مصممة غذاء هولندية تربط الإحساس بالغذاء
«قل لي ماذا تأكل اقل لك من انت». هذا الشعار الذي رفعه احد رجال السياسة الفرنسيين المشهور بتذوقه للمأكولات عام 1825، حملته المصممة الغذائية الهولندية ماريج فوغلزنغ الى بيروت. وماريج هي مبتكرة سلسلة مطاعم «بروف» (تعني بالهولندية حرب) في روتردام وامستردام، وتعتمد في تصميم أطباقها على تأثير الاحساس في الغذاء.
لذا تحاول تشكيل مفاهيمها الصحية لتقود حاسة الذوق الى حيث تريد. وهذا ما حرصت عليه خلال زيارتها الى بيروت لإقامة «ورشة عمل» مطبخية، بدعوة من «سوق الطيب» في وسط العاصمة اللبنانية، الذي يهتم بالمآكل التراثية اللبنانية الصحية.
وتتمتع ماريج بسمعة واسعة، وجرأة في ابتكار المأكولات وأدواتها، وموهبة لا تتوقف عن التجدد. هوايتها وحرفتها وفنها كلها تكمن في تقديم ما لا يخطر في البال، حتى استحقت عن جدارة لقب «فيلسوفة المطبخ» كما يسمونها في هولندا. واينما تحط رحالها تجمع مئات الافادات من المواطنين حول ما يفضلونه من مآكل. وبغية حصولها على أكبر نسبة من الآراء لا تتردد في توقيف كل من يصادفها لتمطره بالاسئلة المتعلقة بالطعام والشراب.
وببسمتها العريضة، وشقرتها التي لم تلفحها شمس المتوسط، ومنديلها المعصوب على رأسها على طريقة القراصنة، كانت المصممة الغذائية الثلاثينية تتعرف الى المأكولات اللبنانية التراثية وامامها قصعة من «التبولة» (نوع من السلطة اللبنانية) وقصعة اخرى من الخبز المحمص التي يكفي ان تمد يدك وتتناول كسرة منه وتغمسها في «القريشة» (اي اللبن الرائب) والعسل. ألم تقل الكتب المقدسة ان لبنان بلد اللبن والعسل؟.
وحرصت فوغلزنغ على إشراك العابرين في تجربتها «باعتبار ان الطعام هنا مرادف للعائلة»، على حد قولها.
وكانت تحرص على سماع النكات من مشاركيها، كذلك أخبار الصراع السياسي في لبنان وتأثيرها على حياة الناس، ولا سيما التأثير الذي يرتبط بالغذاء، «فالطعام، كما تقول، ثقافة بحد ذاتها، وتحضيره تماما كما لو أنك تروي قصة أمام أفراد العائلة». وهي تعتبر أن الناس في بلادها فقدت اللذة الحقيقية للغذاء، والجلسات الحميمة حول المائدة. ومن هنا كان اختيارها للتصميم الغذائي الذي تصفه بأنه مزيج من البحث الجماعي، والاستعمال، والاداء، والجدوى. وترى فوغلزنغ أن تطبيق التصميم في المجال الغذائي ليس القصد منه الجمالية فحسب، «بل يسمح بابتكار ادوات تذوق وتطويرها، كما تفعل هي نفسها، فتبتكر ملاعق وصحونا من سكر، او عقودا من لآلئ مصنوعة بقشور التفاح، ومهروس التفاح، والشرب والماء الغازي. وتشجيعا للمنتجات «البلدية» استخدمت أغطية طاولات الطعام على شكل خرائط جغرافية تشير عليها الى مصدر كل محتوى من محتويات الطعام، ومكان صنعه.
وماريج تنظر إلى «اللقمة» وفق مقاربة تربوية تطلق عليها في مطاعمها اسم «سناك»، حيث تعرضها على الزبائن للتذوق. وهي لا تتوقف عن تغيير محتويات وصفاتها سواء عبر تنويع الشكل او تعديل الطعم، انطلاقا من معرفتها ان النفس تتوق الى التجدد، ما يضفي على ما تقدمه مزيدا من المتعة والبحث عن المذاقات الجديدة. وتهدف من هذه المقاربة إلى مكافحة البدانة لدى الاطفال. ولتوعية أطفال نيويورك البدينين على الغذاء السليم اعتمدت أطعمة من كل الالوان، فمثلت الابيض ببيض السمان تحت شارة النظافة، والاخضر بالـ «كيوي» عنوانا للغنى. ولتوعية الشباب على مساوئ السكر ابتكرت ممصصة (Sucette) على شكل مسدس.
وتبدو فوغلزنغ، حريصة على التأكيد ان طموح المصمم الغذائي ليس «شيف المطبخ» او العكس بالعكس، وانما إيجاد مساحات للابتكار الغذائي، من طريق التفكير والاختبار. «فالمطبخ، كما تقول، جزء من الحياة. وفعل الاكل هو النشاط البشري الوحيد الذي يوقظ كل الحواس».
وفي ضوء خبرتها الطويلة في مطاعم «بروف»، تعتبر ماريج أن المأكولات يمكن ان تخضع الى لعبة الاشكال على غرار الخشب والمعدن والزجاج والبلاستيك. كما تعتبر بصورة خاصة ان مواد المعجنات يمكن أن تشكل «هندسة ذوقية» حقيقية.
وتشير الشقراء الهولندية الى أنها تخصصت أساسا في التصميم الصناعي في مدينة ايندهوفن، لكنها لم تلبث أن حولت مسارها المهني الى الغذاء، بعد إعدادها مأدبة بمناسبة وفاة أحد اقاربها تميزت بلون الاطعمة البيضاء. ومنذ ذلك الحين توجهت الى تصميم الطعام، ونالت جوائز عالمية، الا أن هدفها كان ولا يزال الحصول على دفء انساني من خلال المائدة، لأن الطعام «مادة استثنائية، وتقديمه الى الآخر يسمح بنسج علاقة حميمة» على حد قولها.