نور الفردان : المجوهرات قدري منذ البداية .. و«ليدي جاجا» دفعتني لإطلاق علامة «نودار»
11:26 ص - الثلاثاء 16 أبريل 2013
نور فتاة قطرية في بداية العشرينات من العمر، تقول إنها سجلت نقلة مهمة في مسارها، عندما ظهرت «ليدي جاجا» بتصميم من ابتكارها في عام 2011.
لكن الحقيقة أن بدايتها تعود إلى زمن أبعد من ذلك بكثير، لأن الذهب والمجوهرات قدرها الذي كتبه جدها الكبير - أول من دخل عالم المجوهرات من باب اللؤلؤ بقطر في القرن التاسع عشر.
هذا الجد هو إبراهيم الفردان، أما مصممتنا الشابة فهي نور الفردان، التي تنفست صفاء الأحجار وبريقها منذ نعومة أظافرها، مما جعلها تعشقها وتغوص في عوالمها، لأنها بكل بساطة: ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
أطلقت نور ماركتها «نودار» ومعناها الذهب، منذ عامين تقريبا، مستغلة خبرتها وعشقها وطبعا تخصص عائلتها بهذا المجال.
تذكر أن والدها كان يصطحبها معه للمعارض الكبيرة، وفي لقاءاته مع المختصين والخبراء منذ أن كانت في السادسة من عمرها.
وهي تتحدث عن هذه الذكريات تبدو كل جوارحها متوثبة، ويزيد لمعان عينيها ببريق يكاد يضاهي بريق خواتم الماس والأساور التي كانت تزين بها أصابعها ومعصميها، وكأن الزمن عاد بها عشرين عاما إلى أيام الطفولة: «كان الجزء المفضل بالنسبة لي في كل رحلة نقوم بها، هي تلك الأوقات التي نقضيها مع بعض، فبعد كل لقاء عمل، كنت أرسم قطعتي المفضلة من بين كل التشكيلات التي عرضت أمامنا، ثم أغيرها أو أضيف إليها بشكل مختلف، كنت أتصور أنه سيزيد القطعة جمالا».
وتضيف أنه بحكم أن الإنسان ابن بيئته: «كان من الطبيعي أن أتأثر بالعائلة، فهي تعمل في مجال المجوهرات لعقود وتوارثته أبا عن جد، وإن تفرعت لمجالات أخرى تصب في كل ما هو مترف ومرفه. بالنسبة لي، لم يراودني أدنى شك منذ أن فتحت عيوني في أن مجال المجوهرات هو مستقبلي، وأنا سعيدة بذلك. فهو على العكس من الكثير من الصناعات الأخرى، لا يزال يتمتع بفضاء كبير من الإبداع والابتكار وأيضا يفتح المجال لربط علاقات خاصة بين المورد والموزع. ولا شك في أني محظوظة، لأني كنت دائما محاطة بخبراء ومهتمين بالأحجار والمجوهرات أصبحوا مع الوقت بمثابة أفراد من العائلة الكبيرة، ومنهم تعلمت الكثير عن هذه الصناعة. وبالطبع كفتاة صغيرة، كنت دائما منبهرة ببريق هذه الأحجار وجمال المجوهرات والسعادة التي تولدها وتشع منها».
عندما بلغت نور الـ 13 من العمر، بدأت تصميم مجوهرات خاصة بها وبأفراد من عائلتها وصديقاتها، وكانت ترسل ما تصممه للصاغة العاملين في ورشات العائلة، وتطلب منهم تنفيذها لها.
وتتذكر أول تصميم لها قائلة: «لا يمكن أن أنساه ما حييت، لقد كان عبارة عن عقد تتوسطه ماسة على شكل جمجمة مصنوعة من الذهب الأبيض والأصفر. كان عمري 13 عاما، ومع ذلك كنت مصرة على أن يتم ترصيعها بأحجار الماس بشكل عشوائي غير محسوب، وأن يكون الذهب محفورا في الوسط بخطوط تجعل الجمجمة مرعبة، عوض أن تكون جميلة. ما زلت أمتلك هذا العقد وألبسه تقريبا كل يوم».
بيد أنها لم تتفرغ للتصميم تماما ولم تقرر تسويق ما تصممه تحت اسم ماركة «نودار» إلا بعد تخرجها في الجامعة ودراستها لعلم الأحجار، ثم عملها في الشركة لمدة ثلاث سنوات، وتدربها على أيادي مصممين مهرة وخبراء.
