البرتقال .. فوائد كثيرة لم ينكرها الطب أو التاريخ
من منا لا يعرف «اليافاوي» و«ابو صرة» و«المواردي» وغيرها من انواع الكلامنتين الطازجة والحلوة، إذ ان انواع البرتقال هذه التي تنتشر في لبنان وفلسطين وسورية وتركيا وغيرها اشهر من نار على علم وجزء لا يتجزأ من حياة الناس اليومية ومناطق البساتين منذ سنوات طويلة.
كما ان البرتقال في الكثير من البلدان يرتبط بالشتاء وملذاته، وبالتالي بالمخيلة العامة والوعي الصحي لفائدته الجمة للتخلص من ضربات البرد ولسعاته الغافلة.
كما يرتبط في بعض المناطق بمعيشة الناس بشكل مباشر إذ يعتمد على موسم قطافه الكثير من الفلاحين واهل المناطق المجاورة للمشاتل والبساتين للحصول على بعض المداخيل التي تخولهم الصمود في فصل الشتاء كما هو الحال في جنوب لبنان والمناطق الساحلية.
البرتقال من اشهر انواع الحمضيات Citrus، وهي فصيلة نباتية معروفة تضم الكثير من الأنواع، حوالي 200 نوع نعرف منها الحامض واللايم والمندالينا والكالامنتين والتانجرين Citrus reticulata.
والبوملا المعروفة بالـ«بوموغرانيت» Citrus bergamia التي تعتبر الاكبر بينها كلها. ويعود البرتقال علميا الى فصيلة الـ Rutaceae، وإذا كان حلوا من فصيلة الـ Citrus sinensis وإذا كان مرا او حامضا مثل برتقال اشبيلية من فصيلة الـ Citrus aurantium.
وكما هو معروف تزرع اشجار البرتقال من البراعم الصغيرة المأخوذة من الانواع الاصلية ثم تطعم بها شتلات صغيرة تسمى المشتلات وتنقل بعدها الى البساتين بعد ستة اشهر وسنة على الاقل.
تبدأ الشجرة عادة بانتاج ثمارها بعد اربع سنوات على العملية وتستمر في ذلك لمدة لا تقل عن 50 عاما.
يعود اصل كلمة البرتقال orange الى الكلمة السنسكريتية «نرانجا» nranga التي تعني شجرة البرتقال، وقد استوحى الإيرانيون الكلمة واستخدموها قبل ان يتلقاها سكان القارة الاوروبية (في العربية - nranj - واللاتينية - arangia - والفرنسية القديمة - orenge).
وقد بدأ استخدام الكلمة في اللغة الإنجليزية في القرن الرابع عشر. وتختلف تسمية بعض الشعوب للبرتقال باختلاف انواعه وحلاوته ومرارته، ففي اليونانية يطلق على المر او «المز» بالعامية اسم «مارانتزي» nerantzi اما الحلو فيطلقون عليه اسم البرتقال portokali.
وعادة ما تعني بعض الاسماء «تفاحة من الصين» إذ ان البرتقال الحلو انتشر من الصين الى الهند ومن ثم اوروبا عبر الرحالة والمستعمرين البرتغاليين في القرن الخامس عشر.
وتستخدم الكثير من شعوب اوروبا الجنوبية الشرقية كلمة «برتقال» نسبة الى «البرتغال» والى البرتغاليين الذين كانوا يستوردون الحلو منه الى اوروبا في البدايات (في اليونانية - portokali - في الرومانية - portocal? - والجورجية - phortokhali - والبلغارية - portokal -).
وكان الطليان يسمونه portogallo (تعني البرتغالي) واهل اللغة الامهرية من سكان اريتيريا واثيوبيا بـ birtukan. وانتشر البرتقال المر او الحامض من ايران لاحقا في القرن الحادي عشر.
لكن تاريخ زراعته في الصين وجنوب شرقي آسيا بشكل عام يعود الى 4 آلاف سنة قبل الميلاد.
ومن هناك انتشر البرتقال في شمال افريقيا وبالتحديد المغرب العربي ومصر نهاية الامبراطورية الرومانية قبل ان ينتشر في جنوب اوروبا واسبانيا بشكل خاص ايام الاندلس. وقام البرتغاليون والاسبان ايضا عبر كريستوفر كولومبس بنشره في العالم الجديد او ما نعرفه بالأميركتين وبحر الكاريبي وهايتي.
يتم انتاج البرتقال في الكثير من بلدان العالم رغم التمركز في بعض المناطق مثل دول البحر الابيض المتوسط (فلسطين ولبنان وسورية) التي تعتبر رائدة في هذا المضمار وخصوصا اسبانيا التي تلعب دورا كبيرا على الصعيد الدولي في زراعته وانتاجه.
ومع هذا تعتبر منطقة ساو باولو في البرازيل وولاية فلوريدا في جنوب الولايات المتحدة، من اكبر المنتجين في العالم، يليها المكسيك والهند والمغرب ومصر.
