الذئبة الحمراء .. أخطر أمراض اضطراب الجهاز المناعي
خاص الجمال - سماء هاني
الذئبة الحمراء الجهازية هى خلل فى جهاز المناعة والذى قد سيبب أعراض الألتهاب المزمن، وقد يؤثر على معظم أعضاء الجسم كالجلد والمفاصل والكلى والرئة والجهاز العصبى. ويعود اسم الذئبة الحمراء إلى أوائل القرن العشرين، وكلمة الذئبة مشتقة من اللغة اللاتينية (lupus) وهي تصف الطفح الجلدي على وجه المريض، والذي يذكر الطبيب بالعلامات البيضاء الموجودة على وجه الذئب، اما كلمة الحمراء فمشتقة أيضاً من اللغة اللاتينية (erythamatosus)، وهي تصف لون الطفح الجلدي.
ولا يزال سبب الذئبة الحمراء غير معروف إلا أنه مرض من أمراض اضطراب الجهاز المناعي، ويعرف اختصارا بمرض الذئبة، وهو مثال تقليدي لأحد أمراض المناعة الذاتية والتي يقوم جهاز المناعة فيها بمهاجمة أنسجة الجسم عن طريق إنتاج أجسام مضادة لمكونات معينة لنوى الخلايا، مثل الحمض النووي (DNA).
يعمل هذا المرض على مهاجمة الأنسجة الضامة في الجسم كما لو كانت غريبة، مما يؤدي الى إصابة أو تدمير كما في بعض الحالات أعضاء حيوية كالكلى والمفاصل والمخ والقلب.
لكن هنالك اعتقاداً بأن تفاعل بعض العوامل الوراثية الجينية مع بعض العوامل البيئية هو المسبب لهذا الاضطراب في الجهاز المناعي. وربما حدوث اضطراب الهرمونات عند البلوغ أو التعرض لأشعة الشمس أو الإصابة ببعض الفيروسات أو تناول بعض الأدوية من أشهر العوامل التي تؤدى إلى الإصابة بالمرض.
يصيب المرض شخصاً واحدا من كل ثلاثة آلاف الى أربعة آلاف شخص تقريبا فى الولايات المتحدة، ويصيب ذوي البشرة الداكنة أكثر مما يصيب البيض أو ذوي البشرة الفاتحة بمعدل ثلاث مرات تقريبا. وتكون الغالبية العظمى من النساء في سن الإخصاب (بين الخامسة عشرة والخامسة والأربعين من العمر) ونسبة إصابة السيدات الى الرجال ( 9 الى 1) ولكن في الأطفال وقبل سن البلوغ تكون نسبة المرض في الذكور أكثر من الإناث.
مرض الذئبة يمكن أن يصيب أي جزء بالجسم تقريبا. فإذا أصاب الجلد فقط، فإن هذه الحالة تسمى إما الذئبة الحمراء الجلدية تحت الحادة وإما الذئبة شبه القرصية بناء على نوع الطفح الموجود.
في اغلب المرضى يكون مرض الذئبة طفيفا، وحوالي 20% من المرضى يشفون منه تلقائيا. وكثيرون آخرون يعيشون حياة شبه طبيعية رغم وجود الأعراض المزمنة.
وهذا قد يؤدى الى تفاقم الألتهاب لدى الشخص والذى يشمل العديد من أعضاء الجسم، معتمدا على عدة سمات معينة لهذه الأستجابة المناعية الذاتية المستديمة لدى المريض. كما ان مجموعة الجينات الفعلية التى قد تؤدى بالفرد الى الأصابة بالذئبة الحمراء الجهازية تختلف من مريض لآخر ،ولكن قد تتشابه فى سمات محددة التى تعمل على التقليل من قدرة الجسم على التخلص من هذا النمو المتزايد لدى الجهاز المناعى.
فالسمة الرئيسية للذئبة هى الأستجابة المناعية الذاتية، حيث يوجد عوامل مناعية تعرف بالأجسام المضادة الذاتية التى تهاجم خلايا الأنسان. فبعض هذه الأجسام المضادة تكون طبيعية فى حالة توازن جهاز المناعة ، وتعمل على مساعدة الجسم على التخلص من الفضلات و تجنب العدوى بالأمراض والحفاظ على الأوعية الدموية سليمة.