من هؤلاء، كارولين شوفيله، نائب رئيس دار «شوبار» للمجوهرات، التي كان أهم ما تعلمته منها، تلك النظرة المرحة والطريفة للمجوهرات، أي ذلك التعامل غير الصارم معها، الذي لقي هوى في نفس مصممة شابة، لا تريد أن ترى أي قطعة مجوهرات مقيدة بأي شكل من الأشكال، بل تريدها أن تكون ممتعة بكل المقاييس.
لكنها مع ذلك، تؤكد أن ظهور ليدي جاجا بأحد تصاميمها كان له تأثير كبير على مسارها، ودفعة لتجاوز أي مخاوف كانت تؤخر إطلاق ماركتها. كان ذلك في عام 2011، حين انتهت لتوها من تصميم قلادة على شكل وحيد قرن من الماس، أهدتها لـ «ليدي جاجا» بمناسبة إطلاقها ألبومها «ولدت هكذا» (Born this Way)، بعد أن حضرت حفلا لها في نيويورك، تذكر: «كنت أجلس في الحفل وأنا أستمع إليها وهي تحكي كيف تعرضت للتنمر من قبل أقرانها في المدرسة وعن كل الأشياء الأخرى التي تعانيها، بما في ذلك الانتقادات القاسية التي تتعرض لها على الدوام، وفي الوقت ذاته، كانت تلبس أزياء مجنونة وترقص كأنها لا تبالي بأي شيء أو أحد في العالم .. كانت متحدية للغاية، وتتمتع بقوة إرادة لا مثيل لها، لأنها حققت ما كانت تطمح إليه منذ البداية رغم كل الانتقادات الجارحة التي تعرضت لها، الأمر الذي ألهمني وشجعني على إطلاق الماركة.
قبل ذلك كنت مترددة، إذ كنت أتعامل مع التصميم على أنه نوع من التعبير الشخصي، أي قد يفضح شخصية المبتكر ومكنوناته وكيف يفكر لجمهور واسع، مما جعلني أتخوف من الخطوة، أو بالأحرى من أن أكشف عن الجانب الشخصي في الأعمال التي أقدمها، وهكذا أجلت إطلاق خطي طويلا، إلى أن شاهدتها وسمعتها من قرب. ثم أن أراها بقطعة من تصميمي، فقد كان هذا إحساسا رائعا بكل المقاييس».
قد يعتقد من يسمع نور أن تصاميمها مجنونة، تخاطب شخصيات غريبة الأطوار مثل ليدي غاغا، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما. نظرة واحدة إلى أي قطعة من مجموعتها، تؤكد أنها مزيج جذاب بين الشرق والغرب، يعبر عن شخصية شابة ومبدعة، لكنها أيضا تحن إلى الماضي والبيئة العربية. مجموعة «الحناء» مثلا، تشمل خاتما مزدوجا بنقوشات مستوحاة من نقشات الحناء، جاء ترصيعها بالماس الأسود والبني، ليرسخ هذه الصورة.
والسبب، كما تقول، أنها عندما كانت طفلة صغيرة، كانت وأخواتها لا يحبذن أن يرسمن الحناء على مجموع اليد، ويصررن على أن يقتصر رسمها على أصبعين فقط. كان ذلك بالنسبة لهن أكثر جمالا وأنوثة، وهكذا ولدت فكرة هذا الخاتم وتطورت ثم تكررت في قطع أخرى.
وبالفعل، فإن القاسم المشترك في الكثير من هذه التصاميم تلك الأجواء التي شبت فيها أو زارتها في إحدى سفراتها، فمرة تأتي القطعة على شكل دانتيل ومرة على شكل حديقة أندلسية غناء، أو فن المعمار الإسلامي، مثل أقراط «الأندلس» التي صممت بموتيفات من فن المعمار الإسلامي، تقول إنها اكتشفتها عندما كانت تدرس تاريخ الفن في الجامعة الأميركية بالشارقة.
وتؤكد نور أنها تصوب عيونها نحو الغرب باتجاه امرأة عالمية، إلا أن بيئتها العربية تشدها دائما وتراثها الشرقي يسحرها، وبالتالي هما من العناصر التي تركز عليها وتحاول الاستفادة منها قدر الإمكان، ليس لأنها منبع لا ينضب من الأفكار والجماليات فحسب، بل لأنها تشربتها جيدا، مما يسهل عليها تطويع كل قطعة والخروج بها من المحلية إلى العالمية.
