مقارنات علمية بين طرق معالجة إصابات العصب الخامس

الإصابة بشلل بلْ الوجهي تؤدي إلى شلل في القدرة لكل من عضلات الوجه، التي تُشكل بانقباضها وانبساطها تعبيرات الوجه.
الإصابة بشلل بلْ الوجهي تؤدي إلى شلل في القدرة لكل من عضلات الوجه، التي تُشكل بانقباضها وانبساطها تعبيرات الوجه.

في واحدة من الدراسات المتميزة والتي من المتوقع أن تُعيد حسابات بعض أطباء الأعصاب في طريقة معالجتهم، يقول الباحثون من اسكتلندا إن المتابعة لفائدة علاج حالات شلل بلْ الوجهي Bell"s palsy باستخدام عقار "إيايكلوفير" Acyclovir، أو ما يُعرف بـ "زوفيماكس"، وهو أحد الأدوية المضادة للفيروسات Antiviral، ربما ليست أفضل من الطريقة القديمة المعتادة له.


وفي مراجعة لأربعة أنظمة من العلاج، وجد الباحثون أن استخدام المصابين لأدوية "ستيرويد" وحدها أفضل من إضافة مضادات الفيروسات إليها وأفضل من الاقتصار على استخدام أدوية مضادات الفيروسات وحدها.

وتعتبر حالات شلل بلْ للوجه شائعة نسبياً بين متوسطي العمر، حيث ان 40 شخصاً من بين كل 100 ألف شخص يُصابون به سنوياً، خاصة منْ هم ما بين الـ 30 و45 من العمر.

وبطريقة أخرى في التعبير فإن واحداً من بين كل 60 شخصا، سيُصاب به خلال عمره. وإحصاءات الولايات المتحدة تقول بأن حوالي 40 ألف شخص يُصابون به كل عام.

ويصيب المرض الحوامل أكثر من غيرهن من النساء، ومتوسطي العمر أكثر من المتقدمين فيه، ومرضى السكري بالذات أكثر من غيرهم.

ويُسمي البعض هذه الحالة من إصابات عصب الوجه بمرض دموع التماسيح، لأن ما بين 6 إلى 8% من المُصابين تبقى لديهم اضطرابات في خروج الدمع، وتبدو على هيئة إفراز الدمع أثناء الأكل، أي أشبه بالتماسيح التي من المعلوم أن عيونها تدمع حال تناول الطعام! وسبب ظهور هذا الدمع غير الطبيعي لدى هؤلاء المرضى أن عودة تراكيب العصب الداخلية تختلط في مرحلتي الالتئام والشفاء، ما يختلط بالتالي نتيجة له دواعي زيادة إفراز الدمع.

ويُعتقد أن الأمر مرتبط بشكل ما بالإصابة بأحد الفيروسات. وبالرغم من أن غالبية المرضى يُمكن أن يزول الشلل في عضلات الوجه عنهم خلال ما بين ستة أشهر إلى عام، إلا أن أطباء الأعصاب يطرحون أنظمة علاجية مفيدة جداً في تقصير طول تلك المدة. ولا تزال جوانب عديدة في هذا المرض العصبي المفاجئ غامضة حتى اليوم.

دراسة اسكتلندية
ويرى بعض الباحثين، ومنهم الدكتور دونالد غيلدن، رئيس قسم الأعصاب بجامعة كلورادو في دنفر بالولايات المتحدة، أن نتائج هذه الدراسة من المحتمل أن تُغير في ممارسة الأطباء لكيفية معالجة حالات شلل بلْ ألوجهي. وأنها قد تُقنع الكثيرين منهم أن لا جدوى من إنفاق الكثير من المال على أدوية باهظة الثمن فيما ما هو أرخص منها يُؤدي نتائج أفضل.

ووفق ما تم نشره في عدد 18 أكتوبر الحالي لمجلة نيوانغلاند الطبية، قام الباحثون من الكلية الاسكتلندية للرعاية الأولية، في دندي  باسكتلندا، بمتابعة تأثير التلقي العشوائي لمدة عشرة أيام بعد بدء الإصابة لإحدى أربع طرق لمعالجة مرضى شلل بلْ الوجهي.

وشملت الدراسة حوالي 500 شخص، تلقى بعضهم الطريقة الأولى وهي تشمل تناول أدوية "ستيرويد"، على هيئة عقار "بردنزلون" Prednisolone، مع عقار "إيسيكلوفير" المضاد للفيروسات.

والطريقة الثانية تناول "بردنزلون" لوحده. والطريقة الثالثة تناول "إيسيكلوفير" لوحده. والطريقة الرابعة عدم تناول أي منهما بل تناول عقار وهمي مزيف placebo.

وهي طريقة جيدة في البحث، خاصة جانب عشوائية وضع المرضى على أحد أنظمة المعالجات الأربعة.

كذلك في جانب المقارنة بين الطرق تلك، لأنها تُعطي الباحثين قدرة على مقارنة نتائج تأثيرات تناول أي من هذه الطرق العلاجية الأربع.

