الدليل الكامل لمرض بطانة الرحم الهاجرة .. وعلاقتها بالعقم
قد يكون نزوح خلايا بطانة الرحم إلى خارج الرحم ظاهرة طبيعية، لكنها في بعض الأحيان تتسبب في حالة مرضية قد تكون بسيطة أو خطيرة جدا، وتسمى بمرض «البطانة الهاجرة»، وتخلق عند النساء هاجسا وخوفا من الألم ومن الإصابة بالعقم.
ومن المعروف أن الخاصية الطبيعية لخلايا بطانة الرحم هي النزف الدموي الشهري الذي يسمى بـ«الدورة الشهرية». إلا أن قطرات الدم قد تتجمع مسببة أكياسا دموية وتلصقا وندبا وأنسجة مرضية، تختلف أعراضها حسب المكان الموجودة فيه، وأهم عرض هو «الألم».
ومن أهم أماكن الاستيطان منطقة الحوض وبالذات منطقة المبيض، التي يمثل استيطانها نحو 70 في المائة، ثم تأتي الأماكن المجاورة الأخرى كجدار الحوض والمثانة والأمعاء ونحوها.
1. الحيض التراجعي: هذا هو التفسير الأكثر احتمالا، فقد وجد العلماء أن دم الحيض المحتوي على خلايا بطانة الرحم يتدفق من خلال قناة فالوب إلى تجويف الحوض، فيتسبب في هجرة هذه الخلايا والتصاقها على جدران منطقة الحوض، حيث تنمو وتنزف مع كل دورة شهرية.
2. نمو الخلايا الجنينية: توجد أحيانا بين الأنسجة المبطنة لتجويف البطن والحوض خلايا أصولية وجنينية قابلة للتحور إلى خلايا أخرى كخلايا بطانة الرحم، فتمارس نشاطها أيام الدورة الشهرية بنزيف والتهابات داخلية، أو تكون في المرأة منذ ولادتها ولكن تنشط عند البلوغ مع بدء نشاط هرمون الاستروجين في جسمها.
3. زرع الخلايا أثناء العمليات الجراحية: وهي العمليات التي يتم فيها فتح بطانة الرحم كالعملية القيصرية أو إزالة أورام من تجويف الرحم. قد ينتج عنها تناثر بعض خلايا بطانة الرحم على منطقة الحوض أو تحت الفتحة أو الشق الجراحي في جدار البطن. فتنمو في هذه المنطقة وتولد كتلة من هذا المرض تؤلم المرأة مع كل دورة شهرية.
4. الانتشار عن طريق الأوعية الدموية أو القنوات الليمفاوية: مما يؤدي إلى انتقالها من تجويف الرحم إلى مناطق أخرى بالجسم كالسرة والرئة وغيرهما.
5. خلل في جهاز المناعة: قد يصبح جهاز المناعة غير قادر على الاعتراف بهذه الخلايا في مكان الاستيطان الجديد فيقوم بتدميرها ونشوء ندبات والتهابات في هذه الأماكن، مما يؤدي إلى تلاصق الأنسجة بعضها ببعض سواء حول المبيض أو الأنابيب أو حتى الأمعاء والمثانة.
ونظرية أخرى تقول إن احتمالية الإصابة بهذا المرض تكون بسبب إفرازات هرمونية من جوف الرحم تتنقل إلى أماكن خارج الرحم، وبسبب تأثيرها الهرموني تحرض أنسجة أخرى على التحول إلى أنسجة شبيهة لتلك المبطنة لجوف الرحم. وعلى أي حال، فمن الثابت أن للعيوب المناعية والوراثية دورا مهما في حدوث هجرة بطانة الرحم.
- قد يكون تأخر الحمل أو العقم هو العارض الرئيس للمرض في نحو 70 في المائة من الحالات.
- آلام الدورة المبرحة من قبل سن العشرين والتي تمنع البنت من القيام بمهامها اليومية أو حتى الخروج للجامعة أو للعمل طيلة فترة الدورة، كما أن هذه الآلام قد تزداد شدة مع الوقت.
- آلام أسفل البطن في غير أوقات الدورة.