وقد تم توصيفها للمرة الأولى عام 1828م ، كما أن يمكن وصفها من خلال اسمها حيث أن:
- جهازية:
حيث أن المرض يمكن أن يؤثر على الأجهزة والأعضاء فى جميع أنحاء الجسم.
- الذئبة:
وتشير الى الطفح الجلدى الذى يمتد عبر قصبة الأنف وعظام الخد العلوى، وسميت بالذئبة لأنه يعتقد أن تشبه عضة الذئب.
- الحمراء:
وتشير الى لون الطفح الجلدى.
تبدأ أعراض المرض في الظهور تدريجياً خلال فترة تتراوح ما بين الأسابيع إلى الشهور وفى بعض الأحيان لسنوات. تتفاوت أعراض المرض بدرجة كبيرة تبعاً لنوع الأنسجة المصابة ودرجة إصابتها، وعادة ما تكون الأعراض الأولية المبكرة للمرض أعراضاً عامة كالحمى والإعياء والآلام الجسدية وفقدان الشهية ونقصان الوزن والغثيان والشعور بالتوعك.
ومع مضي الوقت تبدأ الأعراض المميزة أو المتخصصة للمرض وتكون نتيجة إصابة أعضاء متعددة من الجسم مثل الجلد والذي يكون في صورة طفح جلدي، حساسية غير طبيعية لأشعة الشمس حتى بعض التعرض المحدود لها، ويصاب آخرون بقروح في الفم والأنف وتقرحات جلدية تشبه قطع النقود، وقد يأخذ الطفح الجلدي على الوجه شكل الفراشة والذي يظهر عبر الأنف والخدين.
كذلك قد يحدث تساقط في الشعر وفي بعض الأحيان يتغير لون الأصابع من الأحمر إلى الأبيض ثم الأزرق عند التعرض للبرد وهو ما يعرف بظاهرة رينودز. قد تثار أعراض الذئبة في أي وقت وتندلع هذه الأعراض غالبا جراء التعرض للأشعة الفوق بنفسجية الصادرة من الشمس، أو نتيجة التعرض لضغوط عاطفية ونفسية، أو الإعياء أو عوامل أخرى.
ومن الأعراض الأخرى أيضاً التهاب المفاصل وتورمها، مع آلام في العضلات وقد تشتد على المريض معيقة حركته بسبب التورم وأحيانا ما يحدث تلف دائم بالمفصل. وفي حال أصيبت خلايا المخ والجهاز العصبي تحدث حالات شديدة من الصداع، نوبات تشنجية وهلوسة وبطء الحركة والإحساس، ومع ذلك فالأكثر شيوعا هو إصابة المريض بخلل وظيفي ذهني أقل شدة من الاكتئاب أو تدهور التركيز الذهني.
والأعراض يمكن أن تتطور ببطء أو تظهر فجأة، كما أن العديد من المرضى يعانون من ألتهابات حيث تتفاقم الأعراض وتظهر فجأة ثم تختفى بعد ذلك ولفترة طويلة من الزمن.
العرقية:
فأن الآفارقة الأمريكيين يصابون بالمرض من ثلاثة الى أربع أضعاف القوقازيين، أيضا الآسيويين هم أكثر عرضة للأصابة بالمرض. أما النساء وخاصة الآفارقة الأمريكيين ونساء آسيا، فهن أكثر عرضة للأصابة بمرض الذئبة الحمراء.
تاريخ الأسرة:
فأن تاريخ الأسرة يلعب دورا هاما فى مرض الذئبة الحمراء الجهازية، فأن أخو أو أخت المريض يمثل 20 مرة من نسبة الخطر عن أى شخص آخر مصاب بالمرض خارج العائلة.
عوامل الخطر عند الأطفال: يندر هذا المرض فى مرحلة الطفولة، ولكن اذا حدث يكون نتيجة انخفاض مستويات الصفائح الدموية، أيضا قد يحدث نتيجة تناول بعض العقاقير بما فى ذلك الـ minocycline و الـ zafirlukast .
يكون مرضى الذئبة أيضا عرضة الى اضطرابات خلايا الدم، ويعود ذلك لمهاجمة الأجسام المضادة خلايا الدم المتخصصة كخلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح مسببة فقر دم وجلطات دموية في الأوردة والشرايين قد تؤدي الى عواقب وخيمة كالسكتة الدماغية.
