عانوا من مرارة البدايات وتعلّموا الكفاح مبكراً : فنانون وُلِدوا فقراء وعاشوا مشاهير
تعتبر مرحلة البدايات في حياة كل فنان من المحطات التي لا تنسى، وتبقى ذكراها متجذّرة في داخله رغم مرور السنين، وكثيرٌ من النجوم لا يتمالكون أنفسهم ولا يسيطرون على مشاعرهم عند تذكّر تلك المرحلة، فيذرفون دموعاً تعبّر عن حالة الانتصار على المصاعب في الطريق الطويل إلى الشهرة، ومقاومة اليأس، وتقديم التضحيات حتى الوصول إلى ما هم عليه اليوم، وفي هذا التقرير، نستعرض أبرز البدايات لعدد من النجوم.
«فنان العرب» عاش يتيماً
الفنان محمد عبده لا يمكن أن يفوّت مناسبة، أو حواراً مطوّلاً دون المرور على مرحلة اليتم التي صقلت شخصيته مبكراً، ودفعته إلى الاعتماد على نفسه لتوفير قوت أسرته، إلا أن التاريخ أيضاً لا يمكن أن يغفل أن بداية محمد عبده الحقيقية كانت على يد عباس غزاوي الذي كان مسؤولاً في إذاعة جدة، ويقدّم فيها برنامجاً للأطفال اسمه «بابا عباس»، فكان ضمن المشاركين في البرنامج محمد عبده، وذلك في بداية الستينيات. وعلى الرغم من أن دراسة «فنان العرب» كانت عن السفن إلا أن الشاعر طاهر زمخشري، وغزاوي أقنعاه بالسفر إلى بيروت، وهناك حدثت نقطة التحوّل في مسيرته، وعندما عاد احتضنه الشاعر ابراهيم خفاجي الذي كتب له مجموعة من الروائع التي شقّ بها طريقه نحو النجومية.
وعلى الرغم من رغد العيش الذي يميّز حياته اليوم، إلا أن «فنان العرب» مازال يعتبر أن تلك البدايات كانت نقطة التحدّي الأهم في مسيرته. محمد عبده مازال يوصل رسالة في كل ظهور إعلامي بأن الفقر قد يكون صانع الأحلام، وبوّابة المبدع التي ينتقل منها إلى الغنى، ودائماً ما يرفض أن يظهر أبناؤه بـ «مظهر البذخ والثراء» إيماناً منه بأن كل شيء في حياة الشخص قابل للتغيير أو الزوال.
عبدالحليم حافظ فارقه والداه منذ الصغر
الفنان عبدالحليم حافظ عاش طفولة بائسة بكل ما تعنيه الكلمة من أبعاد وتفاصيل، حيث فقد والدته بعد ولادته بأيام، ولم يكمل عامه الأول حتى لحق بها والده، فتولّى تربيته عمّه، وتقول بعض الروايات: إن عبدالحليم عاش فترة من حياته في دار الأيتام «بحسب رواية للشاعر أحمد فؤاد نجم»، ولكن المؤكد أنه تأثّر بشقيقه الأكبر وعمل مدرساً للموسيقى لفترةٍ كونه تخرّج في معهد الموسيقى العربية. وفي عام 1951 ابتعد عبدالحليم عن التعليم والتحق بفرقة الإذاعة كعازفَ آلةٍ، وبعد لقائه بصديقٍ قرّر أن يطرح أغنيةً، فغنى «صافيني مرة» من كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجي في عام 1952، ولكن الجمهور رفضها، بعدها بعام أعاد غناءها في يوم الجمهورية وحقّقت نجاحاً كبيراً، ثم توالت النجاحات لاحقاً حتى لُقّب بـ «العندليب الأسمر».
وحسب المقرّبين من عبدالحليم، فإن فقر البدايات كان يشعره بآلام الناس لذا كان كثيرَ الوقفات الإنسانية من المقرّبين منه لدرجة أنه تبرّع بريع حفلاتٍ كاملاً لصالح مَن يمرّون بظروف سيئة منهم، وكان يصرف كثيراً من الأموال على فنه. وبعد مرحلة ثراء سريعة مات وأوضاعه المادية عادية، وأقرب إلى الفقر منها إلى الغنى.
عادل إمام انتقم من الجوع
قد لا يصدّق أحدٌ أن النجم الذي رسم البسمة على شفاه ملايين الأشخاص في العالم كان يذهب إلى مدرسته بملابس بالية تثير ضحك زملائه حتى أصبح فقره مادة للتندر عليه، ولكنه استطاع أن يحوّل تلك المأساة إلى كوميديا، وقد لا يصدّق أحدٌ أيضاً أنه تردّد في التقدّم لخطوبة زوجته الحالية عندما كان شاباً، لأنه لم يكن يملك ثمن «الشبكة» الأمر الذي دفعه إلى البكاء والابتعاد عن منزلها عاماً كاملاً، إلا أن حبّها له كان الدافع لعودته من جديد ليتقدّم لخطوبتها فقبلت به رغم فقره.
