جدل قانوني في مصر حول حظر النشر في قضية سوزان تميم

بعد جدل اقتصادي وسياسي وعاطفي، حول مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، في دبي قبل أسبوعين، دخل الجدل القانوني على الخط، بما أثاره النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود، من تشديد لحظر النشر في القضية.


وبينما أعلن المستشار القانوني لنقابة الصحافيين رفضه للمادة القانونية التي تعطي النائب العام الحق في فرض حظر النشر، وبخاصة في قضية قتل عادية، مثل قضية المطربة اللبنانية، أكد النائب العام المصري الأسبق رجاء العربي، أن حظر النشر يهدف للمصلحة العامة ومصلحة التحقيق، إلا إن رجال قانون بالبرلمان المصري، منهم صبحي صالح، والمستشار فتحي رجب، أكدوا حق الرأي العام في أن يعلم «كل شيء» عن مجريات التحقيق، مع إشارتهم إلى أن الحظر في بعض القضايا يأتي مخافة المساس بالأدلة أو التلاعب فيها.

وفي وسط الجدل الذي لم يهدأ في جلسات إعلامية وسياسية واقتصادية عن مقتل المطربة تميم، قررت نيابة شمال الجيزة بمصر أمس إخلاء سبيل أربعة صحافيين مصريين، بجريدتي «الدستور» و«الطريق» الخاصتين، من سرايا النيابة في ختام التحقيقات التي جرت معهم لاتهامهم بخرق قرار النائب العام المصري بحظر النشر في قضية مقتل المطربة اللبنانية، وقال المستشار القانوني لنقابة الصحافيين، سيد أبو زيد، وهو في نفس الوقت محامي الدفاع عن الصحافيين الأربعة، إن عملية النشر التي تمت بالصحيفتين لا تمثل خرقا لقرار النائب العام بحظر النشر، موضحا أن القرار الصادر من النائب العام بهذا الشأن كان قد صدر في 7 أغسطس (آب) الجاري، وتضمن حظر النشر في قضية متهم فيها شخص يدعى محسن السكري، مشيراً إلى أن عملية النشر التي تمت بمعرفة الصحيفتين بشأن مقتل سوزان تميم تمت في ضوء عدم وجود قرار بحظر النشر بشأنها صراحة، وأنه عقب صدور قرار آخر من النائب العام في 11 أغسطس (آب) الجاري بحظر النشر في القضية صراحة، وذكر موضوع «مقتل الفنانة سوزان تميم» في الحظر، فإن الصحيفتين التزمتا بعدم النشر احتراما لقرار النائب العام وحرصا على سلامة التحقيقات.

وعقب انتهاء مرافعته أمام النيابة عن الصحافيين الأربعة تحدث أبو زيد، قائلاً إن المادة القانونية التي تخول للنائب العام حظر النشر تعمل على تقييد حرية النشر، وحرية التعبير، وهي حريات كفلها الدستور، وأن حظر النشر في قضية قتل عادية، مثل التي جرت في دبي، لا يستوجب الحظر، وكأنها قضية أمن قومي.. يعني أنك تريد حجب خبر عن المواطنين. ومن وجهة نظر النائب العام المصري الأسبق، رجاء العربي، فإنه يحق للنائب العام وفقاً للقانون، وحفاظاً على المصلحة العامة ومصلحة التحقيق، أن يصدر أمراً بحظر النشر في قضية من القضايا، بحيث لا ينشر أي شيء قد يؤثر على الشهود وعلى المجني عليهم أو على المتهمين عموماً.

وأضاف العربي، أنه كثيراً ما يتناول النشر التحقيقات على غير ما ورد فيها، والحظر يكون حفاظاً على صحة الإجراءات والتحقيقات، كما ان النشر قد يؤدي إلى هروب متهمين وتعديل شهود لأقوالهم.. «لا يوجد نائب عام لا يصدر قرارات بحظر النشر في بعض القضايا المهمة».

وقال في ما يتعلق بحظر النشر في قضية سوزان تميم، إن بعض الصحف وأجهزة الإعلام تجد في موالاة النشر في هذه القضية مادة خصبة، وقرار حظر النشر يغل يدها في هذا، لكن يجب أن نفهم ان النائب العام حريص على تحقيق العدالة وعلى المصلحة العامة.

لكن صبحي صالح عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشعب المصري قال إن حظر النشر يجوز حين يكون ذلك مرهوناً بمصلحة التحقيق، وهو سلطة تقديرية للنيابة، إذ أن النائب العام هو أعلى سلطة في هذا الموضوع، ولكن من حق الرأي العام أن يراقب وأن يقيِّم استخدام حق حظر النشر.. «كما إنه يجوز لكل مُضار من استخدام حق حظر النشر اللجوء لمجلس الدولة، وإن كان مدى جواز قبول الطعن على قرار الحظر، محل شك، في حالة تكييف هذا التصرف، لكن بالنسبة للقضية الخاصة بمقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، فإنني أرى أنه من مصلحة التحقيقات أن يتم النشر فيها».

وقال صبحي: «حظر النشر يعطي لكل شخص الحق في أن يفهم ما يشاء كيفما يشاء.. لأن منع الحقيقة يسمح بالتكهنات، بينما يؤدي إطلاع الرأي العام عليها إلى منع الشائعات والتخمينات والتصورات الخاطئة».

وتساءل صالح قائلاً: كم من قضية قتل تقع في مصر يومياً، من دون أن يتم حظر النشر فيها، ما معنى أن يتم الحظر في هذه القضية بالذات (التي راحت ضحيتها المطربة اللبنانية سوزان تميم).. لماذا يتم التعامل مع قضية المطربة (تميم) هذه المعاملة المخصوصة».

ومع إن المستشار فتحي رجب وكيل لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس الشورى المصري أكد حق الرأي العام في أن يعلم «كل شيء» عن مجريات التحقيق، إلا إنه أوضح أن قرار حظر النشر «قد يكون سببه في أن النشر سيكون له تأثير سلبي على التحقيق، أو يترتب عليه المساس بالأدلة أو التلاعب بها، أو تحريض الرأي العام على أمر معين يؤثر في القرار (الخاص بالتحقيقات) وبالتالي فإن المحقق أو النائب العام يصدر قراراً في هذه الحالة بحظر النشر في القضية بشكل مؤقت، وإلى حين انتهاء التحقيقات».

وقال رجب، إن جهات التحقيق وجدت أن النشر المكثف حولها قد يتسبب في المساس بالأدلة التي قد تكون موجودة تحت يد المحققين، أو العبث بها، أو التأثير على الشهود أو الرأي العام الداخلي (بمصر) والخارجي، وبخاصة أن متهمين مصريين في القضية، إذ أن المتهم الذي ارتكب جريمته في الخارج يجوز محاكمته بمصر.. هذه القضية لها أبعاد خارجية واقتصادية قد يكون فيها تأثير على البورصة.. أعتقد أن هذا سبب يقف وراء منع النشر».