الصوف .. طريقة غزله وحياكته وألوانه تحدد جماله

الصوف .. جعلته الحرب العالمية عملة نادرة وحولته «شانيل» إلى خامة أنيقة
الصوف .. جعلته الحرب العالمية عملة نادرة وحولته «شانيل» إلى خامة أنيقة

تأكد أنك ما إن تدخل أي محل من محلات الموضة هذه الأيام، ستواجهك شماعات مصفوفة، تكاد كل واحدة منها تتهاوى من ثقل كنزة محبوكة بالصوف، بعضها بلون واحد وأغلبها بأكثر من لون ونقشات مختلفة.
 
فهذه القطعة التي كانت إلى عهد قريب ترتبط بصغار السن في الأعياد أو بأبطال بعض أفلام ديزني، تسللت إلى خزانة الرجل والمرأة على حد سواء. 
 
بعضها لا يزال يثير الريبة في نفس أي متابع للموضة ويرسل قشعريرة في بدنه رغم دفئها، لأنه بقي وفيا للتصاميم القديمة من حيث الحياكة والنقشات، وبعضها الآخر تطور وأصبح أكثر جاذبية بفضل أحجار شواروفكسي التي ترصعه أو الدانتيل الذي يزين بعض جوانبه، بالنسبة للمرأة، أو بفضل خاماته التي زادت خفة بالنسبة للرجل. 
 
في عرض دار شانيل السنوي الذي تحتفل فيه بـ«الميتييه داغ» أي بالورشات التي تنجز كل التفاصيل المترفة، والذي أقامته في مدينة سالزبورغ النمساوية مؤخرا، اقترح مصممها كارل لاغرفيلد مجموعة أنيقة من هذه الكنزات. 
 
أغلبها موجه للمرأة وعدد منها للرجل، بحكم أن دار شانيل غير متخصصة في الأزياء الرجالية لكنها لا تريد أن تتجاهله. في كل الحالات، اتسمت بالدفء والعملية والأناقة الكلاسيكية، بما فيها تلك التي استوحاها من تقاليد الحياكة النمساوية ونقشاتها الواضحة. 
 
السبب الذي يجعل هذه القطع كلاسيكية ومقبولة للجنسين في كل مكان وزمان، أنها بألوان حيادية من جهة، ولم تغرق في النقشات الكارتونية التي نراها في بعض الكنزات التي تطرحها شركات وبيوت أزياء أخرى في موسم الشتاء، من جهة ثانية. وهذا ليس جديدا على دار شانيل التي قدمت منذ فترة أيضا مجموعة صوفية في عرضها «باريس - أدنبره» تزامنا مع ضمها الشركة الأسكوتلندية «باري» المتخصصة في الصوف والكشمير إلى ورشاتها الأخرى، مثل لوساج، ماسارو وغيرهما. 
 
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن علاقة شانيل بهذه الخامة ليست من بنات أفكار كارل لاجرفيلد، بل تعود إلى المؤسسة «كوكو شانيل»، التي كان لها الفضل في تحويلها من خامة عملية، أولا وأخيرا، تستعمل لمقاومة البرد، إلى خامة تضج بالأناقة الراقية. 
 
فالمصممة اعتمدت عليها في بدايتها، إلى جانب قماش الجيرسيه الذي كان حكرا على الرجل، لأنهما، الجرسيه والصوف، كانا رخيصين آنذاك ومتاحين لها أكثر في بداية مشوارها في العشرينات والثلاثينات. مما يحسب لها أنها أضفت عليهما لمساتها «الميداسية» وحولتهما إلى ما نراه اليوم على منصات عروض الأزياء والمحلات: قطع دافئة وفي غاية الأناقة والنعومة.
 
وهذا تحديدا ما سلط عليه الضوء معرض بعنوان «الملابس المحبوكة من شانيل إلى فيفيان ويستوود» في متحف «الموضة والنسيج»Fashion and Textile Museum، الذي أقيم في لندن مؤخرا.
 
فقد تتبع تاريخ هذه الخامة المتواضعة عبر عدة عقود، مذكرا أنه كان خامة الفقراء يستعمل في ملابسهم العادية، وتحيكه الأمهات والجدات على شكل كنزات متضاربة الألوان، قبل أن يكتسب بعد الحرب العالمية الثانية أهميته، نظرا لشحه.
 
زيارة المتحف أكدت أنه لم يكن بنفس الأناقة التي يشهدها الآن، بل كان سميكا لا يضفي على الجسم أي رشاقة أو جمالا، لهذا كان من الطبيعي أن يرتبط في أذهان البعض بالجدات ويتعامل معه كحاجة ضرورية لا علاقة لها بالموضة. تم عرض 150 قطعة، بعضها نادر جدا، تشمل تايورات محبوكة من شانيل، وفساتين تعود إلى الثلاثينات من القرن الماضي من دار ميسوني وبيل غيب. 
 
