القلق أثناء الحمل .. كيف يمكن أن يفيد الطفل؟
من المؤكد أن الحالة النفسية للأم تتأثر بشدة أثناء الحمل وتختلط فيها المشاعر بين الفرح والقلق والاضطراب نتيجة للمخاوف على صحة الجنين والمخاوف من عملية الولادة نفسها، فضلاً عن التغير في الهرمونات المصاحبة لفترة الحمل التي تؤدى إلى اضطراب الحالة المزاجية للأم.
وعلى الرغم من أن هذه المشاعر طبيعية وتعاني منها جميع السيدات، رغم الفروق الشخصية بالطبع بين كل سيدة وأخرى، فإن هذه المشاعر في الأغلب يمكن أن تنعكس بالسلب سواء على الأم أو الجنين.
وتستمر هذه المشاعر حتى إلى ما بعد عملية الولادة، وهناك أحد الأعراض الشهيرة في الطب النفسي يسمى (اكتئاب ما بعد الولادة) تعانى منه نسبة غير قليلة من السيدات نظرًا لكثير من الأسباب مثل قلق الأم من الحفاظ على جمالها بعد الأمومة، واستعادة وزنها المثالي، وعما إذا كان بمقدورها القيام بواجباتها الجديدة كأم من عدمه.
قلق مفيد
وأوضحت كثير من الدراسات أن حالة الأم النفسية أثناء الحمل، خصوصًا إذا كانت تعاني من مرض نفسي يمكن أن تؤثر بالسلب على الجنين سواء نفسيًا أو عضويًا، ولكن المثير أن أحدث الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أشارت إلى أن هذه المشاعر من القلق والإحباط يمكن أن تفيد الجنين لاحقا خلافا للتوقعات المعهودة.
وفي الدراسة التي نشرت حديثًا في مطلع شهر مايو من عام 2016 في مجلة «الإدراك الاجتماعي وعلم الأعصاب» the journal Social Cognitive and Affective Neuroscience قال علماء من جامعة بازل السويسرية بمشاركة علماء آخرين حول العالم، إن المشاعر السلبية التي تنتاب الأم أثناء فترة الحمل يمكن أن تنعكس بشكل إيجابي على الجنين نتيجة لتغير في الجينات يجعلها أكثر تكيفًا مع المشكلات النفسية، مما يمكن أن ينتج عنه أطفال أكثر ثباتًا نفسيًا وأقوى في التعامل مع الاضطرابات والقلق بشكل عام.
وقد لاحظ الباحثون أن زيادة نسبة الهرمونات المسؤولة عن القلق stress hormones والإحباط أثناء الحمل هي المسؤولة عن التغيير الجيني في الجنين. ونتيجة لهذه التغيرات فإن مستقبلات الهرمون المسؤول عن التفاعلات الاجتماعية والتعامل مع القلق (الاوكسيتوسن Oxytocin) تصبح سهلة الاستثارة وتنشط في عمر أصغر، وبالتالي يمكّن الرضع من التعامل مع المشكلات النفسية بشكل أكثر مرونة.
وأوضح الباحثون أن التغيرات في تركيبة الجينات التي تؤدى إلى زيادة الاستثارة ونشاط المستقبلات تعتمد على وجود مجموعة الميثيلين والتي تلتصق بالحمض النووي DNA للجين، وتعمل بمثابة مفتاح التحكم في بداية نشاطه من عدمه، بمعنى أن الأطفال الذين عانت أمهاتهم من الإحباط والاكتئاب والقلق أثناء الحمل نتيجة لزيادة إفراز الهرمون المسؤول عن التعامل مع القلق (الاوكسيتوسن) كان لديهم كميات أقل من مجموعات المثيلين methylation للجين المسؤول عن مستقبلات الهرمون.
ولذلك فإن الجين يصبح أكثر نشاطًا بسهولة أكثر ويتم إنتاجه بشكل أكبر. ومن المعروف أن هرمون الاوكسيتوسن يلعب دورا بالغ الأهمية في تسهيل عملية الولادة وزيادة انقباضات الرحم وأيضًا يقوم بدور مهم في عملية الرضاعة، وبجانب ذلك يكون مسؤولا عن التفاعل مع الضغوط الاجتماعية المختلفة.
دراسة مخالفة
وقام الباحثون بإجراء التجربة على 100 من الأمهات السويسريات مع أبنائهن أثناء وبعد انتهاء فترة الحمل وقاموا بقياس مستوى هرمون الكورتيزول في الحبل السري لـ39 من الرضع المولودين وكذلك قاموا بقياس نسبة الهرمون في لعاب الأمهات، هذا فضلا عن سؤال الأمهات في استبيان خاص عن مدى الضغوط النفسية اللاتي عانين منها أثناء فترة الحمل وبعد الولادة، ولأي مدى تم تفاعل الأمهات مع هذه الظروف تبعا لتقييم كل حالة بشكل فردي لاختلاف الضغوط النفسية من أم إلى أخرى.
وكذلك قام الباحثون بعمل استبيان لمعرفة إذا كانت هؤلاء الأمهات قد عانين من أمراض عقلية أو مشكلات صحية يمكن أن تؤدي إلى اضطراب الإدراك أو الاكتئاب في أي فترة سابقة للحمل أو أن تجربة الحمل كانت هي العامل الأساسي لحدوث القلق.
وكذلك تم الاستبيان عن الضغوط العاطفية التي تعرضت لها الأمهات أثناء الحمل مثل الانفصال عن الزوج أو فقدان شخص عزيز مما يمكن أن يؤثر على الحالة النفسية بالطبع. وعلى الرغم من أن العلماء قاموا بتحليل هذه المعلومات التي حصلوا عليها بداية من الحمل وحتى انتهاء الشهر الأول من الولادة، فإنها لم تكن كافية لمعرفة الطفرة الجينية التي حدثت في مستقبلات الهرمون، والتي تحدث في فترة لاحقة في حياة الطفل وهو الأمر الذي يستلزم عدة دراسات أخرى.
وأشار العلماء إلى أن أهمية الدراسة تأتي من أنها مخالفة للدراسات السابقة التي تشير إلى احتمالية انتقال الأمراض النفسية أو الضغوط أثناء الحمل إلى الجنين، كما أنها ترسل رسائل تطمين إلى كثير من الآباء بأن الضغوط النفسية العنيفة التي يمكن أن تعاني منها بعض الأمهات في فترة الحمل لا تنتقل بالضرورة إلى الأبناء، بل وعلى النقيض يمكن أن تمثل نوعًا من أنواع الحماية المستقبلية لهم حيال تعرضهم للتوتر أو القلق في أي مرحلة من مراحل حياتهم سواء الطفولة أو المراهقة أو البلوغ.