اسبوع باريس تنقلات لا تنتهي .. وولاءات مغيبة
01:28 م - الأحد 6 أبريل 2014
عالم الموضة يتغير بين موسم وآخر، فما البال بين قرن وآخر؟ ما لا يختلف عليه اثنان أنه في الماضي كان يتمتع بشخصية أكثر إنسانية وحضارية، ربما لأن أغلب المصممين كانوا مؤسسين ومالكين لبيوتهم، لا يمكن أن يتعرضوا للاستغناء عن خدماتهم ولا تنتهي مهمتهم إلا بقرارهم التقاعد أو عندما يغيبهم الموت.
أما الآن، فنحن نتابع، بشكل موسمي تقريبا، ما يشبه لعبة الشطرنج يجري فيها تغيير مصممين أو تنقلهم من دار أزياء إلى أخرى، بعضهم تحت ستار التراضي والرغبة في خوض تجارب جديدة، وبعضهم الآخر مرغم وبشكل علني ومهين.
ولعل أكثر هذه التغيرات صدما كان خروج جون غاليانو من ديور منذ عامين تقريبا، نظرا للطريقة التي تمت بها العملية، مغضوبا عليه وشبه مطرود.
كان من الطبيعي أن يخلف خروجه ثغرة لا بد من ملئها، إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل فتح خروجه الشهية للمزيد من التنقلات والتغييرات.
وهكذا توالى الكثير منها، إما بحجة التطوير وضخ دم جديد، وإما لعدم الانسجام الفكري واختلاف وجهات النظر الفنية بين المصممين ورؤسائهم في المجموعات الضخمة المالكة لهذه الدور.
ورغم أن بعض هذه التنقلات صادمة فإنها أيضا مثيرة، تجعل الكل في باريس يحاول التكهن بمن سيقع عليه الدور مستقبلا وما إذا كان بعضها في محله أم لا.
كما تجعل المصممين متوثبين ويقظين، لا يعرفون للراحة طعما، حسب اعتراف بعضهم، لأن الوظيفة ليست للأبد، بل هي مؤقتة ويمكن أن يفقدوها في أي لحظة، لسبب من الأسباب.
طبعا يعود تعبهم أيضا إلى كونهم ينتجون نحو ثمانية تشكيلات في السنة لإرضاء السوق وتحقيق الربح التجاري.
في الموسم الماضي تابعنا خروج مارك جايكوبس من «لوي فويتون» بعد 17 سنة تقريبا.
أمر استغربه الجميع، كونه حقق لها الكثير من النجاحات، بعد أن كانت قبله معروفة بالإكسسوارات الجلدية فقط. عندما التحق بها في عام 1997 أدخلها إلى مجال الأزياء الجاهزة، حيث كان أول من أطلق هذا الخط فيها.
ورغم نجاحه في هذا المجال، بقيت الإكسسوارات الدجاجة التي تبيض ذهبا لمجموعة «LVMH» المالكة، ويعود الفضل في هذا إلى استراتيجيات مهمة، منها تعاونه مع فنانين معروفين ورفض المجموعة خفض أسعارها في موسم التنزيلات مثل باقي الماركات وغيرها من الاستراتيجيات الناجحة.
ومع ذلك، لم يشفع له النجاح التجاري والفني، بعد أن رأت الدار أن الوقت قد حان لضخها بدم جديد يحرك مياهها التي باتت تشهد ركودا في الآونة الأخيرة.
أما هو، فأعرب عن رضاه بالقرار، وقال إن الاتفاق كان حبياً، وإنه يريد التركيز على خطه الخاص ليرقى به إلى مستوى أعلى.
وهكذا خرج مارك جايكوبس ليدخل نيكولا غيسكيير.
مصمم، كما يعرف الجميع، كان يمسك بزمام دار بالنسياغا وقضى فيها 15 عاما.
نفض عنها غبار الزمن، وأعاد إليها بريق أيام زمان باستعماله لغة عصرية تخاطب فتيات من جيل شاب، ومع ذلك خرج منها غير راض تماما.
وفي آخر يوم من أسبوع باريس لخريف وشتاء 2014، دخل مرة أخرى تاريخ الموضة بتقديمه تشكيلته الأولى لدار «لوي فويتون» في عرض مثير ترقبته أوساط الموضة بفارغ الصبر، ولم يخيب الآمال.
غيسكيير، لم يخف سعادته عندما حصل على الوظيفة الجديدة، إذ صرح بأنه يطير من الفرح وعلى أتم الاستعداد أن يكتب فصلا جديدا في تاريخ الدار الفرنسية.
وأضاف: «أصبح لي الآن ميدان خاص ألعب فيه لسنوات».
وبالنظر إلى ما قدمه أمس، فإن هذا الميدان واسع وإمكانياته كبيرة لنتوقع إبداعات مثيرة منه في المستقبل.
من التغييرات الأخرى في عالم الموضة، شهدنا مؤخرا التحاق مصمم دار روشا، ماركو زانيني بدار سكياباريللي، التي يملكها الملياردير الإيطالي دييغو ديلا فالي.
بعد أن بحث هذا الأخير طويلا عمن يمكن أن يعيد لها بريقها، لم يجد أفضل من زانيني الذي قدم لها أول تشكيلاته في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، خلال أسبوع باريس لـ «الهوت كوتير» بحكم أن الدار متخصصة في هذا المجال ولا تنوي التوسع إلى الأزياء الجاهزة في الوقت الحالي على الأقل.
ورغم أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم عليه، ولم ترق تشكيلته لفنية مؤسسة الدار إلسا سكياباريللي، التي تعتبر واحدة من أهم المصممات في القرن العشرين ولها بصمات فنية واضحة، إلا أن الآمال معقودة عليه ولا تزال أمامه فرص أخرى لإثبات نفسه وتشرب أسلوب الدار.
خليفته في دار روشا هو المصمم الإيطالي اليساندرو ديل أكوا.
أما دار باكو رابان، فلا تزال تتخبط باحثة عن مصمم جديد يعوضها عن خروج مانيش ارورا، فيما توفقت دار سونيا ريكيل بالمصمم جيرالدو دا كونستشاو، الذي سبق له العمل مع لوي فويتون، ميوميو، إيف سان لوران.
وفي حين فقدت دار لويفي الإسبانية مصممها البريطاني ستيوارت فيفيرز، الذي التحق بشركة كوتش الأميركية، فإنها ما لبثت أن كسبت الأيرلندي جوناثان أندرسون الذي أخذ مكانه.
ولن يكون هذا آخر التغييرات، فإن تغير ثقافة عالم الموضة ومتطلبات الأسواق العالمية، وما يعنيه هذا بالنسبة للمصممين من عمل شاق لا يتوقف، تجعل الكل في حالة توثب.
ما إن تبدو على الواحد منهم علامات التعب أو يتوقف ليلتقط أنفاسه حتى يخسر مكانه. وهذا بدوره خلق نوعا من عدم الولاء من قبلهم، فما إن يحصلوا على عرض أفضل حتى يقبلوه، وهو ما لا يمكن لأحد أن ينتقدهم عليه. فالمسألة الآن مسألة عرض وطلب كما كل شيء في الموضة.