والمفارقة أن هذه الدراسة صدرت من اسكتلندا، وهي موطن الطبيب تشارلز بل، أول من وصف هذه الحالة المرضية، وسُميت لاحقاً باسمه اعترافاً لجهده الطبي في تعريف البشر بها.

حالة ونتائج علاج
وقال الدكتور فرانك سيوليفان، الباحث الرئيس في الدراسة، إن الإصابة بشلل بلْ الوجهي تؤدي إلى شلل في القدرة لكل من عضلات الوجه، التي تُشكل بانقباضها وانبساطها تعبيرات الوجه.

وأيضاً العضلات المُحيطة بالعينين، ما يعني أن جفون العين لا يُمكنها إغلاق العين بشكل تام. كذلك العضلات المحيطة بالفم، ما يعني أن الابتسام والكلام وإغلاق الوجه لا يُمكن إتمامها بشكل طبيعي وتام.

وأضاف أنه بالرغم من عدم معرفتنا للسبب على وجه الدقة، إلا أنها ثمة شكوكاً علمية قوية أن الأمر ناتج عن إصابة بأحد الفيروسات التي تنتمي إلى نفس الفصيلة الفيروسية المتسببة بالهربس.

 وبالرغم من أن غالبية المرضى يُشفون تماماً من دون أي علاج أو بمساعدة أدوية ستيرويد، الخافضة لتفاعلات جهاز مناعة الجسم، إلا أن البعض تظل لديه تغيرات دائمة على صورة وحركات الوجه.

وقال الباحثون إن العلاج بأدوية ستيرويد رخيص الثمن، ولا يتجاوز ثمن ما هو لازم كبرنامج أو كورس علاجي عشرة دولارات. في حين أن كلفة كمية مضادات الفيروس اللازمة تتجاوز 200 دولار.

وما توصل إليه الباحثون بعد المتابعة، لمدة عام، لتأثيرات العلاج، والذي يُؤخذ في الأيام العشرة الأولى فقط من الإصابة، هو أن 94% ممن تلقوا فقط علاج ستيرويد زال عنهم المرض، في حين زال عن 85% ممنْ تلقوا فقط علاج الفيروس، وزال عن 93% ممن تلقوا علاج ستيرويد وعلاج الفيروسات. أما من لم يتلقوا أياً منهما فزال عن 75% منهم.

وهو ما يُثبت أن مجرد تناول أدوية ستيرويد سيُعطي أفضل نتيجة متوفرة حتى اليوم من بين ما هو مطروح طبياً كعلاج لهذه الحالة.

تشخيص واحتمالات
ويعتبر شللاً بلْ الوجهي أكثر أسباب ضعف حركة عضلات الوجه. ويُعتقد أن الحالة تنجم عن تفاعل مناعي في جسم العصب لتعرضه لفيروس، ما يُؤدي إلى انتفاخ العصب.

لكن لأن العصب يمر في إحدى مناطق مساره من خلال قناة عظمية ضيقة، فإن الانتفاخ يضغط على مكونات العصب نفسه، لأنه لا يستطيع بداهة الضغط على العظم.

ولأن ليس كل حالات الشلل الوجهي سببها مرض بلْ، فإن التشخيص الطبي يأتي عبر الاستثناء، أي بإلغاء احتمالات أن يكون سبب الضعف في قدرات العصب نتيجة لإصابات معروفة وواضحة وظاهرة للعيان عند إجراء الفحوصات على مسارات وطرق مرور العصب.

إذْ ثمة حالات مثل ورم أو التهاب السحايا، الأغشية المغلفة للدماغ، أو السكتة الدماغية أو إصابات الرأس أو مرض السكري أو التهابات بسبب السل أو الحمى المالطية، قد يُؤدي أحدها إلى حصول الشلل الوجهي.

ولذا فإن الطبيب يُجري فحوصات عدة للتأكد من أن الإصابة بضعف حركة عضلات الوجه سببها هو مرض بلْ الوجهي وليس أي سبب آخر محتمل أن يُعطي أعراضاً مشابهة في الظاهر.

وتشمل الفحوصات اختبارات قدرات السمع والتوازن ودمع العين، إضافة إلى اختبار قدرات توصيل العصب والتصوير بالرنين المغناطيسي لأجزاء متعددة من الدماغ والمناطق التي يمر العصب بها.

والأسئلة الثلاثة المهمة، التي يطرحها غالب المرضى هي، ما هو سبب الإصابة المفاجئة بالشلل الوجهي؟ ومتى سأتوقع أن يزول الأمر بالكامل؟ وما الذي يُمكنني فعله كي أُساهم في تسريع الشفاء؟ وهذه الفحوصات هي التي قد تتطلبها الإجابة عن هذه الأسئلة.

معالجة ومساهمة
والعلاج موجه بالدرجة الأولى نحو تخفيف حدة الالتهاب، ما يعني تخفيف حجم التورم والانتفاخ الضاغط على العصب.