يعتمد تشخيص المرض على اجتماع ظهور الأعراض مع نتائج الاختبارات وبعد استبعاد الأمراض الأخرى، وللمساعدة في التفرقة بين مرض الذئبة الحمراء والأمراض الأخرى وضع أطباء الكلية الأميركية للروماتيزم لائحة مكونة من 11 عرضاً والتي تمثل أكثر الأعراض شيوعاً في مرض الذئبة ولتشخيص المرض يجب ظهور 4 أعراض من بين الأحد عشر عرضاً في أي وقت منذ حدوث المرض.
ويتم تأكيد التشخيص بالفحوصات المخبرية وتحديد مدى إصابة أعضاء الجسم، فاختبارات البول والدم الدورية تساعد على تقييم نشاط وشدة المرض، كما تحدد مدى استجابة جسم المريض للأدوية المستخدمة وبيان أية أعراض جانبية قد تظهر خلال فترة العلاج.
ومن الفحوصات على سبيل المثال لا الحصر، سرعة ترسيب كريات الدم الحمراء ومعامل البروتين المتفاعل - س وكلاهما يزيد مع الالتهاب، صورة كاملة للدم لبيان وجود فقر دم (أنيميا) وعدد صفائح الدم وكرات الدم البيضاء، والفحوصات الكيميائية التي توضح مدى تأثر بعض الأعضاء خاصة الكلى، أو الكبد حال ارتفاع في منسوب إنزيمات الكبد، أو العضلات حال ارتفاع إنزيمات العضلات.
كذلك قد يساعد أخذ عينة من الجلد على تشخيص التهاب الأوعية الدموية في الجلد وطبيعة أنواع الطفح الجلدي. كذلك قد يحتاج الطبيب المعالج إلى عمل أشعة عادية على الصدر للكشف عن القلب والرئة، تخطيط وتصوير بالأشعة الصوتية للقلب، إجراء فحص وظائف التنفس لتقييم مدى كفاءة الرئتين، رسم مخ لبيان مدى تأثر خلايا المخ حال وجدت الأعراض بالمرض، وعمل أشعة رنين مغناطيسي للمخ وأخذ عينات من الأنسجة المختلفة.
وتبقى مشكلة أخرى تحدث في أثناء الحمل وهي نادرة الحدوث ولكنها مهمة حيث إنها تصيب الجنين وهي احتمال تسرب بعض الأجسام المضادة من دم الأم عبر المشيمة إلى الجنين، وقد تمثل خطورة إذا أصابت الضفيرة العصبية لقلب الجنين ونستطيع أن نمنع هذه المتاعب في أثناء الحمل بإعطاء الأم أدوية تنتقل للجنين. أما الرضاعة الطبيعية فهي ممكنة إذا كانت المريضة تعالج بمضادات الالتهاب أو جرعات صغيرة من الكورتيزون ولكن يجب تجنبها في حالة استعمال مثبطات المناعة.
- عند حدوث أى اصابات أو عدوى ، فأن خلايا الدم البيضاء سوف تساعد الجسم على التخلص من أى بروتينيات دخيلة كالفيروس مثلا.
- كتل خلايا الدم التى تتجمع فى المناطق المصابة ، تنتج عوامل تساعد فى المحاربة ضد الأصابات.
- فى حالة الألتهاب وتلف بعض الأنسجة السليمة، يقوم جهاز المناعة بمداواة الجروح عن طريق تجميد نزيف الأوعية الدموية وعمل بقع تشبة الألياف الى الأنسجة.
- ان الجهاز المناعى فى حالة الظروف الطبيعية لديه عوامل خاصة تساعد على السيطرة والحد من عملية الألتهاب.
- مضادى الألتهاب: ان خلايا الدم B و T من المكونات الهامة للجهاز المناعى، فقد يلعبا دورا هاما فى الألتهاب المصاحب للذئبة.
