الوداع الأخير .. تشكيلة مارك جايكوبس لربيع وصيف 2014 الأخيرة له مع «لوي فويتون»
01:49 م - الإثنين 7 أكتوبر 2013
انتهت دورة الموضة لربيع وصيف 2014 في باريس بعرض مؤثر كان بطله مارك جايكوبس بلا منازع. بعد أشهر من التكهنات والإشاعات التي لم يرد أحد أن يصدقها من قبل، انتاب الحضور، منذ أن وطئت أقدامهم القاعة المنصوبة بالقرب من متحف اللوفر، شعور بالحزن سبب اللون الأسود الذي طغى على كل جوانبها من السقف إلى الأرض والكراسي.
كان المكان مظلما يصعب معه الوصول إلى المقاعد من دون مساعدة. بدأ العرض ولم يعد أحد يحتاج إلى تأكيد، فاللون الأسود الذي اقترحه المصمم في كل قطعة، إضافة إلى عودته إلى عروض سابقة للاستلهام منها وتذكيرنا بها، كان رسالة بليغة وحزينة في الوقت ذاته، تنعي خروجه من الدار التي حمل مشعلها وسوق لنا منتجاتها لـ16 سنة.
«لوي فويتون» قبله كانت تشتهر بالمنتجات الجلدية، خصوصا حقائب السفر، وما إن دخلها حتى حولها إلى واحدة من أشهر بيوت الأزياء في العالم. صحيح أن الحقائب لا تزال الدجاجة التي تبيض ذهبا وتحرك الأزياء، لكن ما من أحد ينكر أن مارك جايكوبس نجح في أن يحفر لها مكانة مهمة بين بيوت أزياء فرنسية عريقة مثل «شانيل» و«ديور» وغيرهما.
بيد أن لكل قصة نهاية، وهكذا بعد 16 سنة وجد مارك جايكوبس نفسه، كما يقول، في حاجة إلى الاهتمام بداره الخاصة «مارك جايكوبس» وخطه الأصغر «مارك باي مارك جايكوبس» والعمل على جعلهما ماركتين عالمتين، علما بأن «إل في إم إش» تملك نسبة كبيرة من الأسهم فيهما وأعربت عن نيتها أن تجعل هذا المشروع واقعا.
ولأننا في عالم الموضة، حيث ما إن تنتهي حتى تبدأ أخرى مع المزيد من التكهنات والتأويلات، فإن هذه الأسباب لم تكن وحدها وراء هذا الفراق الأليم، الذي عبر عنه عرض ساده السواد والدموع يوم الأربعاء الماضي. ولا بد من الإشارة إلى أن تراجع مبيعات «لوي فويتون» في الآونة الأخيرة قد يكون سببا أدى إلى هذه النتيجة، لا سيما أننا في زمن لا تقبل فيه المجموعات المالكة لأي بيت من بيوت الأزياء عدم تحقيق الربح.
وللأسف، فإن النجاح الكبير الذي حققته منتجات «لوي فويتون» وعلى رأسها حقائب اليد، كان له ضريبة سلبية على المدى البعيد. ضريبة أضرت بصورتها، خصوصا في الأسواق الآسيوية التي ظلت لفترات، ولا تزال بعض طبقاتها، مهووسة بنقوشاتها ومدمنة عليها.
والنتيجة أن هذا الهوس أجج تقليدها، وطرحها في الأسواق بأسعار زهيدة جعل باقي الطبقات تبتعد عنها بالتدريج. بالنسبة لهم، فقدت هذه الابتكارات بعضا من بريقها وتميزها في وقت أصبح التفرد والتميز أهم عنصرين لتسويق أي منتج مترف.
ورغم أن الدار انتبهت إلى هذه النقطة وحاولت تجاوزها بالابتعاد عن «اللوغوهات» والتركيز على الحرفية، فإن أرقام المبيعات بقيت مكانها لم تتحرك إلى الأحسن.
ومع ذلك، فإن المؤكد أن التشكيلة التي قدمها مارك جايكوبس لربيع وصيف 2014 في قاعة «لوكاريه» بالقرب من متحف «اللوفر» ستحقق نجاحا تجاريا كبيرا، ليس لأنها أنيقة أو لأنها باللون الأسود الذي لا تمل منه المرأة فحسب، بل لأنها آخر تشكيلة له للدار.
وهذا وحده سيجعلها استثمارا تريد أي واحدة منا أن تستأثر به وتتفاخر بها في المستقبل، عدا أنها تجسد في كل غرزة وتفصيل من تفاصيلها عشقا أميركيا لباريس، بما في ذلك بنطلونات جينز التي تعد على أصابع اليد الواحدة وجرى تنسيقها مع «تي - شيرتات» من الدانتيل الشفاف أو مرسومة بالغرافيتي.
فقد صب فيها مارك كل عشقه وإمكاناته وكأن كل كيانه يقول إن عليه أن يفارق الدار وهو في القمة، وبالفعل طوال الـ15 دقيقة، وهي مدة العرض، ترك تأثيرا سيذكر لسنوات، ويذكرنا بأن مارك، النيويوركي الشاب، هو الذي أطلق أول خط أزياء لـ«لوي فويتون»، مما سيجعل مهمة من يخلفه صعبة إلى حد ما.
فمارك يعشق ثقافة الشارع ويتقن ترجمتها في تصاميم أنيقة بلمسة باريسية لم يكن أحد يتوقع أن يتقنها بسرعة، خصوصا أنه كان المصمم الذي بدأ موجة «الغرانج» في الولايات المتحدة.
كان ذلك في بداية التسعينات من القرن الماضي، وكادت هذه الموجة تقضي على مستقبله، حيث أدت إلى طرده من دار «بيري إيليس»، إلا أن إيمانه بفكرته وثقة «لوي فويتون» بإمكاناته عندما فكرت في إطلاق أول تشكيلة أزياء تحمل اسمها فتح له عالم الموضة على مصراعيه، كما عاد على الدار الفرنسية بالكثير من النفع.
فما إن مر عقد واحد على التحاقه بها حتى تضاعفت مبيعاتها أربعة أضعاف، والفضل يعود إلى تصاميمه لكن أيضا إلى عروضه المبهرة، بإخراجها ومؤثراتها، وتعاوناته مع فنانين معاصرين من كل أنحاء العالم، كان أولهم ستيفن سبراوس في عام 2001. وآخرهم الفنانة اليابانية يايوي كوساما في عام 2012.
لكن يبقى تعاونه مع تاكاشي موراكامي في عام 2005 الأبرز في هذه السلسلة من التعاونات، حيث حققت الدار من ورائه أرباحا تقدر بـ300 مليون دولار أميركي.
ولا شك في أن عالم الموضة سيتذكره أيضا بالمصمم الذي جعل حقائب اليد جزءا من أي عرض أزياء، لأن المصممين قبله، كانوا يرفضون أن تنافس الإكسسوارات، أيا كانت، الأزياء التي يقدمونها حتى يستعرضوا إمكاناتهم وفنيتهم على أحسن وجه، وجاء هو وأرسل كل عارضاته، بحقائب يد أثارت الانتباه والإقبال على حد سواء، وذكرت بأن «لوي فويتون» هي بالأساس دار متخصصة في الجلود والحقائب. كانت اللفتة ضربة معلم، أكدت أنه لا يتمتع بحس فني وقوة إبداع فحسب بل أيضا بحس تجاري يفهم السوق ونبض الشارع، وهي عناصر مهمة لأي مصمم في زمن العولمة وفي زمن أصبحت فيه الموضة صناعة وليس فقط فنا.