تعد «الأدوية المغشوشة» أزمة عالمية ومشكلة كبرى تواجه شركات الدواء، يحتاج القضاء عليها للكثير من الجهود الدائمة والمتواصلة، للتخلص من «مافيا» تجارة هذه الأدوية، التي تدمر صحة الإنسان وتسببت في ملايين الوفيات وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
ولا تقتصر هذه الصناعة الرائجة على بلد بعينه، فهي موجودة في الدول المتقدمة وكذلك الدول النامية، وإن كانت تجد سوقا رائجة أكثر في الأخيرة، ومنها منطقة الشرق الأوسط، نظرا لعدم وجود رقابة فعالة وعقوبات رادعة لهؤلاء المجرمين.
ويقول خبراء الصحة والدواء إن «هناك الكثير من الأساليب المتبعة حكوميا وشعبيا، لمواجهة من يحاولون تدمير صحة الإنسان، أهمها توعية المريض في كل دولة بخطورة هذه الأدوية، وكيفية التعرف عليها وكشفها من تلقاء نفسه».
ظاهرة خطيرة
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن حجم التجارة في الأودية المغشوشة على مستوى دول العالم يصل إلى 10 في المائة، وترتفع هذه النسبة في الدول النامية لتبلغ نحو 30 في المائة، حيث وصلت قيمة المبيعات السنوية للأدوية غير الشرعية 75 مليار دولار، مسجلة زيادة بنسبة 90 في المائة بين عامي 2005 و2010.
ووفقا للمنظمة فإن الأدوية المغشوشة تتسبب على الصعيد العالمي في حدوث وفيات يتراوح عددها ما بين نصف مليون ومليون شخص سنويا. وإنه في حال تم علاج مرضى الملاريا على سبيل المثال بأدوية ليست مغشوشة، فسيمكن إنقاذ نحو مائتي ألف حالة من الموت سنويا.
وتعد تجارة الأدوية المغشوشة أمرا سهلا في الكثير من البلدان نتيجة الغياب الجزئي أو الكلي للرقابة على الدواء وطريقة تصنيعه، خصوصا إذا كانت عمليات تسجيل الأدوية تتم على الورق فقط، دون إجراء أي اختبارات على المنتجات، بسبب قلة الموارد المادية للأجهزة الرقابية في هذه الدول، وقلة عدد المفتشين والتقنيات اللازمة للرقابة، حيث لا تملك السلطات الصحية ما يكفي من الأموال لتحقيق ذلك.
ومن أكثر الأدوية التي يتم غشها هي المنشطات الجنسية، والمضادات الحيوية، ومضادات الطفيليات، والهرمونات.
ويقول الدكتور حسام نظمي، مدير السياسات والشؤون العامة لشركة «فايزر» العالمية للأدوية في دول الخليج وشرق المتوسط: «هناك مافيا عالمية تقوم بتقليد كل الأدوية الرسمية وتصنيعها، معظمها لا يحتوي على المادة الفعالة، فتصبح بعيدا عن المواصفات الأصلية، بل إن الأمر يصل إلى حد تصنيع حبوب الأدوية من مواد إسمنتية ودقيق وأتربة وغيرها، ثم يقومون بطلائها بألوان صناعية ودهانات، بنفس شكل ولون الدواء الأصلي، وفي حال الحقن فإن مياها ملونة قد تحل محل المحلول».
ويمكن تقسيم الغش في الأدوية إلى: منتجات خالية من المادة الفعالة، أو منتجات تحتوي على كميات ضعيفة من المادة الفعالة، أو منتجات تحتوي على مواد غير صحيحة، أو منتجات تحتوي على المادة الفعالة الصحيحة وبالكمية الصحيحة ولكن باسم غير حقيقي للشركة المصنعة.
تسويق إلكتروني
ويشير الدكتور غييوم شميت، من الفرع السويسري لمنظمة أطباء بلا حدود إلى أن عمل المنظمة، في 80 دولة في أنحاء العالم، أظهر «وجود أشخاص وعائلات يستدينون يوميا لشراء الأدوية المغشوشة، والأدهى أن هذه الأدوية غالبا ما تكون هي السبب في دمار صحتهم أو وفاتهم».
وأصبحت ظاهرة الأدوية المغشوشة منتشرة في الدول المتقدمة، حيث تباع عبر الإنترنت، وعن طريق الهاتف، ويكون مشتروها من المرضى، الذين ينشدون الخصوصية ويتخوفون دائما من زيارة الطبيب، فينخدعون بالكلام الساحر عن فاعلية هذا الدواء من خلال إعلانات براقة، كما تشتريها بعض الصيدليات من الباعة الجائلين أو من أي سوق كان. وينشط في هذه السوق أيضا، وعلى نحو متزايد، تجار المخدرات.
