البدلة الرياضية .. من قطعة للراحة إلى زي للأناقة

هل تشفع لها تصاميمها العصرية وأسعارها الغالية في دخول الحياة العامة؟
هل تشفع لها تصاميمها العصرية وأسعارها الغالية في دخول الحياة العامة؟

لا تعيش الموضة بمعزل عن العالم، أمر صرح به كثير من المصممين، وعلى رأسهم كارل لاجرفيلد، قيصر الموضة ومصمم دار كل من «شانيل» و«فندي».

بل وحتى من كانوا يعتبرونها في يوم من الأيام مجرد ألوان للزينة واستخفوا بأهميتها وقوة تأثيراتها سابقًا، يعترفون حاليًا بأنها تعكس فعلاً تطورات المجتمعات وأحداثها.

فهي تترجم هذه الأحداث والتطورات من خلال تصاميم تحفظها كتب تاريخ الموضة وبالتالي تؤرخ لمرحلة ما.


الستينات مثلاً شهدت ولادة الفستان القصير تعبيرًا عن تحرر المرأة، بينما شهدت الثمانينات تنامي قوة التايور النسائي بأكتافه الصارمة تعبيرًا عن اقتحامها عالم المال والأعمال الذي كان حكرًا على الرجال، بينما شهدت التسعينات انتعاش التصاميم الهادئة والأسلوب السبور، لا سيما البدلة الرياضية، كما طرحتها «جوسي كوتير» مطرزة بالأحجار البراقة والألوان الفاتحة.

إطلالة استخفت بها أنيقات العالم وعانقتها العامة، وربما هي التي جعلت كارل لاجرفيلد يصرح في عام 2011 بأن كل من سولت له نفسه ارتداء بنطلون الرياضة الواسع والخروج به إلى الشوارع، كمن فقد السيطرة على حياته، مضيفًا: «البناطيل الرياضية تعبر عن الإحساس بالهزيمة».

لكن لم تمر سوى بضع سنوات على هذا التصريح حتى غير رأيه، فليس هناك متابع للموضة لا يتذكر عرضه الضخم لدار «شانيل» الذي صممه على شكل «سوبر ماركت ضخم».

بيد أن الديكور لم يكن وحده المثير، بل أيضًا التصاميم المستوحاة من الملابس الرياضية، علمًا بأنه لم يكن الوحيد في هذا التوجه الذي فرضته التطورات الاجتماعية ورغبة الزبائن في تصاميم مريحة ومنطلقة، مما جعل البدلة الرياضية تعود هذا الموسم معززة بأسماء مصممين كبار وغلاء الأسعار، تلبية لرغبة الزبائن من جهة، وتأثرًا بالأولمبياد الذي تشهده ريو دي جانيرو حاليًا، من جهة ثانية.

فالصورة التي تُكونها وأنت تتابع عروض الأزياء لهذا الموسم، هي أنهم دخلوا في ماراثون للفوز بحصة من السوق. من «بوتيجا فينيتا»، و«كلوي»، و«جوتشي» إلى «لاكوست» وآخرين، كانت البدلة الرياضية مُلهمًا قويًا، أحيانًا بشكل حرفي، وأحيانًا بالتمويه عنها بإدخال أقمشة مترفة والاكتفاء بخطوط وتقليمات من الجانب، وما شابهها من التفاصيل التي لا تترك أدنى شك أنها «سبور».

لكن على الرغم من استنساخها شبه الحرفي أحيانًا، لا يمكن القول إنها قابلة لممارسة الرياضات أو إن مكانها الطبيعي هو النوادي الرياضية. فهي مصممة لكي تناسب النزهات العائلية وأماكن العمل التي لا تتطلب زيًا رسميًا في الوقت ذاته. وهذا ما جعلها مظهرًا دارجًا نراه بشكل يومي في الشوارع كما في المطارات، لأن ما توفره من راحة وأناقة للابسها يجعلها جد مناسبة للسفر.

فمنذ عشر سنوات تقريبًا، كان يمكن أن نتفق مع كارل لاغرفيلد، في أن هذه التصاميم خاصة بالأشخاص الكسالى الذين هزمتهم الحياة وجردتهم من أي رغبة في تغييرها إلى الأحسن، أما الآن فإن العكس صحيح بالنظر إلى التصاميم التي طرحها معظم المصممين. فهي لا تترك أدنى شك بأنها مناسبة للنهار والمساء على حد سواء، بحسب خاماتها وطريقة تنسيقها مع باقي الإكسسوارات. فبمجرد ارتدائها مع حذاء بكعب عالٍ مثلاً، تكتسب أنوثة من نوع عصري وراقٍ.

بالنسبة للرجل، دخل خياطو شارع «سافيل رو» الشهير بتفصيله وأزيائه الكلاسيكية، الماراثون، بتعاون المصمم أوزوولد بوتانغ مع شركة «نايكي» لتصميم ملابس فريق كرة القدم البرازيلي، فيما قدمت شركة «كيلغور» ما أطلقت عليه «بدلة بعدة وظائف» من الكشمير بتصميم يبدو ظاهره كلاسيكيًا ورسميًا، لكنه يُبطن كثيرًا من الراحة والعناصر المأخوذة من البدلة الرياضية.