- آلام شديدة مع التبرز أو التبول خاصة وقت الدورة.
- بعض اضطرابات الدورة كنزول دم قبل موعدها أو غزارتها.
- بالنسبة للمتزوجات هناك آلام شديدة وقت الجماع مما يؤدي إلى رفضها له وبالتالي نشوء الخلافات الزوجية والانفصال أحيانا. وأوضح د. هشام عرب أن هناك بعض التفسيرات العلمية لهذه الآلام ولا تزال الأبحاث قائمة في هذا المجال:
- أي نقطة دم تقع في تجويف البطن تثير تفاعلا شديدا يظهر على شكل آلام. ولما كانت هذه الخلايا تفرز الدم كعادتها وقت الدورة الشهرية فإن وجود هذه القطرات الدموية في تجويف البطن أو الحوض يشعل المنطقة آلاما والتهابا.
- أحيانا يكون مكان هذه الخلايا الهاجرة فوق أطراف أحد الأعصاب في البطن فيثار العصب عند كل تحرك دموي أو غير دموي لهذه الخلايا.
- مع مرور الوقت وفي وجود هذه الإشارات الالتهابية وتفاعلات الأنسجة تكبر كمية الخلايا وتصبح ندبا ينتج عنها نسيج يسبب التلصقات، والتي من خاصيتها الألم عند شدها أو تحركها داخل البطن أو الحوض، والتي أيضا تُلصق طيات الأمعاء ببعضها بعضا، فعندما تتحرك الأمعاء يصدر الألم أيضا.
- هناك أيضا بعض المواد الكيميائية التي تفرزها هذه الخلايا المستوطنة والتي تثير آلام البطن كذلك.
- وفي بعض الحالات القليلة لا يوجد أي ألم أو شكوى تذكر عند المريضة.
عوامل مساعدة
هناك عدد من العوامل التي تزيد من الإصابة بالمرض:
- تأخر الحمل.
- إصابة إحدى القريبات (الأم أو الأخت) بالمرض.
- أي حالة طبية تمنع تدفق الطمث خارج الجسم.
- إصابة سابقة بالتهابات الحوض.
- تشوهات الرحم.
- البلوغ المبكر.
- اضطرابات الدورة الشهرية.
كما أن هناك عوامل تقلل من الإصابة بالمرض:
- الحمل.
- تأخر سن البلوغ.
- قلة نسبة الدهون في الجسم.
- التمارين الرياضية (4 ساعات أسبوعيا).
- بلوغ سن اليأس وانقطاع الطمث.
ولكن أهم ما في الموضوع من الناحية الجراحية هو أن يكون الجراح قادرا على إجراء اللازم حيال ما قد يجد من آثار مرضية والتعامل معها بالطريقة المثلى، لأن العلماء توصلوا مؤخرا إلى أن كثرة الجراحات لهذا المرض أو الجراحة بفتح البطن تؤثر على سلوكيات هذا المرض بصفة سلبية قد تتفاقم عند المرأة وتزيد من معاناتها.
ولهذا فمن المفروض أن تكون الجراحة التنظيرية الأولى هي جراحة تشخيصية وعلاجية في الوقت نفسه. ومن أجل ذلك فإنه يتحتم على الطبيب المعالج تقييم حالة المريض بالكامل قبل اتخاذ أي قرار جراحي.
درجات المرض
بالإمكان تقسيم شدة حالة المرض إلى ثلاث درجات بعد إجراء التشخيص المنظاري للبطن، وهي:
- البسيطة: وتتميز بوجود ندبات قليلة ومتفرقة لا يتعدى حجمهما مجتمعة 5 سم ولا توجد تلصقات.
- المتوسطة: وتتميز بزيادة الندب والأنسجة المستوطنة مع وجود تلصقات وبالذات حول قنوات فالوب والمبايض.
- الشديدة: وتتميز بكثرة الندب والأنسجة المستوطنة والتلصقات المتعددة المنتشرة في جميع منطقة الحوض مع ظهور أكياس البطانة الهاجرة الدموية في المبايض.
