نافورة «تريفي» تحتفل مع «فندي» بميلادها التسعين

كارل لاجرفيلد يصمم عرضًا تمشي فيه العارضات فوق الماء .. ويأخذ فيه الفرو بعدًا خياليًا، وفي الصورة عارضات «فندي» وتظهر خلفهن نافورة «تريفي» الشهيرة
كارل لاجرفيلد يصمم عرضًا تمشي فيه العارضات فوق الماء .. ويأخذ فيه الفرو بعدًا خياليًا، وفي الصورة عارضات «فندي» وتظهر خلفهن نافورة «تريفي» الشهيرة

لو سألت أي أحد عن كارل لاغرفيلد لكان جوابه، ومن دون تردد، أنه مصمم دار «شانيل»، نظرا لما قدمه إلى الدار الفرنسية عبر عدة عقود، فضلا عن عروضه الضخمة تحت رايتها، في «لوغران باليه». غني عن القول إنها عروض تتحول إلى حديث المجتمعات وتُترجم فيما بعد إلى مبيعات وأرباح.


ما لا يعرفه سوى قلة، خارج أوساط الموضة أن كارل لاغرفيلد يصمم لدار «فندي» منذ نحو 51 عاما، ولأن «فندي» رومانية الأصل، فهي لم تمانع أو تشعر في يوم ما بأن صورتها ثانوية أو متأثرة بشكل سلبي، بل العكس تماما، وكل من يعرف الشخصية الإيطالية عموما والرومانية خصوصا، يعرف أنها شخصية لا تميل إلى الاستعراض بقدر ما تفضل الفنية الهادئة.
بيد أن كل هذا تغير يوم الخميس الماضي، خلال احتفال الدار بميلادها التسعين.

وفي عرض، أقل ما يمكن أن يقال عنه، إنه بمثابة فيلم سينمائي يعيد إلى روما بريقها في الستينات حين كانت عاصمة السينما الأوروبية، لما يتضمنه من عناصر التشويق والجمال والإثارة.

الأهم من هذا أن كارل لاغرفيلد حقق المستحيل بجعله العارضات كمن يمشين فوق الماء كأنهن حوريات يخرجن للحضور من بين صفحات قصص الخيال والأساطير. تنظيم العرض استغرق ستة أشهر، ولأنه كان على نافورة تريفي الشهيرة، فقد كان حلما لم تكن لا سيلفيا فندي ولا لاغرفليد وكل من يعمل معهما يصدقون أنها يمكن أن تصبح واقعا في يوم من الأيام.

وبالفعل فإن النافورة التي اشتهرت عالميا في فيلم «لا دولتشي فيتا» (الحياة اللذيذة) للمخرج فيليني في الستينات، لم تكن لتفتح أبوابها لأي دار أزياء أيا كانت، بما فيها «فندي» لولا أن هذه الأخيرة هي التي مولت ترميمها.

إلى جانب سحر المكان وتأثيره القوي على النفس، تبقى أجمل مفاجأة هنا، أننا رأينا جانبا مثيرا من شخصية لاغرفيلد لم نره منذ سنوات. فهو قد يعطي الانطباع، وهو يمشي الهوينا، على أن الزمن نال منه، لكنه أكد في روما، أنه لا يزال بجعبته كثير، وأنه قادر على تطويع المستحيل. أطلق على العرض عنوان «أساطير وقصص من الخيال» Legends and Fairy Tales، وكان من المفترض أن يكون احتفالا بالفرو، كونه ارتبط بـ«فندي» التي تستعمله مثل أي قماش مترف آخر، لكنه كان أيضا احتفالا بالحرفية والأنامل الناعمة، سواء الرومانية أو الباريسية.

فقد استعان أيضا بكل من «لوساج» و«لومارييه» لتنفيذ التطريزات والريش. وكانت النتيحة مذهلة عبارة عن تشكيلة تعبق بالسحر والفنية، وتستحق أن تُعرض على خلفية نافورة «تريفي».

كان تأثيرها قويا إلى حد أن كارل لاغرفيلد، الذي قلما تشي تعابير وجهه بما يختلج بداخله أو يُعبر عن عواطفه بسهولة قال: «لم أكن أتصور أبدا أن شيئا مماثلا لما عشناه الليلة يوجد». وأضاف «أن نقوم بهذا فوق أشهر نافورة في العالم أمر لا يتحقق سوى في الخيال». والحقيقة أنه ليس ببعيد أن يشاطره المناهضون لاستعمال الفرو والجلود الطبيعية رأيه، ويغيرون رأيهم.

كثير من التشكيلات التي أتحفنا بها كارل لاغرفيلد لـ«شانيل» تحديدا قال إنه تصورها في منامه، لكن هذه التشكيلة ولدت في وضح النهار، وبعد أن اطلع صدفة على نسخة عصرية لقصة خيالية نرويجية بعنوان «إيست أوف ذي صان، ويست أوف ذي مون»، أي «شرق الشمس، غرب القمر» رسمها الفنان كاي نيلسون. عندما وقعت عينه على القصة، أثارت فضوله، وبعد أن تصفحها شعر بأنها جد مناسبة لمجموعة الفرو، التي كان يصممها حينذاك لـ«فندي».

فأحداث القصة تقع في شمال أوروبا الباردة، بينما كانت «الرسمات لكاي نيلسون مزيجا من الفن المعاصر والآرت ديكو». كل هذا جسده في تطريزات خفيفة على معاطف منسدلة وأخرى إما منفوخة وإما محددة عند الخصر كأنها فساتين كوكتيل، إضافة إلى مجموعة فساتين من أقمشة أخرى مثل الجينز وغيره.

ما يُحسب لكارل لاغرفيلد دائما، أنه لا يكتفي بالاستلهام وحده، بل يجتهد دائما في إضافة بصماته الفنية، إلى حد أنه يُحول قصص غيره إلى قصصه الخاصة. لهذا يمكن القول إن ما عاشته روما يوم الخميس الماضي، كان عصريا ومعاصرا بكل تفاصيله، تتبع فيه رحلة أميرة من النهار إلى الليل، مستعملا درجات ألوان هادئة كرمز لهذا التحول، فالوردي والأزرق السماوي والأبيض السكري تتحول إلى ألوان داكنة، كلما توغلت الأميرة في الطبيعة وغربت الشمس فاتحة المجال للنجوم لكي تسطع.

خلال هذه الرحلة، تكتسب كائنات برية صغيرة الحياة، حيث يزيد لمعان أجنحة فراشات مرسومة على معطف كلما انعكس عليها الضوء، أو تتفتح ورود أو بتلات من جانب فستان من الفرو أو الأورجنزا، أو تتطاير كتلة من الريش مع كل نسمة هواء في دلالة واضحة على خفتها والحرفية التي نُفذت بها. واحدة من هذه التحف جاءت على شكل فستان يبدو كأنه دانتيل مثقب بنحو 5000 ثقب، بينما تطلبت كل قطعة من الفرو ما بين 200 و600 ساعة من العمل عليها على يد حرفيين مهرة.