لماذا يذكرنا خروج راف سيمونز من دار «ديور» بتجربة جون جاليانو؟
04:58 م - الخميس 21 يناير 2016
الفرق بين خروج البلجيكي راف سيمونز وخروج جون جاليانو من دار «ديور»، أن الأول خرج بقراره الخاص، بينما الثاني خرج مطرودا ومغضوبا عليه.
لكن مع ذلك، هنا وجه تشابه واحد على الأقل بينهما وهو ضغوط العمل في دار كبيرة تتطلب التفرغ التام لها إلى حد تناسي الذات. وفي بعض الحالات يتطلب هذا التفاني الاستعانة بمنشطات، على اختلاف أنواعها، للتغلب على الضغوط، كما هو الحال بالنسبة لغاليانو، الذي أفرط في تعاطي الكحول الأمر الذي تسبب في سقوطه.
راف سيمونز، في المقابل، خرج مرفوع الرأس، فقد حقق نجاحا كبيرا للدار منذ أن التحق بها في عام 2012، ورغم شكوك البعض في رومانسيته ومدى مناسبته لها، فإن هذه الشكوك قد تلاشت بعد أن أطلق العنان لخياله، وعبر عن رومانسية معاصرة، دائما بالورود التي تعتبر واحدة من أهم رموز الدار الفرنسية.
لكن كأي دار أزياء كبيرة فإن «ديور» لا تكتفي بنجاح تشكيلة واحدة في موسم معين، والأمر بالنسبة لها وللموضة عموما مثل الطاحونة: لا تتوقف عن الدوران.
ففي شهر يناير كان على المصمم أن يقدم عرضا خاصا بخط الـ «هوت كوتير» للربيع والصيف، وفي مارس عرض الأزياء الجاهزة، وفي شهر مايو عرض خط الـ«كروز»، وفي يوليو، عرض الـ«هوت كوتير» للخريف والشتاء، وفي سبتمبر عرض الأزياء الجاهزة مرة أخرى، وفي نوفمبر عرض خط الـ «ريزورت».
وهكذا بعد أن كان السيد كريستيان ديور وأبناء جيله يقدمون تشكيلتين في العام، أصبح لزاما على المصممين الشباب تقديم ما لا يقل عن ست أو ثمان تشكيلات حتى يتمكنوا من مواكبة متطلبات السوق. فإيقاع الحياة منذ أربعينات القرن الماضي إلى الآن تسارع بشكل مخيف، ومعه تسارع إيقاع الموضة والدور المناط بالمصمم.
وهذا ما سلط عليه جون جاليانو الضوء عند محاكمته، وجعل كثيرا منا يتعاطفون معه، وهذا ما نستنتجه من قرار راف سيمونز أيضا. كان مهما بالنسبة لسيمونز أن يعرف الناس بأن القرار كان قراره وكان نابعا من رغبته الخاصة.
فبعد ثلاث سنوات ونصف، اكتفى بالتجربة الناجحة والانسحاب وهو في قمة نجاحه، بهدف التركيز على داره الخاصة، وربما على هوايات لم يعد يسعفه الوقت بممارستها والاستمتاع به مثلما كان الأمر عندما كان مصمما صاعدا أو يعمل في دار «جيل ساندر».
حينها ربما كان له وقت أكبر للإبداع والتفكير واختبار هذه الأفكار قبل طرحها. ما يُحسب لراف سيمونز البالغ من العمر 47 عاما أنه استطاع أن يأخذ القرار الصعب في وقت وجيز، ثلاث سنوات ونصف فقط رغم إغراءات النجاح والعمل مع دار بحجم «ديور» تتوفر لها ورشات خاصة وأنامل ناعمة متمرسة في صنع أجمل الفساتين وأكثرها رومانسية، وهو ما نستشفه من تصريحه: «بعد تفكير طويل قررت أن أترك وظيفتي مديرا إبداعيا في دار (ديور)، الدافع هو رغبتي الخاصة في أن أركز على اهتمامات أخرى في حياتي، بما في ذلك خطي الخاص. كريستيان ديور، شركة مدهشة، وكان لي الشرف أن تسمح لي أن أكتب بضع صفحات في كتابها العظيم، وأنا شاكر لها وللفريق الذي لم أكن أحلم بالعمل مع مثله من قبل».
فقد يكون ترف الزبائن هو المنتجات التي يقترحها لنا المصممون في كل موسم، إلا أن ما نفهمه من قرار راف سيمونز، أن الترف الأول والأخير بالنسبة لأي مصمم يبقى الوقت، لا سيما إذا كان مبدعا ويهتم بالجانب الفني أكثر من الجانب التجاري.
ففي هذه الحالة يصبح الوقت سيفا بحد واحد. ويزيد هذا السيف حدة عندما يعملون تحت جناح مجموعة كبيرة، مثل «كيرينج» أو «إل في آم آش»، تهتم في آخر السنة بالأرقام أكثر من أي شيء آخر.
«ديور» تشهد لسيمونز بالنجاح وبأنه استطاع أن يحقق لها الأرباح في فترة وجيزة. فقبل إعلان انسحابه بوقت وجيز، أعلنت ارتفاعا في أرباحها بنسبة 18 في المائة، أي ما يعادل 1.94 مليار دولار أميركي، إضافة إلى أنه جعل الـ «هوت كوتير» التي كانت تعتبر مجرد «بريستيج» لتلميع صورتها أكثر منها وسيلة لجني الربح، تحقق مبيعات عالية بعد أن استقطبت زبونات شابات من الأسواق النامية استهوهن أسلوبه العصري الذي أنزل أزياء هذا الخط من برجه العالي.
قام بكل هذا من دون أن يتجاهل إرث الدار وجيناتها المتمثلة في الفساتين الرومانسية والجاكيت المحدد عند الخصر، وطبعا الورود التي ركز عليها خصوصا في الديكورات.
ففي الموسم الأول له في الدار استعمل مليون وردة لتغطية جدران قاعات أطلق على كل واحدة منها اسم اللون الذي استعمل فيها.
من سيخلفه في «ديور»؟
هو السؤال المطروح حاليا. فبينما هناك أسماء كثيرة تتداولها الإشاعات، إلا أن الدار ستأخذ وقتها للبحث عن مصمم مناسب يستطيع أن يحمل ثقل إرثها بسهولة. فقد استغرقتها العملية بعد خروج جون جاليانو في عام 2011 أكثر من عام، وبالتالي فهي مستعدة أن تأخذ وقتها وعدم التسرع هذه المرة أيضا.
بالنسبة لراف سيمونز، فلن يستطيع الالتحاق بأي دار أزياء نسائية أخرى إلا بعد سنة تقريبا، حسب المتعارف عليه، وهو ما سيسمح له بالتقاط أنفاسه والتركيز على خطه الرجالي الخاص.
فأوساط الموضة تشهد له بأنه واحد من أهم مصممي الأزياء الرجالية في العقود الأخيرة، إلى جانب هادي سليمان، مصمم دار «ديور أم» سابقا و«سان لوران» حاليا، لما يتميز به أسلوبه من ابتكار وتميز.
وليس معروفا حتى الآن ما إذا كان عمله مع «ديور» قد فتح شهيته لإطلاق خط نسائي يحمل اسمه أم لا في المستقبل. في كل الأحوال فإن القصة لم تنته بعد ولا يزال التشويق مستمرا.