كان هذا وحده كفيلاً بأن يرقى بها من بدلة تلقى رواجًا من قبل عامة الناس والطبقات العاملة إلى بدلة مفعمة بالأناقة والقوة. بدلة تواكب العصر وتعكس الجاه أيضًا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها بأسعار تتعدى 800 جنيه إسترليني. فمثلاً بدلة مكونة من جاكيت بسحاب وقلنسوة من البوليستير مع بنطلون بتوقيع ماركة «فيتمون» يصل سعرها إلى 790 جنيهًا إسترلينيًا، ومع ذلك نفذت من السوق خلال أشهر قليلة.

جاكيت من حرير الجيرسيه بتوقيع «كلوي» أيضًا لا يقل عن 1.125 جنيه إسترليني يلقى رواجًا كبيرًا، وتم تقليده من قبل كثير من المحلات الشعبية ليلبي تعطش من ليست لديهم الإمكانيات إليه. لكن عند الغوص في عالم المنتجات المترفة، نكتشف أن 1.125 جنيه إسترليني لا شيء، مقارنة بجاكيت من جلد الشامواه بسحاب صممه جي.دبليو أندرسون لدار «لويفي» الإسبانية، يصل سعره إلى 3.525 جنيه إسترليني.

محطات تطور البدلة الرياضية
- في الثلاثينات من القرن الماضي، طلبت مختبرات «ديبون» من الكيميائي والاس هيوم مساعدته في تطوير بديل اصطناعي للحرير. فبالإضافة إلى أن الحرير كان باهظ الثمن في ذلك الوقت، كان أيضًا تحت سيطرة اليابانيين، الذين كانوا يتحكمون في 80 في المائة منه. نتيجة هذا التعاون كانت ولادة مادة النايلون التي بدأت تسويقها في عام 1938. كانت رخيصة ويسهل تصنيعها، وبالتالي مثالية لملابس الأيام العادية.

- في الستينات من القرن الماضي، انتبه المصممون مرة أخرى إلى النايلون، ورأوا فيه مادة جيدة لإطلاق العنان لخيالهم، خصوصًا بالنسبة لمصممين عانقوا الأسلوب المستقبلي. ففي هذه الفترة، وصل الإنسان إلى القمر، وكان العلم الذي وضعه نيل آرمسترونغ فيه مصنوعًا من النايلون.

- في عام 1967، ظهرت البدلة الرياضية بشكلها المتعارف عليه حاليًا، حين قدمتها «أديداس» للاعب الكرة الألماني فرانز بيكانباور، ومنذ ذلك الحين وهي تعرف تجاذبًا بين إقبال عليها وعزوف عنها.

- في الثمانينات طرحها بعض المصممين من البوليستر الرخيص، الأمر الذي انعكس على مظهرها وصورتها.

- في الثمانينات أيضًا ظهر بها لاعبو تنس من أمثال بيورن بورغ وجون ماكنرو، وغني عن القول إن أسعارها كانت عالية، لأنها كانت من تصميم كل من شركة «فيلا» والمصمم سيرجيو تاكيني. من ملاعب التنس وصلت إلى عالم الفن والغناء، إذ ظهر بها المغني جورج مايكل في عدة مناسبات، وهو ما ألهم مصممة دار «كلوي» كلير وايت كيلر. فقد صرحت بأنها عندما بدأت تفكر في تصميم تشكيلتها لصيف 2016، كانت الموسيقى عنصرًا قويًا ومؤثرًا عليها، مشيرة إلى أنها عاشت حقبة الثمانينات، بكل إيجابياتها وسلبياتها. والنتيجة أنها مزجت الذكوري بالأنثوي الناعم في تشكيلة تعبق بالرومانسية المريحة، عنوانها تصاميم رياضية منطلقة.

- في التسعينات ظهرت بالقطيفة، وهو ما لم يُحسن من صورتها، رغم أن شركة «جوسي كوتير» حققت أرباحًا طائلة من ورائها. في هذه الفترة ظهرت أيضًا في أعمال تلفزيونية وسينمائية، كقطعة لا تفارق جسم بطل متمرد يسبب كثيرًا من الحرج لآبائه بسبب مظهره، وعدم تغييره البدلة الواسعة. من أشهر الأفلام التي ترتبط بهذه القطعة فيلم «لاهين» ومعناه بالفرنسية «الكراهية» الذي صدر في عام 1995، وأصبح من الكلاسيكيات. فيه يظهر بطله، سعيد تاغماوي، ببدلة رياضية اختزلت استهانته بكل ما يجسده من كره للمجتمع.

- الآن تُعتبر البدلة الرياضية في لغة الموضة خيارًا، أو أسلوبًا، شخصيًا يعكس ثقافة الشارع، بكل ما فيها من إثارة وجرأة ورغبة في تكسير المتعارف عليه، لكن بأناقة محسوبة لا تتعارض مع أبجديات الموضة وأصولها الفنية.