عادل إمام الذي باتت صورته اليوم تجلب الملايين عاش في حي فقير، ووالده كان موظفاً برتبة بسيطة في الشرطة، وكان قاسياً عليه، وفي نفس الوقت يخشى عليه كأي أب محافظ. وعندما يعود بالذاكرة إلى الوراء، يذكر أنه في يوم من الأيام لم يكن في جيبه مال للحصول على قطعة شوكولاتة شاهدها في محل تجاري، وبعد أن أشبع نظره منها مضى كاتماً رغبته. دخوله إلى كلية الزراعة، كان نقطة التحوّل الجوهرية في حياته فمن خلال المسرح الجامعي بدأت تتشكّل موهبته، وفي السبعينيات عرفه المصريون والعرب في سلسلة من الأفلام من أهمها «البحث عن فضيحة»، و«رجب فوق صفيح ساخن»، ثم واصل السير إلى أن تربّع على عرش الكوميديا بأكثر من 120 فيلماً سينمائياً، محقّقاً من خلالها ثروة طائلة.
عبادي والحرمان
ما إن بدأ في تعلّم المشي على قدميه في سنواته الأولى حتى فُجِعَ برحيل والده ليعيش مرحلة اليتم مبكراً، وما إن اشتدّ عوده وبلغ 19 عاماً حتى رحلت والدته، وفي فترة علاج والدته في القاهرة كان عبادي الجوهر يحاول جاهداً توفير مصاريف علاجها بالغناء ليلاً، والجلوس معها في المستشفى نهاراً، وكان أحد المتعهّدين يمنحه ألف جنيه فقط نظير غنائه، يصرفها بالكامل على تكاليف علاج أمه، وبعد عودته إلى جدة بفترة وجيزة زاد مرضها ثم رحلت عن حياته. في تلك الفترة، كان عبادي يُمنّي النفس بأن يكون ضابطاً في الجيش لا فناناً كون الطريق للحصول على المال والاستقرار بتلك الرتبة أسهل.
ولأن اسمه «سفير الحزن» يبدو أن اللقب لازمه من جديد عندما أصيبت زوجته بمرض عضال، ورحلت عن الدنيا تاركة إياه وحيداً يتجرّع مرارة الفراق، وبعد رحيلها بشهر فارق أخاه الكبير الذي كان عضيداً له في مراحل حياته، وكأنه كُتِبَ عليه ألا تجفّ دموعه أبداً. عبادي الذي عاش المعاناة صغيراً، لم يتبقّ له في الدنيا الآن سوى بناته وعوده الذي يشكو إليه آلامه فيخفّف عنه، ورغم أنه ميسور الحال حالياً على المستوى المادي إلا أنه يعاني من فقر عاطفي بسبب رحيل الأحبّة من حوله.
خالد عبدالرحمن باع سيارته
الفنان خالد عبدالرحمن لم يكن طريقه هو الآخر مفروشاً بالورد، بل عانى من شظف العيش في مطلع التسعينيات الميلادية التي شهدت ولادته الحقيقية بصفته فناناً، وخالد هو أكبر الأولاد، وبعد وفاة والده خسرت أسرته كل ما ورثته من الأب الحنون، وكان خالد يشعر بهاجس الفنان في داخله لا سيما أن له بعض المحاولات الشعرية.
يقول «مخاوي الليل»: «عندما أردت تسجيل أول ألبوم غنائي في حياتي اضطررت إلى بيع سيارتي البسيطة، وما زلت أتذكر أنني بعتها بمبلغ 11 ألف ريال كي أجمع تكاليف الألبوم».
وواصل: «بعدها سافرت إلى الكويت، وساعدني في إكمال بقية التكاليف عدد من الأصدقاء، منهم الشاعر رياض ابراهيم. ولا أنسى ليلة تسجيل ألبوم «صارحيني»، فحينها لم تعرف عيناي طعم النوم من شدّة الفرح حتى عدت إلى السعودية»، مؤكداً أنه عندما يعود بالذاكرة إلى تلك السنوات يشعر بأن الزمن يتوقّف لبضع لحظاتٍ. وقد بات خالد عبدالرحمن بعد 27 عاماً مرّت سريعاً أحد أكثر نجوم الأغنية السعودية شهرةً. يقول خالد: «إن أول «مليون ريال» دخلت في حسابه البنكي كانت بعد ألبوم «سامريات».
أحلام وفاتورة الكهرباء
الفنانة أحلام التي تعتبر من أثرى الفنانين والفنانات العرب حالياً، وملأت الدنيا وشغلت الوسط الفني بتصريحاتها الرنّانة، ذكرت في ظهور فضائي أنها قبل أن تدخل الوسط الفني لتسجيل أول أغنية، كان التيار الكهربائي «مقطوعاً» عن منزل أسرتها في البحرين لعدم امتلاكها ثمن تسديد الفاتورة، عندها اتّخذت قراراً تاريخياً بالنسبة إليها بإكمال مسيرة والدها الفنان الراحل علي الشامسي.