ويشير خبراء أوروبيون في «مركز أبحاث العقاقير التابع لجامعة فرانكفورت»، إلى أن من الصعب على خبراء الأدوية أنفسهم تمييز بعض هذه الأدوية المغشوشة من الأصلية. ولذا فإن شراء الأدوية من الصيدليات أكثر أمانا من شرائها عبر الإنترنت.
هيئة رقابة عربية
تقوم معظم دول العالم بالتعامل مع قضية الأدوية المغشوشة بشكل فردي، حيث تتم معاقبة الاتجار بها في كل البلدان تقريبا بغرامات مالية لا تكون في معظم الأحوال رادعة لهؤلاء التجار، بالنظر إلى الأرباح الهائلة التي يحققونها، فحتى الآن لا توجد أي اتفاقية لمكافحة الاتجار بالأدوية المغشوشة سوى تلك التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي عام 2011، تحت مسمى «ميديكرايم MEDICRIME»، وهي اتفاقية غير ملزمة.
ولمواجهة هذه التحديات الجسيمة المتعلقة بانتشار الأدوية المغشوشة في كثير من بلدان العالم العربي، أوصى مؤتمر دولي - عربي، عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية أوائل شهر أبريل (نيسان) الحالي، بالعمل على إنشاء «هيئة عربية موحدة للرقابة على الدواء»، تكون تحت مظلة جامعة الدول العربية، مع الاستفادة من تجربة السعودية باعتبارها من الدول الرائدة فيها.
ودعا المؤتمر، الذي حمل عنوان «المؤتمر العربي الأول للرقابة على الغذاء والدواء والأجهزة الطبية» ونظمته «المنظمة العربية للتنمية الإدارية» بالتعاون مع مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي، كل الدول العربية لسرعة إنشاء هيئات وطنية لضمان سلامة الغذاء والدواء والأجهزة الطبية ومنحها الصلاحيات الكافية، لتسهم في تعزيز الخطوات والجهود المبذولة لإنشاء هيئة عربية للغذاء والدواء.
وأوصى المشاركون المنتمون إلى 36 دولة، بينها 19 دولة عربية و17 دولة أجنبية، إلى إنشاء بنك معلومات عربي يتضمن قواعد بيانات لمكافحة الغش التجاري في مجال الدواء والأجهزة الطبية، وقيام الدول العربية بتطوير أنظمة التسجيل وتأهيل وتدريب القوى العاملة لضمان جودة وفاعلية الأدوية، وحث الهيئات الرقابية الدوائية بالعالم العربي على العمل على تفعيل برامج مراقبة الأدوية بعد التسويق من خلال إنشاء مراكز التيقظ الدوائي وتأهيلها بالإعداد المطلوبة والمدربة من الصيادلة والأطباء.
ويقول الدكتور محمد مصطفى حامد وزير الصحة في مصر، إن «عوامل كثيرة تشجع على ممارسة هذا النشاط الإجرامي في الدول العربية، خصوصا الفقيرة منها، أبرزها ضعف الظروف الاقتصادية لكل دولة، والتي تتسبب في نقص الأدوية السلمية، وارتفاع أسعارها، مع تباين كبير في أسعار الأدوية الصحية والمغشوشة».
ويؤكد حامد، أن مصر حاليا أصبحت مهتمة جدا بوضع خطط لزيادة حجم الاستثمارات في مجال الدواء وتصديره لكل الدول العربية من أجل مواجهة الأزمات المتعلقة بعمليات الغش، وكذلك مشكلة تسعير الدواء في مصر، مضيفا أن علاج هذه المشكلة ستضمن مواطنين أصحاء، غير مرضى ومنتجين، في دول تحتاج إلى مزيد من الإنتاج والتنمية.
وشدد الدكتور توفيق بن أحمد خوجة، المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون، على أن قضايا الدواء والأجهزة الطبية، من أهم الموضوعات التي تطرح بصفة مستمرة على جدول أعمال وزراء الصحة بدول مجلس التعاون، وكذلك مجلس وزراء الصحة العرب، منوها بضرورة إلقاء الضوء على الوضع الحالي لمعايير جودة أنظمة الغذاء والدواء والأجهزة والمنتجات الطبية، ومراجعة الضوابط والمعايير والقواعد والإجراءات المتعلقة بتصنيع وتسويق الأجهزة والمنتجات الطبية، بالإضافة للاطلاع على التجارب العالمية في هذا الشأن ودراسة إمكانية تطبيقها، وصولا لرسم رؤى مستقبلية لرفع مستوى جودة التصنيع والتسويق من خلال منظومة متكاملة.