رحلة الي محل «نيو آند لينجوود» .. بعد 130 عاما من مخاطبة الوزراء والساسة

بعد 130 عاما من مخاطبة الوزراء والساسة .. تتودد للعامة والتجديد لمواكبة متطلبات العصر لم يؤثر على ملامحها الأرستقراطية، وفي الصورة واجهة المحل بجيرمين ستريت الواقع بالقرب من بيكاديللي، والياقة أهم ما
بعد 130 عاما من مخاطبة الوزراء والساسة .. تتودد للعامة والتجديد لمواكبة متطلبات العصر لم يؤثر على ملامحها الأرستقراطية، وفي الصورة واجهة المحل بجيرمين ستريت الواقع بالقرب من بيكاديللي، والياقة أهم ما

مهما تغير مشهد الموضة وتوجهاتها، يبقى الأسلوب الإنجليزي حيا وقويا، بدءا من تفصيله الراقي، إلى أقمشته التي تلبي تلك الحاجة الماسة إلى الدفء، مثل «التويد» و«الكشمير»، مرورا بألوانه الكلاسيكية التي تتخللها زخات متوهجة تتحدى طقس بريطانيا الرمادي.
 
فالإنجليزي معروف بأناقته، كما بجرأته، في تجربة أي جديد، ما دام يميزه، بما في ذلك الألوان التي قد يتخوف منها غيره، مثل الأحمر أو البرتقالي.
 
وفي خضم التطورات التي يشهدها قطاع الموضة الرجالية، وتصب غالبا في محاولة صناعها إدخاله لعبة الموضة، تبقى هناك معاقل راسخة لا يمكن المساس بها، أهمها «سافيل رو»، عندما يتعلق الأمر بتفصيل البدلات والمعاطف، و«جيرمين ستريت» عندما يتعلق الأمر بالقمصان والإكسسوارات. 
 
فهذه هي الوجهات التي تطمئن لها الطبقات الراقية والأرستقراطية من كل أنحاء العالم.
 
لكن من الخطأ القول إن هذه الوجهات لم تغير استراتيجياتها هي الأخرى للاستمرار في وجه المنافسة الشرسة من قبل بيوت الأزياء العالمية التي دخلت هذا القطاع بكل ثقلها.
 
كان لا بد لهؤلاء من مواكبة العصر، إما بتوفير بدلات جاهزة عوض الاقتصار على التفصيل على المقاس، أو بتوفير قطع وإكسسوارات جديدة يحتاجها الرجل العصري.
 
من هؤلاء نذكر شركة نيو آند لينجوود «New and Lingwood» الواقعة في «جيرمين ستريت»، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 130 عاما. اسمها لا يزال يرتبط بمدينة إيتون، وتحديدا جامعتها الشهيرة، التي تحمل الاسم نفسه، والتي تخرج فيها أغلب وزراء بريطانيا وساستها، فضلا عن أفراد من العائلة المالكة البريطانية وسلطان بروناي وغيرهم.
 
في العقود الأخيرة، جذبت أيضا نجوم سينما وموسيقى، مثل براين فيري، مايكل كاين، روجيه مور، توم هانكس، وهلم جرا من الأسماء التي لم تستطع أن تقاوم سحر الأسلوب الإنجليزي في أحلى ألوانه المتوهجة. نعم، المتوهجة، لأن الشركة تتفنن فيها، سواء تعلق الأمر باليسترات الكلاسيكية أو الجوارب. 
 
من التغيرات التي فرضها عليها تطور العصر أنها، إلى جانب التفصيل على المقاس الذي تتخصص فيه، مثلها مثل باقي الشركات البريطانية العريقة، أصبحت تقدم أزياء جاهزة، تشمل قمصان وبيجامات من البوبلين والحرير إلى جانب أردية منزلية (روب دي شومبر) من الكشمير والحرير الدمشقي وغيرها من الخامات المترفة والنادرة أحيانا.
 
ويقال إن المليونير الراحل سير جايمس جولدسميث كان من أشد المعجبين بالبيجامات التي تطرحها الشركة، إلى درجة أنه كان يطلب 50 قطعة منها في كل مرة، يرسلها إلى كل بيوت إقامته في العالم.
 
توسّع الشركة شمل أيضا افتتاح محل ثانٍ في الشارع نفسه، لا يفرق بينه وبين المحل القديم سوى ممر صغير؛ الأول متخصص في كل ما يحتاجه الرجل الأنيق في مناسباته الخاصة أو مقابلاته الرسمية أو نزهاته الريفية، بينما الثاني يتخصص في الأردية المنزلية، أو ما يعرف بـ«روب دي شومبر»، وهو على ما يبدو جانب مهم جدا بالنظر إلى أنه يشغل كل المكان، وإلى أسعارها التي تبدأ من 850 لتفوق الـ2250 جنيها إسترلينيا، حسب نوع القماش.
 
ومن الواضح أن هناك عودة قوية لـ «الروب»، حسبما أكده المدير الفني سايمون مالوني في مقابلة خاصة له مع جريدة «الشرق الأوسط»، شارحا أن الرجل لم يعد يستعمله فقط عندما يكون وحيدا في بيته، بل حتى عندما يستقبل ضيوفه، وهذا ما جعله يطلبه أنيقا وفخما يعكس ذوقه ووجاهته في الوقت ذاته.
 
وفي حال لم يكن هذا «الروب» الجاهز قادرا على تحقيق هذه المعادلة، فإن هناك دائما خيار التفصيل على المقاس، حتى يأتي خاصة وبمثابة تحفة فنية، تدخل فيها تطريزات أو رسمات مميزة.
 
