عقاقير الـ «ستاتن».. ودورها في الوقاية من السرطان يتطلب المزيد من الأبحاث
اول عقار «ستاتن» تمت إجازته سريريا في الولايات المتحدة، في عام 1987. وأخذ الاطباء بسرعة بالتعرف على حقيقة ان لـ «لوفاستاتن» lovastatin(ميفاكورMevacor ) تأثيرات ممتازة على مستويات كوليسترول الدم، لكنهم كانوا قلقين من تأثيراته الجانبية الممكنة. وخلال السنوات العشرين التي تلت ذلك الحدث، نمت عائلة «ستاتن» الى مجموعتها الحالية التي تتألف من ستة عقاقير.
اما العقار السابع «سيريفاستن» cerivastatin (بايكول Baycol) فقد جرى سحبه من التداول لما يسببه من السموم للعضلات، لكن العقاقير الباقية اثبتت سلامتها وقدرتها التي لا تضاهى في تخفيض مستويات الكوليسترول السيئ LDL (المتدني الكثافة)، وبالتالي تخفيض مخاطر النوبات القلبية والوفيات الناجمة عن امراض القلب.
ولكون زمرة الـ «ستاتن» statin هي اكثر العقاقير مبيعا في الولايات المتحدة بناء على وصفات الاطباء، شرع هؤلاء في التساؤل ما اذا كانت لها منافع اخرى تتعدى القلب. وفي الواقع ان زمرة هذه الادوية تؤدي الى تخفيض كبير في خطورة الاصابة بالنوبات القلبية. وعلى الرغم من ان النتائج ليست حاسمة تماما فانه يجري دراستها لمعرفة فوائدها الممكنة ضد مجموعة متنوعة من الامراض، ابتداء من اعتام عدسة العين Cataract وامراض العته، الى امراض الرئتين المزمنة وهشاشة العظام والانفلونزا. والآن بدأ هذا الاهتمام يتحول الى السرطان.
لا داعي للقلق
في الايام الاولى شرع القلق يساور بعض العلماء من ان الـ «ستاتن» الذي قد يقي القلب، قد يقدم فوائده على حساب زيادة مخاطر الاصابة بالسرطان. وكان هذا القلق يقوم على تجارب اثبتت ان العديد من انواع العقاقير المخفضة للشحوم، بما في ذلك الـ «ستاتن» على انواعه، تبدو انها تزيد من الاورام الخبيثة في القوارض. لكن البشر ليسوا قوارض، وثبت ان مثل هذه المخاوف لا اساس لها.
ومثال على ذلك فان «دراسة وقاية القلب» Heart Protection Study التي شملت اكثر من 10 آلاف مستخدم للـ «ستاتن»، والدراسة الاسكندنافية «سكندنيفيا سيمفاستاتن سورفايفر ستادي» Scandinavian Simvastatin Survival Study التي تناولت اكثر من 2000 مستخدم، لم يجدا اي زيادة في مخاطر السرطان. وأخيرا فان تحليل جماعي، تناول 14 تجربة للـ «ستاتن» شملت 90 الف شخص، اقر ان هذا العقار لا يزيد من مخاطر السرطان.
آمال جديدة
اذن سلامة الـ «ستاتن» هو خبر جيد. والآن بعدما قام الاطباء بوضع هذه المخاوف جانبا، باتوا يطرحون سؤالا جذريا آخر وهو، هل يقوم الـ «ستاتن» بخفض مخاطر الاصابة بالسرطان؟
يبدو ان آمالهم معلقة بصورة رئيسية على سلسلة واسعة من التجارب المخبرية. وعلى الرغم من ان اختلاف التفاصيل، الا ان الفكرة الاساسية (للتجارب) هي في زراعة خلايا سرطانية في انابيب الاختبار مع عقار «ستاتن»، أو من دونه.
وقد شارك في التجربة العديد من المختبرات حول العالم التي خرجت بنتائج مختلفة. وبشكل عام، وفي كل الاحوال، اتفق العلماء على ان العقار هذا بمستطاعه إبطاء نمو الخلايا في حالات سرطانية بشرية مثل سرطانات البروستاتا والمثانة والثدي، والاورام الخبيثة الاخرى.
وقد جرى التعرف على العديد من الآليات، التي يمكن لـ «ستاتن» بموجبها تخفيض نشاط الجينات التي تحول الخلايا الى خلايا سرطانية وزيادة نشاط الجينات الاخرى التي تقيها وتحميها وتمنعها من ان تصبح سرطانية.
فالـ «ستاتن»، يمكن ان يمنع الدم من تروية الاورام النامية، اضافة الى انه قد يخفض من قدرة الخلايا السرطانية على الانتشار، وحتى انه قد يشجع هذه الخلايا على الانتحار (وهي عملية تدعىApoptosis). واخيرا هناك بعض النتائج التي تفترض ان الـ «ستاتن» قد يعزز من تأثيرات عقاقير علاج السرطان، أو العلاج بالاشعاع.