معظم أعراض الذئبة تحدث نتيجة للالتهاب ولذلك يكون هدف العلاج هو تقليل هذه الالتهابات وبصفة عامة هناك 4 مجموعات من الأدوية هي الأكثر استخداماً في علاج الأطفال المصابين بمرض الذئبة الحمراء وهي:
- مضادات الالتهاب اللا ستيرودية:
كالأسبرين والذي لا يستخدم كثيرا الآن إلا في حالة وجود ارتفاع نسبة مضادات الدهون الفسفورية لمنع تجلط الدم. والفولتارين والبروفين وغيرها وتستخدم هذه الأدوية للسيطرة على آلام المفاصل وينصح باستخدامها لفترات قصيرة ويتم تقليل الجرعة مع بدء تحسن التهاب المفاصل.
- مضادات الملاريا:
كالهيدروكسي كلوروكوين ومع عدم معرفة طريقة عملها إلا أنها مفيدة جداً في علاج أنواع الطفح الجلدي الذي يظهر في مرض الذئبة الحمراء ويبدأ التأثير الإيجابي للدواء بعد فترة قد تستغرق عدة شهور.
- الستيرويد:
والذي يعتبر العلاج الأساسي لمرض الذئبة الحمراء خاصة في المرحلة الأولى من المرض لتقليل الالتهاب والحد من نشاط الجهاز المناعي، وتتراوح فترة استخدام هذا العقار ما بين الأسابيع والشهور وفي أغلب الأحوال قد يحتاج المريض إلى العلاج بهذا الدواء لسنوات عديدة. وتعتمد الجرعة الأولى وعدد تكرارها اليومي على شدة المرض والأعضاء المصابة، وقد يحتاج بعض المرضى جرعات كبيرة من الكورتيزون سواء عن طريق الفم أو الحقن في الوريد وذلك في حالات إصابة الجهاز العصبي أو الكلى، كذلك في حالات الأنيميا الناتجة عن تكسير كرات الدم الحمراء.
ويشعر المريض بتحسن كبير في خلال أيام من بداية العلاج الستيرويد ويتم تقليل جرعة العقار تدريجياً بعد السيطرة على المرض مع تكرار التحاليل للتأكد من السيطرة على نشاط المرض حتى يصل المريض إلى أقل جرعة ممكنة وفعالة في نفس الوقت في السيطرة على المرض.
- مثبطات المناعة:
والتى تعمل بطريقة مختلفة عن الكورتيزون إذ إنها تعمل على تثبيط الجهاز المناعي وتقليل نشاطه. وتستخدم هذه العقارات حينما يكون الستيرويد وحده غير قادر على إيقاف نشاط المرض أو عندما يسبب الستيرويد أعراضاً جانبية خطيرة. منها الأزاثيوبرين وسيكلوفوسفاميد وهي تساعد أيضا على التقليل من الاعتماد على الكورتيزون وقد تقلل من التلف الذي يصيب الأعضاء الملتهبة كالكلى.
وعادة ما ينصح باتباع وسائل الرعاية الذاتية للإقلال من نوبات نشاط المرض، فتقليل التوتر والموازنة بين الراحة والمجهود وتناول الطعام الصحي والدعم العائلي مما يساعد كثيراً على مواجهة المرض.
في نسبة قليلة من مرضى الذئبة تتعذر السيطرة على المرض وتتسبب مضاعفاته في الوفاة في حوالي 2 الى 3% على الرغم من كل الجهود العلاجية المبذولة.
حقيقة لا يوجد دواء معين يمكن أن يساعد فى العلاج من الذئبة الحمراء، ولكن هناك عدة أدوية تسهم فى السيطرة على الأعراض والتخفيف من عدم الراحة. ان عملية اختيار الأدوية تعتمد على شدة حالة المريض فضلا عن عوامل أخرى. فالمرضى الذين يعانون من حالة بسيطة من المرض يمكن أن يستخدموا أدوية الـ nonsteroidal المضادة للألتهاب، ولكن بالنسبة لمرضى الحالات الحرجة فقد يحتاجون الى corticosteroids أو immunosuppressants.
تغيير نمط الحياة ضروري للتعايش مع المرض
- البقاء فى نشاط دائما:
ان الأشخاص المصابين بالذئبة الحمراء الجهازية يجب عليهم البقاء فى حالة صحية نشطة وسليمة، وذلك بممارسة بعض التمرينات وأخذ قسط كاف من الراحة وهذا لأبقاء القلب فى حالة جيدة.
أيضا فأن المحافظة على العلاقات الأجتماعية والأنشطة الصحية قد يساعد على منع الأكتئاب والقلق المرتبط بهذا المرض.