عدم القناعة بشكل الجسم .. اضطراب نفسي يدفع لإدمان عمليات التجميل
قد تكون الضرورة أو الحاجة هي ما تفرض على بعض النساء، أو حتى بعض الرجال، الخضوع لأنواع معينة من عمليات التجميل، مثل علاج آثار الحروق على الجلد أو ظهور البقع الغامقة في أماكن ذات أهمية لجمال الشكل، أو إزالة بعض من آثار الحمل على البطن أو مناطق أخرى من الجسم. وفي المقابل قد تكون هناك أسباب ودواع وراء تمادي البعض في الخضوع للعمليات تلك، بل هو إما الترف أو الفراغ أو وفرة المال.
لكن هل من الممكن أن يكون هناك اضطراب نفسي لدى الشخص يجعله مقتنعاً بقبح شكله أو نقص الجمال فيه، ما يدفعه إلى البحث عما يُحسن مظهره الخارجي؟.. الإجابة ربما نعم، لأن ثمة منْ يُطلق عليهم طبياً أنهم مُصابون بحالة "إدمان الجراحات التجميلية" plastic surgery addiction، ومن مجموعة هؤلاء المدمنين على العمليات التجميلة فئة تُعتبر من المُعانين من إحدى حالات الاضطرابات النفسية لفصيلة الوسواس القهري، وهي الحالة النفسية التي تُدعى، ما يُمكن ترجمته، "اضطراب اعتقاد أن شكل الجسم غير سوي" Body dysmorphic disorder.
اضطراب وهمي
وتتميز حالة "اضطراب اعتقاد أن شكل الجسم غير سوي" بانهماك واستغراق من قبل المُصاب بوجود خلل وهمي أو حقيقي في مظهره الخارجي. ولدى هؤلاء الناس نظرة مشوهة ومبالغ فيها حول ما يبدو عليه شكلهم، ولديهم هواجس وقلق إلى حد الوسوسة حول شكلهم المرئي، مثل تفاصيل صورة وجوههم أو بشرتهم، لأنهم يشعرون أنهم قبيحون ومشوهون. وحتى لو تمت طمأنتهم حقيقة ومن دون أي مجاملة بأن صورهم وأشكالهم لا تشكو من تلك العيوب التي يتوهمونها، إلا أنهم يظلون على اعتقادهم ذلك.
وعلاجهم الطبي أبعد ما يكون عن الانسياق وراء الاستجابة لرغباتهم في تغيير أشكالهم وصورهم عبر العمليات التجميلية، لأنها لن تُفلح البتة في إزالة وهمهم ووسواسهم، بل قد تُعمق ذلك الشعور لديهم، خاصة عند تلقي استحسان أو إعجاب من الغير بما تم تغييره لهم.
أسباب ومضاعفات
ولا تزال أسباب إصابة البعض بدرجات متفاوتة من عدم تقبل الشكل إلى حد حالة "اضطراب اعتقاد أن شكل الجسم غير سوي". وربما ذلك لأن الاعتراف الطبي الرسمي بوجود مثل هذه الحالة لم يتم إلا في عام 1997. وثمة عدة فرضيات حول الآليات المرضية المتسببة في ظهور الحالة.
وتتحدث إحدى الفرضيات بأن الحالة ناجمة عن عدم توازن في وجود مركبات كيميائية في الدماغ، خاصة مادة سيروتونين، ما ينتج عنه اضطرابات في المزاج والاكتئاب. بينما تقول أخرى إن الأمر مظهر لحالة من الوسواس القهري الذي يظهر على هيئة رغبة في تغيير شكل أجزاء من الجسم تحت ضغط الاعتقاد بأنها أجزاء قبيحة.
ويرى بعض الباحثين أن الحالة يُصاحبها أيضاً أحد أنواع اضطرابات الأكل، كالهزال العصبي. وفي حين يرى آخرون أن الحالة برمتها مرتبطة باضطرابات القلق العام، التي من أجلها يحرص هؤلاء الأشخاص على ألا يكون في مظهرهم أي نقص أو تشوه، يرى آخرون أن الأمر لا علاقة له بالنفسية، بل بالظروف الاجتماعية وتوقعات الغير منهم، مثل أن يكونوا على مستوى عال من الجمال وحُسن الشكل.
وما تتفق مصادر الطب النفسي عليه هو أن المعاناة من هذه الحالة تتسبب في زيادة التوتر والقلق، كذلك الاكتئاب لدى المرضى، ما يُعيقهم عن التفاعل الطبيعي مع أعمالهم أو تحصيلهم العلمي أو مشاركتهم في الأنشطة الاجتماعية أو الأسرية، والتعرف على الآخرين من خلالهم أو حتى في الرغبة في الزواج قبل إتمام بعض التعديلات على شكل ومظهر صورة الجسم.