وهو ما يتطلب المعالجة بأدوية ستيرويد. ولذا فإن النتائج كما هو ملاحظ أعلى في تسريع وتحقيق زوال الأمر عبر تناولها، خاصة في مراحل مبكرة جداً من الإصابة، أي في الأسبوع الأول من بدء الشعور بظهور الضعف، لأن مما هو ملاحظ أن الأمر يبدأ بشكل تدريجي خلال حوالي 48 ساعة، حتى تبدو صورة الضعف في حركة عضلات الوجه بصفة كاملة. وهنا تبرز أهمية المبادرة والاهتمام بمراجعة الطبيب.

وكذلك الحال مع ما هو متبع طبياً من استخدام الأدوية المضادة للفيروسات، المتقدمة الذكر، حيث إن إضافتها لا يبدو أنه ضار على أقل تقدير، ما لم تكن ثمة موانع طبية من تناولها، إلا من ناحية التكلفة المادية، بخلاف الاعتماد عليها وحدها دون أدوية ستيرويد.

وفي أثناء ذلك كله، ثمة عدة أمور يُمكن باتباعها حماية أجزاء الوجه من الضرر. وحال الإصابة فإن العين، التي لا يُمكن إغلاق جفونها بشكل كامل ولا يُمكن ترويتها بكميات قليلة من الدمع بشكل متواصل، عُرضة للتأثر بالجفاف وحصول تهتك وقروح على سطحها الخارجي المواجه للهواء، خاصة القرنية. وهو ما يتطلب استخدام قطرات الدمع الصناعي، واستخدام أي وسيلة ممكنة لإغلاق العين وفق توجيهات الطبيب.

«كابل» عصب تعبيرات الوجه.. خامس الأعصاب الخارجة من الدماغ
ما قد يجمع بين جورج كلوني وبين رالف نادر ليس علاقة الأفلام بحماية المستهلكين، بل هو العصب الوجهي الخامس، إذْ سبق إصابة كليهما في مرحلة من حياته بشلل بلْ الوجهي.

والعصب الوجهي أشبه ما يكون بـ "كابل" هاتفي يحتوي على أكثر من 7000 خط عصبي. وكل واحد من هذه الخطوط العصبية يحمل ويُوصل نبضات كهربائية من وإلى أجزاء معينة ومحددة من عضلات الوجه.

ومن خلال التوجيهات القادمة من الدماغ، تصل تلك الرسائل، على هيئة نبضات كهربائية، إلى أجزاء عضلات أجزاء شتى من الوجه كي نبتسم أو نضحك أو تعبس تقاطيع وجه أحدنا أو نبكي. أي أنه بعبارة أخرى "عصب تعبيرات الوجه".

ليس هذا فحسب، بل إن العصب أيضاً يُغذي الغدد الدمعية في العينين، والغدد اللعابية في الفم. كما يُغذي عضلات عظم الأذن الوسطى. ويستقبل العصب أيضاً، كي يُوصل المعلومة للدماغ، تلك الأحاسيس بالطعم القادمة من مقدمة اللسان.

ولذا بالإضافة إلى جفاف العينين وجفاف الفم وضعف حاسة التذوق، فإن اضطرابات عمل هذا العصب أو قطعه أو تلف أجزاء منه، قد يُؤدي إلى درجات وأنواع من الضرر في كل من حركة عضلات أجزاء الوجه، وهي ما تبدو إما على هيئة شلل تام في الحركة أو ضعف فيها أو نشوء حركات ارتعاشية متكررة لأجزاء من الوجه.

وهو العصب الخامس بالنسبة لترتيب الأعصاب الخارجة من الجمجمة إلى بقية الجسم، والبالغة اثني عشر عصباً. ويسلك هذا العصب طريقاً معقداً جداً ومتعرجاً  في مساره، بدءاً من الخروج من الدماغ ووصولاً إلى المناطق المتفرعة والمتنوعة التي يجب أن يُغذيها أو يستقبل الرسائل منها.

وأحدى هذه المناطق عبارة عن مضيق في عظم الجمجمة، وتحديداً في المناطق الواقعة في الأذن. والتي قد يطولها نوع من الالتهاب، ربما بسبب الفيروسات، وينشأ تورم وانتفاخ في العصب على إثره، وبالتالي الضغط على العصب في ذلك المضيق العظمي الضيق، ومن ثم ظهور أعراض شلل بلْ الوجهي.

ولذا فإن إيضاح أهمية المعرفة بمجرى مسار العصب والمناطق المسؤول عن تغذيتها أو استقبال الرسائل منها، إنما هو لتسهيل فهمنا كيفية تشخيص الأطباء مختلف حالات إصابات هذا العصب. أي التي نفهم من خلالها لماذا ثمة أنواع متعددة من شلل الوجه ولماذا يُجري الأطباء على المرضى فحوصات عدة.