التقييم الشامل للمرض
يتألف التقييم الشامل لأي حالة مرضية من هذا النوع على النحو التالي:
- الاستماع الدقيق لشكوى المريضة وتحديد أعراضها التي من شأنها رفع الحس التشخيصي لدى الطبيب نحو هذا المرض.
- الفحص السريري المجدول، وهو عبارة عن عدة فحوصات معينة يجريها الطبيب حسب جدول معين ويعطي درجات متفاوتة حسب تقييمه لكل فحص ليتمكن من تحديد احتمالية وجود هذا المرض حسب النتيجة النهائية.
- الكشف بجهاز الموجات فوق الصوتية (الألتراساوند) وهو من أساسيات مراحل تقييم هذا المرض.
- الاستعانة بالكشف بالرنين المغناطيسي حسب الحاجة خاصة في الحالات المعقدة أو مع المرأة التي لم يسبق لها الزواج.
العقم وتأخر الحمل
ليس من الضروري أن تشكو كل مصابة بداء البطانة الهاجرة من العقم أو حتى تأخر الحمل، وبالذات المصابة بالدرجة البسيطة أو المتوسطة. ولقد عجز الأطباء حتى الآن عن تحديد مسببات هذا الرابط، فهناك أمثلة لنساء عانين من أشد مراحل هذا المرض ثم حملن في يوم ما بصفة طبيعية ومن دون تدخلات طبية.
ولعل أبسط تفسير لتأخر الحمل عند وجود هذا المرض هو تغير أو تشوه وضعية أعضاء المرأة التناسلية الداخلية وهي الرحم والأنابيب والمبايض بسبب التلصقات، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف مجرى البويضة وعدم تلقيحها أو دخولها قناة فالوب.
كذلك يرجع بعض الباحثين السبب إلى إفرازات ضارة تفرزها أنسجة هذه المستوطنات المرضية مما يخلق محيطا سيئا لحصول التلقيح أو حتى موت البويضة أو عجز الحيامن.
لعل من الشائع الاعتقاد بأن مرض البطانة الهاجرة يسوء مع مرور الوقت. لكن هناك بعض الأبحاث تشير إلى عكس ذلك في بعض الحالات والتي قد لا تسوء بل تتحسن مع مرور الوقت.
ببساطة وعند ثبوت وجود مرض البطانة الهاجرة يُنصح بالتالي:
أولا: في حالة عدم وجود ألم، مجرد متابعة لدى الطبيب من دون علاج، وقد يحصل الحمل في هذه الفترة.
ثانيا: في وجود الألم، هناك أمران:
- الحالات الشديدة: التدخل الجراحي بالمنظار في مركز متقدم وعلى يد جراح بارع في علاج هذا المرض. ثم محاولات التخصيب المساعدة لحدوث الحمل.
- الحالات البسيطة والمتوسطة: إعطاء العقاقير اللازمة (العلاج الدوائي) وهي مصنفة كالتالي:
- مسكنات الألم.
- حبوب منع الحمل المركبة (تحتوي على هرموني الاستروجين والبروجيسترون).
- دواء البروجيسترون الخاص بالبطانة الهاجرة.
- أدوية مضادة لهرمون الاستروجين وهي على شكل حبوب أو إبر شهرية لكن استخدامها مؤقت لا يتعدى 6 أشهر لأنها تؤثر على الأعضاء الحيوية عند المرأة وتسبب هشاشة العظام.
ولحصول الحمل يجب إيقاف جميع هذه الأدوية ومحاولة الحمل بصفة طبيعية أو بالأدوية المنشطة للمبايض أو طرق التخصيب المساعدة مثل التلقيح الصناعي أو الحقن المجهري.
هل العلاج مكلف؟ ولماذا؟
الجواب نعم، العلاج مكلف جدا مثله مثل علاج السرطان وأمراض القلب وجراحاته. لكننا نجد هناك مراكز متخصصة مدعومة من الدولة والحكومات متخصصة في علاج هذه الأمراض، أما مرض البطانة الهاجرة والذي يعادلها في التكاليف فليس له مركز متخصص مدعوم من الحكومات.
ولا ننسى أن هذا المرض مزمن وعلاجه يستمر لسنوات طويلة وفواتير العلاج تستمر هي أيضا.