وعادة ما يتم بيع ربع محصول البرتقال كفاكهة بحد ذاتها ويستخدم الباقي لإنتاج العصير والاطعمة والمكثفات وغيرها من الاستخدامات الصناعية الحديثة.
وتعتبر الحمضيات بشكل عام والبرتقال بشكل خاص من القطاعات المهمة في الاسواق الدولية من ناحية القيمة، بسبب تحرير التجارة والتطور التقني الحاصل على عمليات النقل والتخزين والتوزيع.
وقد تضاعف انتاج الحمضيات حول العالم خلال العقد الماضي مرات عدة بسبب تدفق انواع كثيرة من دول الجنوب الى دول الشمال وخصوصا اوروبا الغربية، لكن انتشار البرتقال وعصيره على نطاق واسع وحديث كما نعرفه الآن بدأ في الولايات المتحدة والبرازيل بعد الحرب العالمية الثانية.
ويقول الاستاذ محمد نور الدين الموسوي في احد مواقع شبكة الانترنت، انه مع حلول القرن الثاني للميلاد كانت أشجار البرتقال تملأ مناطق واسعة من فلسطين ومصر وسورية ولبنان وأقطار أخرى ومعها الكثير من الثمار الحمضية مثل الليمون الحامض.. ومنذ بدأت زراعته على نطاق واسع في ولاية كاليفورنيا عام 1800 أصبح البرتقال من الفواكه المعروفة والمألوفة لدى الكثير من سكان الدنيا الجديدة وجنوب أفريقيا وأستراليا.. اما في إنجلترا فتاريخ البرتقال يعود الى سنة1685، أي عندما زرع وليم تمبل أول أشجاره.
ويضيف الموسوي ان الملك تشارلز الأول كان يملك حديقة كبيرة للبرتقال في منطقة ومبلدون تساوي الشجرة الواحدة منها ما بين عشرة وعشرين جنيها وكان أصحاب البساتين في جميع أنحاء إنجلترا يخصصون قسما من أراضيهم لزراعة مختلف أنواع البرتقال والليمون..
كان الرحالة والبحارة العرب والهولنديون والبرتغاليون والاسبان والبريطانيون لاحقا يستخدمون البرتقال خلال اسفارهم كعلاج لامراض اللثة ونزيفها.
وقد كشفت الدراسات الحديثة انه مقو للأسنان وحام للفم بشكل عام. وقد ساهمت فوائد البرتقال الطبية الجمة على انتشاره بشكل كبير فهو يحتوي كما تقول الموسوعة الحرة على ثلاثة وعشرين عنصرا غذائيا اهمها: الحديد وسكر الفواكه، والفسفور، وفيتامين «بي 1» وفيتامين «جي»، والكالسيوم.
ويساعد البرتقال على تثبيت الكلس في العظام، والوقاية من الامراض الانتانية،والحمى التيفودية، والسعال الديكي، كما تستعمل اوراقه لمعالجة آلام الرأس، والسعال الصدري ويحتوي أيضا على حمض الستريك كما يعتبر من أهم مكونات الطب البديل لما له من فوائد.
ويقول الموسوي بهذا الصدد ان هناك دراسات قديمة منذ سنة3300 قبل الميلاد تبين لنا أن الصينيين الجنوبيين كانوا يتناولون البرتقال الحلو وما يعرف بالـ«يوسف أفندي» (كما يسمى في بعض دول المشرق) منذ أقدم العصور وللعلم إذا لم تكن الصين مهد البرتقال الأول فهم أول من فطن إلى فوائد البرتقال الكثيرة واستفادوا منه كغذاء ومن قشوره وزهوره وبذوره طبيا ومزجوها ببعض الأطعمة لتعطيرها.
ومن فوائده ايضا ونقلا عن كتاب «البرتقال غذاء ودواء» للبروفيسور الايطالي نيكولا كايو، انه يعمل على تصفية الدم وطرد الغازات والبلغم وتنظيف المجرى التنفسي والمعدة والامعاء، ويساعد ايضا على تنظيف الكلى والمثانة وتفتيت الحصى والتخلص من الرمل والتئام الجروح ومعالجة الامراض الجلدية وضغط الدم.
كما تؤكد الدراسات الطبية الحديثة ايضا بأن البرتقال من الفاكهة التي تقوي الجهاز العصبي (تساهم رائحته التي تستخدم في بعض الدول الاوروبية في تهدئة اعصاب المرضى وتخفيف التوتر قبل العمليات الجراحية والعلاجات المختلفة) والقلب والدماغ، والعظام والشعر.
والاكثر من هذا انه يساهم في محاربة الامراض التناسلية والرحم والمبيض والبروستات وينظم عمل العضلات.
اضف الى ذلك كله، انه مانع للاكسدة وطارد للشوارد الحرة ومنشط للجسم ويحارب الإنفلونزا والرشح والكثير من امراض السرطان وعلى رأسها سرطان الفم والحنجرة والمعدة.