العرق .. مكيف هواء طبيعي داخل جسم الإنسان
مثلما هو الحال عند خط النهاية في سباق سيارات طويل كان رصيف نفق تايمز سكوير ذات ظهيرة حارة غاصا بالمارة المبللين بالعرق تحت وطأة الحر للمشاركة في دراسة تتعلق بالتعرق. من يصدق أن كل المعانين من الحر يمتلكون النموذج نفسه من مكيف الهواء الشخصي يعمل بكل قدراته.
العرق هو التبريد الداخلي لأجسادنا. والماكنة تخرج أحيانا قطرات العرق وأحيانا تؤجل خروجها: الانتظارات الطويلة على أرصفة مخدرة قادرة على التفكير في الكيفية التي سيستمر الجهاز فيها بالعمل مع تزايد سخونة كوكب الأرض، لكن الخبراء متفائلون: «جهاز تعرقنا قوي وقابل على التكيف بل وحتى قابل على إعادة إنتاجه على يد مهندسين يعملون لجعلنا مستقبلا نعرق بطريقة أكثر ارتياحا».
لكن أجسام البشر تعمل ضمن مدى محدود من درجات الحرارة المفضلة، نحن نستطيع تحمل التبريد الزائد ونستطيع أن نشفى من فترات انخفاض حرارة الجسم إلى 20 أو أكثر تحت المعدل الطبيعي، لكننا لا نمتلك قدرة كبيرة على تحمل درجات الحرارة العالية
يبدأ الدماغ بالعمل بطريقة سيئة عند ارتفاع درجات حرارة الجسم بمقدار 7، مع الإصابة بالحمى، فبلوغ الجسم درجة حرارة تساوي 110 فهرنهايت، التي تزيد عن حرارة الجسم العادية بمقدار 12 درجة فوق المعدل الطبيعي، غالبا ما تقارن مع حدود القدرة على البقاء حيا. لذلك فإن مكيف الهواء الداخلي هو أساسي بالنسبة لتبديد الحرارة المتولدة عن عملية الأيض في الجسم وللتخفيف من الحرارة التي يمتصها الجسم خلال موسم الصيف القائظ.
تقول الانثروبولوجية نينا جابلونسكي في كتابها الأخير «الجلد» إنه «العرق الذي جعل البشر على ما هم عليه اليوم. فمن دون غدد العرق لن يكون ممكنا إبقاء حرارة اجسامنا معتدلة، فلو بقينا نفرز عرقا كثيفا مثل السابق لبقينا مثل أسلافنا مغلفين بطبقة كثيفة من الشعر ونعيش حياة أقرب إلى حياة القردة».
وإذا كان الفرو يمنع العرق من تبريد الجسم فإن الحيوانات ذات الفرو لديها طرق أخرى لفقدان الحرارة الزائدة في أجسامها. فالغدد العرقية لدى البشر ـ حسب الدكتورة جابلونسكي ـ تطورت مع اختفاء الشعر عن أجساد البشر، وهذا ما سمح بتبريد أفضل للدماغ البشري ذي الحجم الاكبر مع حياة أكثر حيوية حتى تحت أشعة الشمس الحارقة.
بالنسبة للأعمال التي تقتضي الجلوس لفترات طويلة في طقس معتدل لا يحتاج الناس إلى أن يعرقوا مثلما هو الحال حينما تزيد عمليات الأيض فترتفع درجات الحرارة في الجسم، ما يدفع بالحرارة للتحرك من أوعية الدم القريبة من سطح الجلد إلى الهواء المحيط. ولأن الجلد ليس مانعا للماء تماما فإن بعض الماء يتبخر من خلايا الجلد، ما يضيف قدرا قليلا من التبريد للجسم البشري.
لكن حينما يمارس الشخص تمارين جسدية معينة تبدأ العضلات آنذاك بتوليد حرارة كثيرة يقوم الهواء بامتصاصها، وهذا يحدث أيضا حينما ترتفع درجات الحرارة إلى التسعينات على المقياس الفهرنهايتي حيث يكف الجلد عن فقدان الحرارة ويبدأ بامتصاصها من الخارج بدلا عن ذلك. ثم تبدأ أعصاب التحسس بالحرارة في الجلد وفي داخل الجسم بإخبار الدماغ كي يقوم بإطلاق فيض من العرق كي يتم التبخير والتبريد.