ورغم حياة البذخ التي تعيشها اليوم، وارتداء أفخم الحلي والماركات، إلا أن الجانب الإنساني في حياة أحلام له مكانة خاصة، يقول زوجها مبارك الهاجري: «من الممكن عندما تسير أحلام في الطريق، وتشاهد فقيراً ظروفه صعبة، أن تتوقّف وتحاول مواساته وتعطيه كل ما يتوفّر في يدها من مال... هي عاطفية جداً»، ومؤخراً تبرّعت أحلام لمعاق براتب شهري مدى الحياة، ودشّنت حملة لمساعدة الفقراء في فصل الشتاء.
كاظم يبيع المثلجات على عربة
أما «قيصر الأغنية العربية» كاظم الساهر فحاله لم يختلف عن سابقيه، فقد عمل في صغره في بيع «المثلجات» على عربة، ومن ثم جلس على الأرصفة يبيع الكتب، وعندما بلغ 10 أعوام عمل في الصباغة والنسيج، وكانت والدته تشجّعه وإخوته على العمل، وعندما جمع مالاً اشترى «قيثارة» بـ 12 ديناراً، وهو من أسرة فقيرة انتقلت من الموصل إلى بغداد من أجل عمل والده الذي كان يكافح جل يومه من أجل إطعامهم دون أن يعلم أن ابنه الصغير سيصبح يوماً ما ذا شأن كبير في عالم الأغنية العربية،
كاظم عندما كبر عمل مدرساً للتاريخ، ولكنه ترك التدريس ليتفرّغ لفنه، يقول القيصر: «عندما كنت صغيراً، لا أنسى ذلك اليوم الذي جاء فيه مالك المنزل الذي كنا نسكنه ليهدّد والدي بالخروج وطردنا إلى الشارع، كنت حينها أختبئ خلف ستارة وأشاهد بأسى تعابير الحرج على وجه والدي».
هذه الظروف القاسية أثّرت في التشكيل الوجداني لكاظم الذي بات يلقّب بـ «قيصر الأغنية العربية»، وربما يكون فقره هو السبب في إشعال شرارة الإبداع في داخله، ومَن يشاهد كاظم الثري اليوم قد يستغرب للوهلة الأولى من أنه يعيش حياة البسطاء في ملبسه وتنقّلاته.
المهندس خياطٌ ثم عامل مطعم
لاقى الفنان ماجد المهندس في بداياته الفنية في أواخر الثمانينيات معارضة قاسية من أسرته التي كانت ترفض دخوله الوسط الفني، وكان ماجد يوزّع وقته بين الاهتمام بالفن والعمل كخياط في محل والده، إلا أن أصابعه التي كانت تقبض على المقص، كانت تحرّضه على التمرد، فاشترى عوداً يحرّك أنامله عليه، ووقف عكس التيار، وسافر إلى الأردن فاضطرّته ظروفه إلى العمل في أحد مطاعم العاصمة عمّان، وعلى الرغم من أن عمله كان مرهقاً إلا أن إحساسه بالموسيقى دفعه إلى تعلّمها والإبحار في عالمها حتى جاءت نقطة التحوّل المهمة في حياته عندما أصدر ألبومه الأول مع شركة «الخيول» عام 1992، وحمل عنوان «مو بس أحبك». المهندس اليوم يعدّ من أكثر الفنانين العرب ثراءً، وبات النجم الأول لشركة «روتانا» في الحفلات وأغاني «السينغل»، واستطاع بكفاحه الكبير أن يكون رقماً صعباً في الأغنية العربية، ولكنه مازال إلى اليوم يحتفظ في منزله بآلة خياطة، وإذا استدعى الأمر أن يعدّل على مقاسات ملابسه فإنه يقوم بذلك بنفسه دون الحاجة إلى مساعدة، وذكر في لقاء إعلامي أن إبرة الخياطة في يوم ما تسبّبت في جرح عميق في إصبعه نظراً لأن الزبائن كانوا «مستعجلين» في الحصول على طلباتهم.
عاصي الحلاني في أكثر من مهنة
الفنان عاصي الحلاني لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب مثلما يتخيّل بعضهم، بل عاش طفولة صعبة، وفي مرحلة شبابه عمل في أكثر من مهنة من أجل توفير مصروفه، حيث كان يذهب إلى القرى من أجل قطف حبات «البطاطا» مع المزارعين، إضافة إلى عمله في فترة من الفترات نجاراً وبنّاءً، ثم بائع حلويات، وكان يدرك أن الحصول على رزقه من كسب يده أفضل من الارتهان للفقر، لا سيما أن عائلته مكوّنة من 13 أخاً وأختاً. نقطة التحوّل في حياته كانت بحصوله على الجائزة الفضية في «استوديو الفن» عن الألوان الفلكلورية، وأطلق أول ألبوماته في عام 1991 وحمل عنوان «بيتك قصر»، واليوم بعد أن تحوّلت حياته إلى الثراء يشارك في حملة المنظمة العالمية لمكافحة الفقر.