محاولات علمية لفهم السلوك العدواني لدى الأطفال
01:38 م - الأحد 11 يناير 2015
لطالما كان السلوك العدواني البدني لدى لأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة (toddlers) موضوع دراسات العلماء منذ أربعينات القرن الماضي وحتى الآن. وفي الأغلب ربطت معظم الدراسات بين نشأة السلوك العدواني لدى الأطفال والإحباطات التي تواجه الطفل في بداية نشأة اللغة ومحاولة التحدث وعدم التمكن الكامل من التعبير عن الذات ومواجهة مشكلات في شرح رغباته بشكل سليم.
ويتمثل السلوك العدواني في هذه المرحلة في الضرب المتكرر للأقران أو دفعهم ليسقطوا أو محاولات العض أو القرص أو الركل بالقدمين.
وهذا السلوك مشترك بين الأطفال الذكور والإناث في هذه المرحلة العمرية على الرغم من اختلاف أشكال العنف باختلاف القوة البدنية من طفل لآخر. وتتراوح نسبة حدوث العنف تبعا للمستويات الثقافية والمعيشية والاجتماعية المختلفة وأيضا اختلاف العمر.
عنف الطفل
وقد ساد الاعتقاد لفترات طويلة بأن العجز عن التواصل باللغة ومشكلاتها مسبب أساسي للعنف بين الأطفال في هذه الفئة العمرية.
وبالطبع هناك كثير من الأسباب لتلك الظاهرة النفسية، ولكن كان ارتباط ظهورها بنشوء اللغة هو ما جعل العلماء يضعون عامل اللغة أمرا متلازما مع تلك الظاهرة.
ولكن دراسة حديثة قام بها علماء من جامعة مونتريال University of Montreal بكندا أشارت إلى أن هذا التفسير يمكن ألا يكون صحيحا بشكل كامل. وأوضحت الدراسة أن السبب في ذلك يمكن أن يكون سلوك الآباء وتفاعلهم مع مشكلات الطفل اللغوية في بداية تعلم الكلام.
وأشار الدارسون إلى أنه حتى وإن كانت نظرية ارتباط العنف ببداية ظهور اللغة سليمة، فإنه من المفيد معرفة أيهما يؤثر على حدوث الآخر، بمعنى: هل مواجهة مشكلات اللغة هي التي تسبب عنف الطفل، أم إن معاقبة الطفل على العنف هي التي تسبب مشكلات في اللغة.
وكان الباحثون قد قاموا بدراسة طولية تعتبر الأولى من نوعها التي تتطرق إلى هذه الفئة العمرية على 2075 من الأطفال متحدثي الإنجليزية والفرنسية بمقاطعة كيبيك الكندية (كندا من الدول التي يقطنها مهاجرون من عدة أصول وتستخدم اللغة الإنجليزية في بعض الولايات والفرنسية في الولايات الأخرى)، واستعانوا بالمعلومات من مركز رصد مشكلات السلوك لدى الأطفال Children›s Behaviour Problems بكيبيك وطلبوا من الآباء أن يرصدوا معدل تكرار السلوك العدواني لدى أطفالهم حينما كانت أعمارهم 17، 29، 41، 60 شهرا وكذلك عند بلوغهم سن السادسة؟ وأيضا تم سؤال الآباء عن سلوكهم تجاه أطفالهم سواء بالعقاب أو بالاحتواء والحنو في تلك الفترات.
وأظهرت نتائج البحث ارتباطا بين زيادة معدلات تكرار العنف البدني ونوعية التطور اللغوي في الفترة من عمر 17 شهرا وحتى عمر 41 شهرا، بمعنى أن الأطفال الذين كانوا يمتلكون مهارات لغوية ضعيفة في عمر 17 شهرا، زادت معدلات العنف البدني لديهم في عمر 29 شهرا، وساهمت هذه الزيادة في معدلات العنف في هذه السن (29 شهرا) في ضعف المهارات اللغوية في عمر 41 شهرا.
ومع ذلك كان هذا الارتباط ضعيفا وغير مؤثر وانتهى هذا الارتباط في عمر 41 شهرا (الفترة من 17 وحتى 41 هي فترة نمو القدرات اللغوية). ولم يستمر الارتباط حتى عمر الخامسة أو السادسة.
مهارات الإدراك
وخلافا للاعتقاد السائد بأن العنف ارتبط بوجود مشكلات في اللغة، فإن العنف عند الأطفال ارتبط بالفترة التي تنمو فيها مهاراتهم اللغوية بشكل كبير مما يفند النظرية القديمة.
وأرجع العلماء السبب في وجود العنف في هذه الفترة إلى أن الأطفال لا يمتلكون من المهارات المعرفية والعقلية وسائل أخرى للتعبير عن رغبتهم في شيء معين غير العنف، بمعنى أن الطفل إذا أراد الحصول على لعبة من طفل آخر يلجأ إلى أخذها منه بشكل مباشر عن طريق شدها من الطفل الآخر أو ضربه والحصول على لعبته. وربما كان للعامل الجيني أو العصبي دور في زيادة معدلات العنف من طفل إلى آخر.
في المقابل، يختلف الأمر في الأطفال الأكبر عمرا حينما تنموا مهاراتهم المعرفية والإدراكية ويتعلمون قيما مجتمعية ويطلب الطفل من زميله مشاركته في اللعبة بعد انتهائه منها أو يعرض عليه أن يتشاركا في اللعبة نفسها بديلا عن العنف. وبالتالي لا تكمن المشكلة في ضعف التواصل اللغوي بقدر ما أن المشكلة في التواصل المعرفي والمهارات الاجتماعية التي يتم اكتسابها مع الوقت.
ولاحظ الباحثون أيضا أن المعاملة الطيبة من الآباء وإظهار الحنان في التعامل كان له الأثر الإيجابي الكبير في خفض نسبة العنف في تلك المرحلة، وأيضا ساهم بشكل كبير في تطور اللغة بشكل جيد، وشجع الأطفال على تحسين مهاراتهم اللغوية دون خوف من العقاب.
وكذلك ساعد في محاولة إيجاد وسيلة أخرى للتواصل غير العنف.
وأشاروا أيضا إلى أن العلاقة قد تكون مزدوجة؛ بمعنى أنه يمكن تفسير المعاملة الطيبة والحنو من الآباء بوصفه رد فعل مباشرا لعدم عنف الأطفال وتعلمهم اللغة بشكل صحيح وسريع.
وبطبيعة الحال، يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات لتحديد بقية الأسباب؛ مثل الأسباب الجينية، والعوامل الاجتماعية. وفي كل الأحوال، شددت الدراسة على أهمية أن يضع الآباء في الحسبان ضرورة المعاملة الجيدة لأطفالهم لتجنيب الأطفال السلوك العنيف في هذه السن المبكرة.