لم يعد التنديد بجهاز التلفزيون قاصراً على تأثيره السلبي في الأطفال وسلوكياتهم، حيث بات هذا الرفيق المنزلي الذي قد يوجد في أكثر من غرفة في البيت، بما فيها غرف النوم، متهما بالتأثير في درجة حرارة الحب والأشواق بين الأزواج، حسبما ذكرت دراسة كورية أجريت أخيرا حول تأثير التلفزيون في الحياة الاجتماعية والعاطفية بين الأزواج.
وأضافت الدراسة بأن العيش من دون تلفزيون يزيد حرارة الحب بين الزوجين، بعد أن لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين أطفأوا أجهزة التلفزيون لمدة ثلاثة أسابيع هي مدة الدراسة، كانت حياتهم أغنى على الصعيد الاجتماعي، وعلى صعيد زيادة معدل القراءة والتأمل وهو ما يخلق مجالات مشتركة بين الزوجين يمكنهما التشارك في القيام بها أو الحديث عنها في مناقشات تزيد من مساحة الود بينهما.
ليس هذا فقط، بل إن الامتناع عن مشاهدة التلفزيون كما ذكرت الدراسة يمنح كل طرف فرصة النظر للطرف الآخر بأسلوب مختلف، حتى أن إحدى الحالات في الدراسة أكدت أنه بعد أن اعتادت عيناه على التحديق في التلفزيون، فإنه أصبح ينظر أكثر إلى زوجته، ليعيد اكتشاف رقتها وجمالها.
«لزوجي بعض الطقوس التي يمارسها عقب عودته من عمله كل يوم، وهي طقوس روتينية لا يسمح لأحد بالمساس بها إلا في حالات الطوارئ، فهو يعود في السابعة من كل يوم، يغير ملابسه ويتناول طعامه ثم يجلس أمام التلفزيون ممسكا بالريموت كونترول في يده ويقلب بين القنوات المختلفة، حيث لا يكاد يستقر على قناة حتى يغيرها بأخرى.
دراسات تحذر من تأثير مشاهدة التلفزيون لساعات علي الزواج
وفي الغالب لا يرد على ما أقوله له من مواضيع إلا ببعض الكلمات المقتضبة في محاولة لإثبات استماعه لي، مما يضطرني إلى الصمت والانسحاب».. هذه مشكلة إحدى الزوجات التي تضمنتها الدراسة والتي يعلق عليها الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، بقوله: «في الماضي وعلى الرغم من بساطة الحياة لم نكن نسمع عن ما يسمى بالخرس الزوجي والتفكك الأسري وغيرهما من الأمور، والسبب انه كان هناك تواصل وحديث تصله دعابة تارة، وقضية مهمة للمناقشة تارة أخرى، وخبر ظريف يسمح بالتعليق، وهكذا.
والتلفزيون ليس وحده المتهم بقتل المشاعر بين الأزواج، لكن كل ما يستولي على اهتمام أي طرف عن الطرف الآخر يمكنه قتل الحب أو زيادة الفتور، مثل صداقات الزوجة التي تأخذها من زوجها، عمل الزوج طيلة اليوم، حتى الأبناء قد يأخذون الزوجة من زوجها، إذا زاد الاهتمام بهم على حساب الزوج. إلا أن التقليل من مدة مشاهدة التلفزيون يمنح الزوجين فرصة الحديث الى بعضهما بعضا والمشاركة في الأخبار والمشاعر وبخاصة في ظل ظروف الحياة التي قد تفرض غياب كل منهما عن الآخر طيلة النهار».
يذكر أنه وفي تقرير لمجلة «بوتن الألمانية»، جاء أيضا أن الصمت بين الزوجين وعدم قدرتهما على إيجاد حوار مشترك بسبب بحث كل منهما عما يريحه، وعلى طريقته الخاصة ومن بينها التلفزيون، مشكلة موجودة في جميع أسر العالم. وأكدت بعض الإحصاءات أن تسعاً من كل عشر نساء يعانين من الصمت مع أزواجهن، وانعدام المشاعر بينهم.
وفي دراسة ألمانية أخرى أجريت لمعرفة نسبة الحديث الذي يجري بين الأزواج على مدار الأسبوع، تبين أن الأزواج الذين خضعوا للدراسة لم يتحدثوا أكثر من 28 دقيقة من دون أن يكونوا على خلافات، حيث ثبت القائمون على الدراسة ميكروفونات صغيرة في ملابس مائة زوج، لتسجيل الحوار الذي يدور بينهما خلال الأسبوع، وألغوا جميع الأصوات غير المفهومة، والكلام الذي لا يراد منه الحوار والمسامرة، وخرجوا بتلك النتيجة التي تفيد بأن مدة حديث الأزواج مع بعضهم بعضا لم تتعد أربع دقائق في اليوم الواحد.
مشاهدة التلفزيون لا تؤثر فقط في تراجع مساحة المشاعر بين الزوجين، فقد سبق لدراسة أخرى أجريت بإحدى الجامعات الإيطالية منذ نحو عامين إلى الإشارة إلى ان وجود التلفزيون في غرف النوم يؤدي إلى تراجع العلاقة الحميمية بين الأزواج وهو ما يؤثر في درجة التقارب بينهما. فالحب كما أشارت الأبحاث موجود داخل عقل الإنسان وليس في قلبه، وبالتالي يصعب على العقل التركيز في أكثر من مؤثر في ذات الوقت.
دكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة العامة بجامعة عين شمس، أكد أنه من الصعب أن نطالب الأزواج اليوم بالامتناع عن مشاهدة التلفزيون أو عدم اقتنائه، لكنه أشار إلى ضرورة تقنين مدة مشاهدته، مؤكداً أن الاعتماد على التلفزيون كوسيلة وحيدة للترفيه أو إراحة الذهن، كما يقول البعض، كارثة، لأن الأصل في الزواج هو السكن والمودة والرحمة التي تتحقق عن طريق التواصل والحديث الودود. ونصح دكتور سيد الأزواج بالخروج في نزهة حتى لو كانت مجرد السير حول المنزل لمدة نصف ساعة، أو الجلوس في شرفة المنزل وتبادل الحديث حول مختلف أمور الحياة.
وفي دراسة سعودية أعدها أستاذ علم النفس والمحاضر في كلية المعلمين بالباحة، الدكتور صالح سلامة بركات، على عينة مكونة من 287 فرداً من الجنسين، ذكر أن عدم حديث الزوجين عما بينهما من مشاعر يؤدي للانفصال العاطفي، مشيراً إلى أن 79% من حالات الانفصال في السعودية كانت بسبب معاناة الزوجة من عدم تعبير الزوج عن عواطفه نحوها، وفقدان وسيلة للحوار بينهما.