أفعالي، ويقول: «لا تظني أنك تعلّمينني كما تعلّمين الموظفين».

وتعتبر الأستاذة في علم الاجتماع، الدكتورة مي مارون السبع، أنه من الطبيعي أن تلبس المهنة الشخص، أيا كان موقعه، ومن ثم لا بد أن تتأثّر شخصية المرأة بموقعها السلطوي في العمل.

وتقول: «لكن في هذه الحالة .. على الزوج أن يتفهّم زوجته، ويحاول مجاراتها ومساعدتها للتمييز بين دورها في العمل ودورها التقليدي في الأسرة، شرط المحافظة على قيمتها الاجتماعية، وعدم التقليل من دورها أو تحجيمها، لأن معظم الرجال يرفضون أن يكونوا في موقع «زوج الست».

لذلك، فإن عدم توازن العلاقة بين الزوجة التي تتولى مركزا سلطويا وبين زوجها، وعدم قدرة الزوجة على الفصل بين الدورين، يؤديان ـ كما في حالات كثيرة ـ إلى الطلاق، وعدم استمرار العلاقة. وهنا على المرأة التي تحرص على الحفاظ على زوجها أن تكون ذكية في طريقة تعاملها معه».

رانيا غزاوي ـ التي تعمل في سلك التعليم ـ تعترف بأن هذه المهنة التي تقتضي فرض شخصية قوية على التلاميذ، وعدم إغفال أي وسيلة لضبطهم، غيرت في طبيعة شخصيتها، التي تحوّلت إلى متسلّطة؛ وانعكست سلبا على علاقتها بزوجها.

وتقول: «لم أعد قادرة على التحكّم في سلوكي، وأصبحت أتصرّف بشكل تلقائي ولا إرادي مع زوجي، كما أتعامل مع تلاميذي في الصف». وتضيف: «لا أكف عن إعطاء الملاحظات وانتقاده في كل شاردة وواردة».

ورغم اعتراف رانيا بهذا الخطأ؛ إلا أنها تعترف بأنها لم تنجح في تغيير طريقة تفاعلها مع الأمور. والمتخصصة في علم الاجتماع، رُدنى نجم، تعلق على تأثير عمل المرأة ـ التي تتولى موقعا قياديا في عملها ـ على طبيعة علاقتها بزوجها وعائلتها بدقة، فتقول: «من الممكن أن يؤثر هذا الموقع سلبا على طبيعة العلاقة بين الشريكين، ولا سيما إذا كان عمل الزوج، الذي لا يملك الثقة الكاملة بنفسه، دون مستوى عمل الزوجة، إضافة إلى امتلاك الزوجة النزعة إلى التسلّط، وتصرفها وكأن كل الناس تحت إمرتها. كلّ هذه أمور تسهم في زعزعة العلاقة بين الطرفين.

وفي الجهة الأخرى هناك الرجل، الذي يتمتّع بالثقة، ويقدّم الدعم المعنوي لزوجته؛ لكي يدفعها إلى تحقيق المزيد من النجاح، بدلا من تحطيمها والحط منها، لأن نجاحها لا يشعره بالخوف، أو يهدّد موقعه».

وتضيف: «ثم إن المرأة التي تتأثّر بطبيعة عملها في علاقتها بزوجها وعائلتها لا بدّ أنها تعاني من بعض الضعف، فتحاول التعويض عنه بلجوئها إلى استغلال سلطتها في العمل، لتمارسها في البيت. وبالنسبة لي، أرى أنه يجب على المرأة القائدة أن تتقن سرّ إدارة العلاقة بينها وبين عائلتها أولا وقبل كل شيء، حتى تكون بذلك قبطانا ناجحا يسيّر سفينته في الاتجاه السليم».