واذا اخذنا هذه النتائج جميعها فهي مثيرة للاهتمام وواعدة في الوقت ذاته. لكن هناك طريقا طويلا، من المختبر الى التجارب السريرية، كما قد نمضي سنوات اخرى قبل ان ندرك ان مثل هذه الاختبارات الاساسية قد ترجمت الى منافع عملية. وكانت هذه الاختبارات قد صممت في الاساس لدراسة امراض القلب، وكانت قصيرة ومختصرة نسبيا مقارنة بالسنوات العديدة التي يحتاج اليها السرطان لكي يتطور وينمو.
ورغم ان النتائج جاءت متراوحة، الا ان بعض الملاحظات السريرية اشارت الى وجود فوائد ومنافع. وكانت دراسة كندية شملت 6721 شخصا تبلغ اعمارهم 65 سنة وما فوق، ربطت بين استخدام الـ «ستاتن» وانخفاض الاصابات السرطانية بنسبة 28 في المائة. كذلك دراسة اجريت في عام 2004 شملت 3129 مريضا بالسرطان و16676 من الاصحاء تبين منها ان استخدام الـ «ستاتن» لمدة اربع سنوات او اكثر، ارتبط بتخفيض قدره 20 في المائة في حوادث الاصابة بالاورام الخبيثة.
وعلى المنوال ذاته تبين من التحقيق في احوال 334754 من الدانماركيين ان الذين كانوا يستخدمون الـ «ستاتن» منهم نعموا بتدني نسبته 14 في المائة في الاصابات السرطانية بالنسبة الى الذين لا يتعاطونه. والسرطان ليس مرضا واحدا بل عدة امراض. وجميع التقارير التي ظهرت حتى الآن قيمت مخاطره الاجمالية، لكن دراسات صغيرة عديدة قامت بالتحري عن بعض الاورام الخبيثة المنفردة، خرجت بنتائج متفاوتة. فقد افاد الباحثون عدم وجود اي فوائد تتعلق بسرطان الثدي او الجلد. لكن دراسة في العام الحالي ربطت بين الـ «ستاتن» وتدني مخاطر الاصابة بسرطان الرئة. بيد ان اغلبية الاهتمام تركز على سرطان القولون والبروستاتا.
سرطان القولون
وكان تقرير قد صدر في العام 2005 في مجلة «نيو انغلند» الطبية قد قدم تفاؤلا كبيرا في ما يتعلق بـ «الستاتن» والسرطان. فقد قام العلماء في اسرائيل بمقارنة 1953 مريضا بسرطان القولون مع 2015 من الاشخاص الاصحاء.
وعلاوة الى تقييم تأثير علاج ال"ستاتن" قاموا ايضا بالأخذ بعين الاعتبار العوامل الاخرى التي قد تؤثر في المرض بما في ذلك سلالة العرق البشري، والتاريخ العائلي، والنشاط البدني، واستخدام الاسبرين والعقاقير الاخرى غير الستيرودية المضادة للالتهابات، واستهلاك الخضار واللحم الاحمر، ومستويات الكوليسترول في الدم. وحتى بعد أخذ جميع هذه العوامل مجتمعة، ارتبط الـ «ستاتن» بنسبة 47 في المائة من تدني احتمال الاصابة بسرطان القولون.
وعلى الرغم من ان الدراسة هذه انعشت الآمال بان الـ «ستاتن» قد يخفض من خطورة سرطان القولون، الا ان التقرير الصادر في عام 2006 كان بعيدا عن التفاؤل. فقد كان الباحثون في جمعية السرطان الاميركية يتعقبون حالة 132136 رجلا وامرأة كجزء من دراسة الوقاية من السرطان Cancer Prevention Study 11 Nutrition Cohort.
وقد اصيب بين عامي 1997 و2001 ، 815 من هؤلاء بسرطان القولون. فقد كان الاشخاص الذين يتناولون الادوية المخفضة للكوليسترول معرضين مثل اولئك الذين لا يتناولونها.
وخلافا للدراسة الاسرائيلية المشجعة فقد قامت هذه الدراسة الاخيرة بتجميع جميع العقاقير المخفضة للكوليسترول معا بدلا من التركيز على عقاقير الـ «ستاتن» فقط. ولكن ثلاث دراسات اميركية في العام الحالي قامت بشكل خاص بتقييم الـ «ستاتن» وعلاقته بسرطان القولون.
وعلى الرغم من ان استخدام هذا العقار لم يكن مقرونا بالحماية الكلية الاجمالية، الا ان دراسة واحدة ربطته بتخفيض نسبته 51 في المائة في مخاطر الاصابة بالطور الرابع المتطور للمرض. ويبدو ان المزيد من الابحاث مطلوب خاصة ان هذا النوع من السرطان هو الرابع على صعيد الاورام الخبيثة الداخلية الاكثر شيوعا في الولايات المتحدة.
