مكالمات الفيديو .. هل تؤثر على الأطفال؟
أصبحت برامج محادثات الفيديو، سواء الموجودة في الهواتف الذكية أو على أجهزة الكومبيوتر، من مستلزمات الحياة الحديثة التي لا يمكن الاستغناء عنها، ويستخدمها تقريبا معظم البشر للتواصل مع الأهل أو الأصدقاء، خصوصا الموجودين في بلدان مختلفة. وبطبيعة الحال، فإن تلك المكالمات الحية بالصوت والصورة تجذب انتباه الأطفال، ولذلك أجريت كثير من الدراسات الحديثة التي تناولت أثر هذه المكالمات، أو تطبيقات الهواتف الذكية بشكل عام، على الأطفال.
وآخر دراسة هي تلك التي قام بها علماء من كلية لافييت للطب النفسي Lafayette College psychology بالولايات المتحدة، والتي سوف يتم نشرها لاحقا في مجلة العلوم التنموية journal Developmental Science. وقد أجريت على الأطفال ما دون عمر سنتين، وهي الفترة التي يبدأ فيها الأطفال في استكشاف الأشياء من حولهم، والتعلم منها، وتنمية المهارات الإدراكية المختلفة.
مكالمات فيديو تفاعلية
كان الباحثون قد قاموا بإجراء التجربة لمعرفة أثر مكالمات الفيديو التفاعلية على الأطفال، والفرق بينها وبين أي مادة عروض أخرى يتم مشاهدتها عبر الشاشات، مثل التلفاز أو الألواح الذكية أو أجهزة الكومبيوتر، خصوصا أن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال حذرت من تعرض الأطفال ما دون العامين إلى الشاشات المختلفة لوقت طويل، فيما يعرف بوقت الشاشات (Screen Time).
وأشارت الدراسة إلى أن الأطفال في هذه المرحلة يمكنهم الاستفادة والتعلم من خلال هذه المكالمات الحية، حتى لو كانت أعمارهم غير قابلة تماما لاستيعاب محتوى الحديث، أو فهمه، وأن هذا الوقت الذي يمكن أن يقضيه الطفل في مكالمة مصورة مع الأقارب أو الأصدقاء لا يعتبر وقتا إضافيا لوقت الشاشة الذي يمكن أن يسبب بعض المشكلات الطبية، مثل القلق والتوتر وعدم انتظام النوم ومواجهة صعوبات في التعلم، حيث لوحظ أن الأطفال الذين يقضون وقتا طويلا أمام شاشات التلفزيون يعانون من مثل هذه المشكلات الطبية.
وكان من أهداف الدراسة معرفة الفرق بين وضع الطفل كمتلقي فقط لمحتوى مادة من عروض معينة، أيا كان الوسيط الذي يعرضها، حتى لو من خلال الهواتف الذكية، ووضعه كمشارك في حدث معين من خلال الفيديو، على الرغم من عدم إدراكه لمحتوى كل منهما، إذ إن في الحالتين هناك شخص أو أشخاص يتكلمون، ويلوحون بأيديهم.
ومن المهم معرفة إذا ما كان الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة toddler يتمكن من تكوين علاقة تفاعلية مع ما يشاهده من عدمه.
وقام الباحثون بإجراء التجربة على 60 من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام وعامين، وقاموا بتقسيم هؤلاء الأطفال إلى مجموعتين، كل منهما تضم 30 طفلا.
وفى خلال أسبوع، شاهدت المجموعة الأولى من الأطفال مكالمة من خلال تطبيق لمكالمات الفيديو، مثل تطبيق «فيس تايم» FaceTime الخاص بالآيفون، وشاهدت المجموعة الأخرى فيديو تم تسجيله من قبل.
وفى النموذجين، كان هناك شخص يردد أفعالا وكلمات وحركات معينة، ويمكنه أن يرد على الأطفال، ويحدثهم في المكالمة التفاعلية.
اتصالات مفيدة
وقد وجد الباحثون أن الأطفال في المجموعتين يتفاعلون مع ما يرونه على الشاشة، سواء من خلال التسجيل أو من خلال المكالمة المصورة. إلا أن الأطفال في المجموعة التي شاهدت المكالمة رفعوا أيديهم في محاولة للتصفيق، حينما صفق الشخص الموجود في المكالمة، بمعنى أنهم استطاعوا التعلم من خلال المحاكاة والتقليد عبر المكالمة التفاعلية، وهو الأمر الذي لم يحدث مع أطفال الفيديو المسجل، على الرغم من التأثر بالمحتوى.
وبعد أسبوع من التجربة، تمكن الأطفال الذين شاهدوا المكالمة التفاعلية من التعرف على الشخص الذي تمت رؤيته سابقا من خلال المكالمة، وتم التفاعل معه (إذ إن الشخص كان يجيب على كلام الأطفال، ويتفاعل معهم بشكل فوري وحي)، مما يشير إلى أن الأطفال استفادوا بشكل اجتماعي، حيث تمكنوا من التعرف على شخص لم تتم مقابلته مطلقا من قبل في الحياة الحقيقية إلا من خلال المكالمة الهاتفية، وأيضًا تمت الاستفادة بشكل إدراكي من خلال تعلمهم لبعض الإشارات (مثل التصفيق)، أو كلمات معينة.
وعلى الجانب الآخر، لم تحدث هذه الاستفادة، سواء الاجتماعية أو الإدراكية، في الفيديو المعد سلفا، حتى لو كان الشخص نفسه، ببساطة لأنه لم يستطع أن يرى أو يسمع الأطفال، وبالتالي، كان التفاعل مع الشريك الآخر أقل بكثير.
وأوضح الباحثون أن مكالمات الفيديو مفيدة لتعليم الأطفال ما دون العامين، إذ إنها تعتمد على التجاوب من الشخص الموجود على الشاشة مع المتلقي. وحسب الدراسة، يمكن للأطفال البدء في الاستفادة من تلك التقنية من عمر 17 شهرا فقط، حيث يمكن للأطفال الخروج من محتوى المكالمة بمعلومات قد تكون ضئيلة جدا، ولكنها تعتبر استفادة بطبيعة الحال، خصوصا للأشخاص الذين يمكن رؤيتهم في المستقبل، مثل الجد أو الجدة، أو الأقارب بشكل عام، حيث يمكن للأطفال في هذه السن الصغيرة الربط بين الشخص الذي تمت رؤيته في المكالمة والشخص ذاته في حالة رؤيته لاحقا (خلال فترة زمنية معقولة بالطبع).
والمثير في الأمر أن الباحثين اكتشفوا أنه حتى في حالة الفيديوهات المعدة سلفا، المصممة بحيث توحي بأنها تتفاعل مع الطفل لكي تبدو حقيقية، فإن الأطفال تفاعلوا مع المكالمات الحقيقية، وكانوا قادرين على التمييز بينها وبين الفيديوهات سابقة التجهيز.
وقد نصحت الدراسة الآباء بعدم الانزعاج من قضاء أطفالهم أوقاتا أمام هذه المكالمات العائلية لأنها في النهاية تعود بالنفع عليهم.