«إيسي مياكي» .. لماذا دار تنجح في تحويل السريالي إلى واقعي؟
02:04 م - الخميس 27 نوفمبر 2014
لو سألت الأغلبية الساحقة من الناس عن اسم «إيسي مياكي»، لأجابوا دون تردد بأنهم يعشقون عطوره.
السبب أن الاسم يرتبط في مخيلتهم بالعطور أكثر مما يرتبط بالأزياء، رغم ما تتميز به هذه الأخيرة من فنية وتقنيات عالية ترقى بها إلى مستوى الفنانين.
لكن ربما هذه الفنية تحديدا هي ما يجعلها نخبوية لا يفهمها سوى قلة من عشاق الموضة الشبابية، بينما يعتبرها البعض مغرقة في التكنولوجيا، لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع الأقمشة.
الأمر يختلف تماما فيما يتعلق بالعطور، فإن الكل سمعوا بالاسم، ويجمعون على أنه لم يخذلهم أبدا في طرح أجمل الروائح، إلى حد القول إنه إذا كان لـ «شانيل» عطر «شانيل نمبر 5» الأيقوني، فإن لـ «إيسي مياكي» عطر «لو ديسي» L’Eau d’Issey الذي تباع منه قارورة كل 7 دقائق حسبما تؤكد أرقام المبيعات، مما يجعلنا نعود للتذكير بأن العطور الناجحة بمثابة أكسجين تتنفس منه أي دار أزياء، كونها تسند باقي الجوانب الإبداعية فيها، بما في ذلك الأزياء، لهذا ليس غريبا أن يتسابق معظم مصممي الأزياء على طرح عطور تحمل أسماءهم، يجنون من ورائها الربح، وفي الوقت ذاته تروج لأسمائهم وأزيائهم بطريقة غير مباشرة ما دامت تحمل أسماءهم.
لكن هذا لا يعني أن اسم «إيسي مياكي» يحتاج إلى ترويج، أو أن جانب الأزياء لا يحقق النجاح، بل العكس، فهو قد تجاوز مرحلة الاعتماد على العطور للاستمرار، بعد أن تحول إلى اسم شبه خيالي يستحضر اليابان وعشق المصمم، المنعزل بنفسه، للتكنولوجيا والتصاميم التي تجمع الابتكار بالبساطة، رافضا دائما الحلول الوسطى، فهو يؤمن بأن فنه يجب أن يكون لغته الوحيدة للتواصل مع الناس، متأكدا من أنهم عندما يفهمون هذه اللغة ويقرأون بين سطورها، فسيكتشفون ليس الابتكار الفني وحده، بل أيضا الكثير من الشقاوة والمرح والعملية التي تجعل للقطعة الواحدة أكثر من وظيفة واستعمال.
لكن مع ذلك يبقى جانب العطور، القوة الدافعة لأي دار، مهما كان نجاحها. ومن هذا المنطلق، طرحت «إيسي مياكي» أخيرا عطرا رجاليا، باسم «نوي ديسي» Nuit d’Issey سينضم إلى لائحة عطورها الرجالية المؤثرة، فهو يخاطب رجلا قويا ورومانسيا بأسلوب قد يبدو بسيطا، لكن نتيجته تترك أثرا لا يُنسى بسرعة.
العطر الجديد من تأليف كل من الفرنسي دومينيك روبيون والياباني المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، لوك دونغ، ويأخذنا إلى قلب الليل الذي تتراقص فيه أشعة ضوء القمر وكأنها ترشد رجلا يسير وحيدا، يستمد القوة من النجوم والقمر ليستجمع قوة وطاقة هو في أمس الحاجة إليهما.
هذا على الأقل ما تريد الدار أن تقوله من خلال فيلمها الترويجي.
تفسيرها أنه في الليل تصبح المشاعر أكثر قوة وعمقا، والأحاسيس أكثر حدة، بحيث تذوب المعالم وسط اندفاع غامر نحو اكتشاف عالم جديد، بينما تجسدت ترجمة هذه الصورة الشاعرية في شكل قارورة كلاسيكية متألقة باللون الأسود، وبتصميم يمزج بين الظل والضوء.
فلون الزجاج يتغير من الدخاني المتدرج إلى الأسود، كما تجسدت فيه جرأة العطر وجاذبيته الغامضة.
فهو منعش بفضل الحمضيات والبرغموت والغريبفروت من جهة، وغامض بفضل الأخشاب الغنية مثل الباتشولي والبخور من جهة ثانية، فضلا عن مكونات أخرى تعززه مثل التوابل والفلفل الأسود، ونجيل الهند وبذور التونكا، من دون أن ننسى ذكر الجلود التي تعمد العطاران استعمالها لتعزيز ذلك الإحساس القوي بالرجولة.
يقول دومينيك روبيون إن هذا أول تعاون بينه وبين لونغ دونغ، مضيفا أنه على الرغم من أنهما من بيئتين وثقافتين مختلفتين، فإن نظرة «إيسي مياكي» للأمور وفلسفته جمعتهما وجعلت العمل في غاية التناغم.
وشرح العطار الفرنسي أن العنوان العريض الذي انطلقا منه كان البساطة والصفاء وترجمة الطبيعة ليلا. وفيما كانت البساطة والصفاء مقدورا عليهما، فإن ترجمة الطبيعة ليلا كان تحديا كبيرا، ذلك أن الطبيعة تعني في العادة الخضرة والشمس وضوء النهار وليس النجوم والظلام.
لهذا وجد العطاران نفسيهما فجأة يغوصان في ظلمة الليل بحثا عن مكونات تعكس سحره وغموضه، مثل الخشب الأسود، والجلود.
وللحفاظ على هوية الدار، كان لا بد أيضا من البحث عن الجانب المعدني الذي يعكس عنصر الحداثة، الأمر الذي توصلا إليه بخلط الباتشولي ونجيل الهند والليمون الهندي بالبرغموت.
لم يخل الأمر من بعض الصعوبات الأخرى، التي تم تجاوزها مع الوقت، وكان واحدا منها بُعد المسافات.
فالمعروف عن السيد «إيسي مياكي» أنه لا يقبل وضع اسمه على أي منتج هو غير مقتنع به تماما، فعزوفه عن الأضواء وعدم رغبته في أن يكون في الواجهة، لا يعني أنه لا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة عندما يتعلق الأمر باسمه أو بمنتج خاص به.
لهذا استغرقت العملية نحو العام تقريبا، تمت فيه تجربة عشرات الخلطات قبل أن يرسو القرار على الأخيرة، كونه جاء معبرا عن فلسفة السيد «إيسي مياكي»، التي تحرص على التعامل مع الموضة والجمال بفن وبوصفها وسائل تدخل السعادة والبهجة على النفس.
فقد سبق له أن قال في إحدى المقابلات النادرة إن «أقصى ما أحلم به أن يعيش الناس حالة من السعادة والراحة عندما يلبسون تصاميمي»، وهو ما ينطبق على عطوره أيضا بحكم أن الروائح تلعب دورا كبيرا في تحسين المزاج والرفع من المعنويات، وهذا ما يعد به عطر «Nuit D’Issey Pour Homme» الجديد، الذي بدأ من فكرة غامضة، أو بالأحرى مفهوم خيالي، وتجسد بعد عام من الأبحاث والتجارب، في عطر ساحر.