سرطان البروستاتا
الرجال معرضون للاصابة بسرطان البروستاتا اكثر من سرطان القولون. كما ان النسبة ذاتها منهم يقضون نحبهم سنويا من جراء المرضين في الولايات المتحدة. وعلى غرار خلايا سرطان القولون، يقوم الـ «ستاتن» بمنع حدوث سرطانات البروستاتا في التجارب المخبرية. لكن النتائج السريرية جاءت متفاوتة، وان كانت الدراسات الاخيرة واعدة.
وفي فبراير عام 2003 وجدت الدراسة التي خيبت الامال، انه لا توجد فوائد من الـ «ستاتن» لدى مقارنة 1009 اشخاص يعانون من سرطان البروستاتا مع 1387 شخصا من الاصحاء. لكن صدور تقريرين جديدين كان اكثر تفاؤلا. فقد اظهرت دراسة صادرة عن ولاية اوريغون في اميركا شملت 302 من المسنين يبلغ معدل اعمارهم 65 سنة ان استخدام الـ «ستاتن» ارتبط بتخفيض نسبته 62 في المائة في تشخيص سرطان البروستاتا، وتخفيض قدره 76 في المائة في سرطان البروستاتا الشديد (السريع).
كما ربطت دراسة اكبر صدرت عن هارفارد العام الماضي شملت 34989 شخصا استخدام الـ «ستاتن» بتخفيض نسبته 49 في المائة لسرطان البروستاتا المتطور، وتخفيض نسبته 61 في المئة من احتمالات الاصابة بالمرض المنتشر القاتل. وقد لوحظ ان الوقاية الاكبر كانت لدى الاشخاص الذين كانوا يتناولون الـ «ستاتن» فترة طويلة.
ولكن كيف يمكن لـ «ستاتن» ان يقي ضد سرطان البروستاتا؟ علاوة على الآلية العامة التي ذكرناها آنفا هناك بعض الامكانيات المثيرة للاهتمام الخاص بالبروستاتا، احدها كما افاد علماء هارفارد، ان المستويات العالية من الكوليسترول قد تسرع من نمو سرطان البروستاتا لدى الفئران. اما بالنسبة الى البشر فيبدو ان العلاج بالـ «ستاتن» يخفض من مستويات «بي إس أيه»PSA Prostate-Specific Antigen في الدم. وهذا التخفيض يكون في اشده مع الاشخاص الذين تهبط مستويات الكوليسترول لديهم بشكل كبير.
وفي دراسة اجريت العام الحالي وجد ان العلاج بالـ «ستاتن» من شأنه رفع معدلات فيتامين «دي» لديهم، وبالتالي فان فيتامين «دي» قد يساعد في تخفيض مخاطر سرطان البروستاتا.
ولكن هل نعالج السرطان بالـ «ستاتن»؟ لا، ليس الآن !!
هنالك اسباب عديدة بالنسبة الى الاطباء لوصف الـ «ستاتن» خاصة لدى ارتفاع معدلات الكوليسترول السيئ LDL . لكن من الواضح ايضا ان المرضى الذين يعانون من السكري والمشاكل القلبية والأشكال الاخرى من تصلب الشرايين قد يستفيدون ايضا من العلاج بهذا العقار، حتى ولو بدأوا (العلاج به) مع المستويات العادية من LDL .
واذا استمر هذا النهج الجديد فان العلاج به قد يمتد الى بعض الاشخاص الآخرين المعرضين لمثل هذه الامراض، حتى ولو كانت معدلات LDL لديهم طبيعية.
أما السرطان فهو امر اخر. وبالنسبة الى اعتام عدسة العين وامراض الرئتين المزمنة وفقدان الذاكرة فهناك ملامح واشارات جيدة الى ان العلاج بالـ «ستاتن» قد يساعد. لكن الملامح والاشارات غير كافية حتى يتوفر الدليل القاطع.
من هنا يتوجب على الاطباء عدم وصف هذا الدواء فقط لمجرد تخفيض احتمالات الاصابة بمثل هذه الحالات. ومع ذلك فقد يسر المرضى الذين يحتاجون الـ «ستاتن» لوقاية قلوبهم وشرايينهم بالامل المعقود على انه يقي ايضا من السرطان كأحد تأثيراته الجانبية. وحتى من دون تناول الـ «ستاتن» فان الاشخاص الذين يخفضون معدلات الشحوم لديهم قد يتوقعون عددا من المنافع الصحية، مثل تخفيض مستويات الكوليسترول، ومخاطر الاصابة بالامراض القلبية، وحماية البروستاتا من السرطان.