بشكل عام يظل معدل التعرق في الجسم البشري متماثلا مع فروق بسيطة. فبالنسبة للملابس ليست بالضرورة أفضل وسيلة للتعرق. ففي دراسات عن الحرب العالمية الثانية استخدم الباحثون متطوعين وأجلسوهم فوق صناديق خشبية في صحراء كاليفورنيا وبعضهم كان يرتدي الثياب العسكرية الزيتونية اللون، فيما آخرون بملابس خفيفة، وآخرون شبه عراة.
واتضح أن الأخيرين كانوا يعرقون أكثر من غيرهم بنسبة 30% وهذا مؤشر على أن بشرتهم غير المحمية كانت تمتص الحرارة من المحيط الخارجي.
ولذا ربما يحذر ابناء المدن من ان شبه التعري في ارصفة مترو الانفاق يأتي بنتيجة عكسية، مثل التهوية بشدة والتحرك اذا ما تأخر القطار.
ماذا سيحدث مع ازدياد حرارة الكرة الارضية وتطلب المزيد من الغدد العرقية؟ لا مشكلة، كما يقول الخبراء: يمكن ان يغير النظام طاقته على العمل وينتقل الى مرحلة اعلى.
ويطلق على ذلك اسم التكيف، وكثيرا ما نشاهده بين ممارسي العاب القوى الذين يتدربون في مناخ حار. ففي البداية ترتفع درجات حرارتهم الداخلية، ويبدأون في التعرق بكميات كبيرة، ويفقدون كميات من الاملاح خلال تلك العملية ويشعرون بالارهاق.
ولكن مع مرور الايام يتعرقون اكثر، ولكن تقل كميات الاملاح التي تخسرها اجسادهم، وتنخفض درجة الحرارة الداخلية ودرجة حرارة الجلد وتزداد قدرتهم على التحمل. ويعكس التكيف الحراري غددا اكبر واكثر قدرة على الافراز: ففي القردة التي تتعرض لحرارة مستمرة ورطوبة، يتضاعف حجم الغدد العرقية بعد شهرين فقط.
ويحتاج الامر لأسبوع واحد بالنسبة للمجموعة التي جرى عليها البحث في صحراء كاليفورنيا لتطوير معدلات تعرق أعلى، وانخفاض معدلات النبض ودرجة حرارة المؤخرة. ويمكنهم العمل بطريقة مريحة اكثر.
وقال الدكتور كريغ كراندال خبير التكييف الحراري في جامعة تكساس الي ان الدفء الحراري سيمكن ان يكون اقل تأثيرا حراريا بالنسبة لشخص اكثر من انتقاله من كندا الى فلوريدا، بعدد سكانها الاكبر والاكثر كفاءة.
واذا ما اصبح العالم اكثر تعرقا فإن بعض المهندسين سيمكنهم الاستمرار. فقبل عامين، استكمل فريق في مختبرات الطاقة المتجددة في وزارة الطاقة الاميركية في كولورادو من استكمال نموذج اطلق عليه اسم «آدم» يعرق مثل الانسان ويمكنه الشكوى ايضا.
وكان جسد النموذج «آدم» مغطى بـ 120 منطقة تعرق وقياسا للحرارة، وينساب الماء من خزان داخلي عبر الجلد. وهو مرتبط بكومبيوتر يشكل برنامجه منطقة «الهيبوثالموس» وتتراوح البرامج الاخرى المعتمدة على رد الفعل على مجموعة من درجات الحرارة تقدم تقديرات عن مدى راحته في مواقف مختلفة.
وقد تم تصميم «آدم» للمساعدة في خفض استهلاك السيارات من الوقود بتقييم الوسائل الكفيلة للحد من استهلاك تكييف الهواء.
وكان موجودا في موقف سيارات تحت الشمس، وقد تعرق كثيرا في ظهره مثل أي سائق سيارة.
وقد ساهم «أدم» في تقييم ملابس رواد الفضاء التي يرتدونها تحت ملابسهم، والاجهزة لتدفئة الجنود المصابين في المعارك.
وهو الان عاطل عن العمل، ويبحث عن وظائف اخرى تحاكي الخبرات الانسانية في درجات الحرارة المتطرفة، كما قال روف.