ويسلط المعرض الضوء على دور الآنسة شانيل في تغيير صورته، بعد أن استعملته في تايورات وفساتين وقطع منفصلة أخرى. ولم يمر سوى وقت وجيز، حتى تبعها مصممون آخرون وكأنها فتحت عيونهم على جمالياته. 
 
يسلط المعرض الضوء أيضا على تطوره عبر السنين من خلال صور فوتوغرافية التقطتها كاميرات مصورين مهمين مثل هورست بي هورست، علما أن هذه المتابعة لم تكن من منظور الموضة فحسب بل أيضا من منظور تقني، بما في ذلك تطور ماكينات الحياكة.
 
يشير المعرض إلى أن النقلة كانت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث انخفض إنتاجه بعد أن استعمل في صناعة ملابس الجنود، ما جعله يصبح بالنسبة للعامة ترفا وخامة نادرة. وربما هذا ما ساعد كوكو شانيل على تسويقه للطبقات المخملية بسهولة في العشرينات، الفترة التي دخل فيها عالم الموضة.

كيف تختار كنزتك؟
- رغم أنه في كل مكان، وأي محل تدخله، إلا أنه من الواجب تجنب الكنزات المنقوشة أو المتعددة الألوان، إلا إذا كان عمرك أقل من 14 سنة، لأنها تبدو رائعة على الأطفال وصغار السن أكثر، أو تجاوزت السبعين، لأنك في هذه الحالة لا تهتم برأي الآخرين وتفضل الدفء على الموضة.
 
اخترها بلون واحد، على أن يكون هذا اللون كلاسيكيا مثل الرمادي أو البني الغامق أو الأخضر الزيتوني أو الأحمر النبيذي.
 
- إذا كان من الممكن للمرأة أن تعانق كنزات مرصعة بالأحجار ومطرزة بالدانتيل، فإن المفضل بالنسبة للرجل أن يستثمر في كنزة من الكشمير من بريوني أو لورو بيانا بلون واحد، على أن يستعمل وشاحا أو إيشاربا بلون مختلف إذا كانت الرغبة ضخ بعض اللون على مظهره.
 
محطات تتبع تطوره
- في الأربعينات أصبح من الخامات الأساسية، وأدى اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى اختراع طرق جديدة للحصول عليه أو استعماله. لم تكن النتيجة أنيقة بالضرورة، لأن المرأة كانت تضطر أحيانا إلى إعادة استعمال صوف كنزات قديمة وخلطها مع بعض لصنع قطعة جديدة، ما كان ينتج عنه قطعة متعددة الألوان تعكس واقع الحرب المرير أكثر ما تعكس الأناقة. 
 
- انتهت الحرب فاستعاد رونقه من جديد. والفضل هنا كان لنجوم هوليوود، الذين لعبوا دورا كبيرا في ترويجه، مثل أودري هيبورن، مارلين مونرو وغيرهما، ممن ظهرن بكنزات محددة على الصدر، أو مطرزة أحيانا مما جعل نساء العالم يتقن لمثلها.
 
- وفي الستينات تسلم مصممون آخرون المشعل من شانيل وقدموه في فساتين مستقبلية وجد حداثية، مثل كوريج ورودي غيرنرايش وغيرهما. وسرعان ما أصبحت الفساتين القصيرة المصنوعة من الصوف مطلب المرأة في النهار والمساء على حد سواء، لأنه أصبح مغزولا بطريقة تبرز جماليات الجسم من دون أن تشده فتبرز تضاريسه.
 
أما الكنزات الملونة، بشكلها التقليدي، فلم تعد إلى الواجهة سوى في السبعينات على يد مصممين مثل كنزو، أوسي كلارك، بيبا، بيل غيب، ماري كوانت وغيرهم.
 
- في الثمانينات اكتسب قوة أكبر على يد فيفيان ويستوود، راي كواكوبو مؤسسة ماركة «كوم دي غارسون»، سونيا ريكييل وآخرون.
 
- في التسعينات أصبح من الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا يخلو منها أي عرض لموسمي الخريف والشتاء، وأحيانا لموسمي الربيع والصيف أيضا مثلما هو الحال بالنسبة لسونيا ريكييل التي جعلته ماركتها المسجلة.
 
مصممون شباب آنذاك مثل جوليان ماكدونالد ومارك فاست وستيلا ماكارتني أيضا ساعدوا في تألقه وترسيخ مكانته.
 
- هذا الموسم، كما كل شتاء، يعتبر من الأساسيات سواء كان على شكل فستان سهرة أو كنزة صوفية أو بدلة رجالية.