«في هذه الحالة، يمكن للرجل أن يتدخل في طوله وعرضه واختيار اللون والقماش وكل ما يدخل في صناعته»، حسب قول مالوني.
 
في المحل المواجه، تتفاجأ بكمٍّ هائل من الأزياء والإكسسوارات، وتشعر بأن المعروضات فيه مظلومة، تحتاج إلى مساحة أكبر لتأخذ حقها.
 
لكن يبدو أن مالوني متعود على هذا المنظر، لأنه يشير إلى ما في المحل قائلا إن قليلا من الأسماء تحولت إلى عناوين أو وجهات لا مثيل لها في أي بلد، بل وحتى في البلد نفسه، مثل «نيو آند لينغوود». 
 
الفضل يعود إلى سمعتها في أنها شركة متخصصة في كل ما يحتاجه الرجل من الرأس إلى أخمص القدمين.
 
والمعنى هنا حرفي وليس مجازيا، لأنها توفر قبعات الرأس والقمصان، بما فيها الياقات المستقلة التي يمكن للرجل الحصول عليها من دون قميص، كما البدلات والسترات والأحذية والجوارب والملابس المنزلية، مما يجعله يكتفي بزيارة هذا العنوان ليعود محمّلا بكل ما يرغب فيه لأكثر من عام.
 
لكن سايمون يعلق بأنه رغم هذا التنوع، فإنه يتفاجأ، بين الفترة والأخرى، بطلبات غريبة، مستشهدا بزبون طلب عصابة حداد، وهي عبارة عن منديل كان يستعمله الرجل في المآتم بالعصر الفيكتوري، يلصق على كمّ البدلة لمسح دموعه.
 
سارعت الشركة لتوفير هذه العصابات، لكنها سرعان ما توقفت عن ذلك، لأن الطلب عليها لم يكن كبيرا.
 
ومع ذلك، يؤكد سايمون بأن «تلبية طلبات الزبون أيا كانت غرابتها، مهمة بالنسبة لنا».
 
ويضيف أن سر انجذاب الزبائن إلى «نيو آند لينجوود» عموما يعود إلى الخدمة الخاصة، وأيضا إلى تنوع الألوان والنقشات وولاء موروث أبا عن جد، إذ إن الشركة تتعامل أحيانا مع الجيل السادس من الأسرة نفسها، كما إلى نوعية الأقمشة التي يجري استيرادها من معامل موثوق منها، «فمثلا، الكشمير اسكوتلندي 100%، والحرير إيطالي، وهكذا». 
 
عودة إلى الألوان يقول سايمون إن الشركة من بين قلائل يوفرون جوارب بأكثر من 15 لونا مختلفا، علاوة على بنطلونات من قماش التارتان الاسكوتلندي بنقشات في غاية التنوع، ومعاطف واقية من المطر، وإن كان اللون البرتقالي هو الأكثر مبيعا، مقارنة بالأزرق الغامق والرمادي.
 
فزبون الدار، على ما يبدو، لا يريد ألوانا عادية بقدر ما يريدها تصرخ باسمها.
 
 طبعا هناك من يتعرف عليها من مجرد النظر إلى بعض التفاصيل الداخلية البسيطة التي يحرص المصمم أن يزين بها الجيوب من الداخل أو البطانة وغيرها.
 
فجاكيت من التويد، مثلا قد يبدو مشابها لغيره من بعيد، لكن عندما تلمسه وتتفحصه عن قرب، تكتشف أن كثيرا من جمالياته موجود في البطانة أو تحت الياقة أو على طول الجيب.
 
كل هذه التفاصيل تخضع للتجديد بشكل موسمي حتى تبقى مناسبة للعصر، ولا تبدو قديمة.
 
قبل أن أغادر المحل، يشير سايمون مالوني إلى مجموعة من الياقات متراصة فوق بعضها، تعطي الانطباع بأنها مجرد ياقات تنتظر خياطتها وشبكها مع قميص، لكنه يبتسم قائلا إنها ياقات مستقلة يشتريها الزبون العارف لكي يستعملها في المناسبات مع قميص من دون ياقة، وأضاف: «الياقة أهم ما في القميص، وهي أيضا أول ما يتعرض للتلف والقدم فيه، ونحن لدينا زبائن يعشقون قمصاننا ولا يفرطون فيها، مهما قدمت، إلى درجة أنهم يأتون بها إلينا لكي نغير لهم ياقتها، رغم أن العملية أغلى من شراء قميص جديد. وهذا يعني أنه كلما قدم القميص، اكتسب ليونة ومرونة أكثر».
 
أسم الدار
يتكون اسم الدار من اسم الآنسة نيو والسيد لينغوود، اللذين أسساها في عام 1865 بمدينة إيتون، ولم تمر سوى فترة حتى توجت علاقتهما في العمل بالزواج.
 
لعبت إيتون دورا مهما في تحديد معالم الدار، لا سيما بعد حصولهما على حق تزويد طلبة جامعتها الشهيرة، بالزي الرسمي.
 
ومنذ ذلك الحين، أي منذ أكثر من 130 عاما، وهي لا تزال تقوم بمهمة تزويدهم بكل ما يتعلق بملابسهم وإكسسواراتهم، بما في ذلك الجوارب وأربطة العنق والأحذية وغيرها. 
 
في عام 1922، انتقلت «نيو آند لينجوود» إلى «جرمين ستريت»، الشارع الذي فرض نفسه بوصفه أهم شارع لصناعة القمصان الرجالية وباقي الإكسسوارات التي تكمل ما يقدمه «سافيل رو»، الذي يبعد عنه ببضع دقائق، من بدلات ومعاطف مفصلة. لكن خلال الحرب العالمية الثانية تعرض المحل للحريق ما استدعى انتقاله إلى رقم 53 من الشارع ذاته.