والإشكالية أن الحالة مزمنة، لذا فإن المضاعفات هي أيضاً من النوع المزمن. وهذه المضاعفات إن اقتصرت في السابق على التوتر والقلق والاكتئاب وعدم الاندماج الأسري والاجتماعي، فإنها توسعت مع التوسع والتقدم في طب الجلدية وطب الجراحات التجميلية. إذْ ان توفر الأطباء والوسائل التجميلية جعل المضاعفات تصل إلى حد الخضوع بلا داع للعديد من العمليات والمعالجات.
ويقول الباحثون من مايو كلينك إن بعض المُصابين بهذه الحالة النفسية يعمدون إلى الإصرار بعناد على الطلب المكثف للعناية والإجراءات الطبية التجميلية التي لا داعي لها، مثل الخضوع لعمليات التجميل في محاولة إما لتصحيح أو تحسين خلل حقيقي أو وهمي في الشكل. وغالباً لا تحقق تلك العمليات لهم رضا نفسيا، بل ربما تجعل حالهم أسوأ. ويستطردون بالقول إن هذه العمليات والمعالجات تحمل بذاتها مخاطر المضاعفات المهمة كالالتهابات والوفيات. والشخص المُصاب بهذه الحالة لا يُقيم عادة وزناً أو أهمية لاحتمالات حصول مضاعفات خطيرة على صحته في سبيل إجراء تعديلات على شكله.
هوس عمليات التجميل
والملاحظ أن الإقبال على عمليات التجميل فاق كل التوقعات في السنوات القليلة الماضية. ومن الإحصاءات العالمية، تقول المصادر الطبية إنه في عام 2000 أعلن المجمع الأميركي لجراحي التجميل أن أكثر من ثلثي مَن يخضعون لعمليات تجميل هم ممن سبق لهم الخضوع للعديد منها.
وأن المصادر تلك ترى أن العدد ارتفع إلى حد وصفته بدرجة مفزعة alarming rate، إذْ في عام 2003 فقط بلغ عدد النساء الذين تمت لهم عمليات تجميلية حوالي 7 ملايين امرأة، أي بنسبة زيادة بلغت 16% في ما بين عامي 2002 و2003 فقط. كما بلغت نسبة ارتفاع الخاضعين لها من الرجال في ما بين العامين هذين، أكثر من 31%!.
هذا غير تلك القصص الخيالية عن مشاهير الممثلين والممثلات الذين تتحدث الشائعات عن خضوع بعضهم إلى عشرات عمليات التجميل، في كل منطقة من الجسم. وحتى أن الصور المفعمة بالطرافة أصبحت لا تتناول مواضيع معتادة، بل تتناول صور "قبل وبعد" للممثلين والممثلات، باعتبار أن ما فيهما بعد عمليات التجميل لشخص واحد فقط، يكفي للاستغراب!.
وربما في مجالات السينما أو غيرها مفهومة دواعي التغيير، لكن من غير المفهوم احتياج غيرهم إلى اجرائها، خاصة من الناس الطبيعيين في المظهر الذين لا يشكون من تشوهات واضحة. وهو ما قد يعني وجود خلل نفسي ما في تقبل شكل الجسم وصورته. أو في مدى إعطاء ما هم عليه من شكل، لمتطلبات حياتهم الاجتماعية.
من هو الطبيب؟
وفي النتيجة، فإن الأسئلة المطروحة هي: مَن يجب عليه من العاملين في الوسط الطبي ملاحظة وتشخيص إصابة البعض بمثل هذا الاضطراب النفسي؟.. وهل دور أطباء الجلدية وجراحي التجميل والمتخصصين في العناية بالبشرة، العمل على الحد من تمادي هؤلاء المرضى في سلوكهم طلب الخضوع للعمليات التجميلية؟.. باعتبار أن سلوكهم هذا إنما هو أحد مضاعفات هذا المرض النفسي وليس نتيجة لوجود خلل أو نقص في جمال شكل الجسم.
وهل قيام الأطباء بتلك الجراحات التجميلية أو العلاجات الجلدية بالليزر أو بغيره سيخدم في النهاية هدف تحسين شكل الجسم ومظهره لهؤلاء المرضى، ما يشفيهم مما يُعانون منه منْ اضطراب نفسي؟، أم أن جراحي التجميل بتماديهم في تقبل هؤلاء المرضى النفسيين كمرضى تجميل، وإجرائهم لهم ما يطلبون، إنما يصبون الزيت على النار ويزيدون المشكلة لديهم تفاقماً؟.
أي بعبارة أخرى، هل علاقة جراحي التجميل أو جراحي التخسيس أو أطباء الجلدية بمراجعيهم علاقة من نوع توفر العرض والقدرة على دفع تكاليف الطلب؟، أم أنها يجب أن تكون أوسع لتصبح علاقة من نوع "طبيب" يهتم بكل ما يتعلق بـالحالة الصحية لدى "المريض"؟.. وبالتالي هل من الأفضل أن يرفض جراح التجميل الاستجابة لهكذا طلبات، إذا ما اتضح له بعد تقييم الحالة النفسية لهؤلاء أنهم مرضى نفسيين؟.