توضح: «نعم استلهمها من محيطي ومن بيئتي، بحكم أني ولدت وكبرت في قطر، وفتحت عيوني على التصاميم العربية التراثية وطقوس ارتدائها وأساليبها، لكن هذا لا يمنع أني أشعر بفضول لذيذ، عندما أرى كيف تلبسها زبونات من كل أنحاء العالم، وكيف يطوعنها بطريقتهن الخاصة.
في إحدى المرات، قابلتني امرأة في الولايات المتحدة الأميركية وسألتني من أين اشتريت (قفازاتي المصنوعة بالذهبـ)، وكانت تقصد بذلك سوارا عريضا كنت ألبسه حينها على مجموع الكف، وعندما شرحت لها أن هذه القطعة تقليدية في العالم العربي، انبهرت.
منذ ذلك الحين أصبحت (قفازاتي من دون أصابع) مشهورة وتتمتع بجماهيرية كبيرة». وهذا تحديدا ما تطمح إليه ماركة «نودار»؛ أن تترجم الأسلوب العربي بأسلوب عصري يخاطب زبونات عالميات من ثقافات مختلفة يمكنهن الاستمتاع بها أيا كانت جنسياتهن وبيئاتهن.
خلال المقابلة، كانت تعود للحديث بحماس عن تاريخ العائلة كلما تشعب الحديث لمواضيع أخرى، وتحديدا إلى تأثير والدها الذي علمها وأخواتها، تقدير العمل وإتقانه.
وتلمح وهي تبتسم بنظرة لها مغزى، أن كونها فتاة وضع على كاهلها عبئا أكبر لكي تكون على مستوى المسؤولية وتؤكد للوالد أنها محل ثقته فيها: «فهو المسؤول عما وصلت إليه وهو الذي دعمني منذ البداية.
لو لم يأخذني معه في سفراته وأنا طفلة لزيارة كل المعارض والعروض واللقاءات لما تعرفت على هذا العالم الساحر وهذه الصناعة.
لكنه أيضا أكبر منتقد لعملي، فعندما أنتهي من أي مجموعة جديدة أو قطعة مهمة، من المستحيل أن أطلعه عليها إلا إذا تأكدت أنها متقنة ومكتملة من كل الجوانب. إذا لم ترق له، فإني أرفض عرضها وأعيدها بلا تردد إلى الورشة لإعادة صياغتها».
لكن الوالد ليس هو المؤثر الوحيد على نور، فجدها حسين الفردان، الذي تعتبره أفضل من يفهم اللؤلؤ ويتقنه، أيضا له تأثير لا يخفى على العين، لا سيما أن اللؤلؤ يبدو غائبا في مجموعتها، وهذا أمر غريب بالنسبة لمصممة ولدت لعائلة تدين بالكثير لهذا الحرج، وتملك منه الكثير. لكنها تشرح بأن احترامها الشديد لإمكانات جدها، حسين الفردان، وقدراته الفذة، سبب تحاشيها استعمالها في قطعها واقتصارها على الذهب في هذه المرحلة على الأقل.
وتشرح بعفوية وصراحة: «عندما يشتري جدي أحجار اللؤلؤ ثم يرصها في قطع مجوهرات، فإنه يقوم بذلك بشكل يكسب اللؤلؤ المزيد من اللون والإشعاع. أي إنه يضيف إليه بشكل لا يعلى عليه، وهذا ما يجعلني أخاف إن استعملته في قطعة تسرق من الحجر هذه العناصر والجماليات، ألا يكون سعيدا أو راضيا عني.
ربما سيحصل هذا الأمر في المستقبل« لكن ليس قبل أن أتأكد من قدرتي على تحقيق التوازن بين التصميم الأنيق وإبراز جماليات هذا الحجر بأفضل شكل». أما في الوقت الحاضر، فإن اهتمامها ينصب على الذهب وباقي الأحجار كما على جعل «نودار» ماركة قطرية برؤية عالمية.
فكل شيء مصنوع حاليا في قطر، رغم أنه في السابق تم صنع المجوهرات في «فلورنسا» بإيطاليا، بينما استوردت أحجار الماس من بلجيكا أو من المعارض، ومع الوقت اكتشفت أنها يمكن أن تحصل على نفس الجودة والنتيجة من معامل في الدوحة، خصوصا بعد أن افتتحت مجموعة «الفردان» هذا العام، ورشة مجوهرات بتقنيات عالية، نفذت فيها مجموعتها الأخيرة.
عائلة الفردان
بداية عائلة الفردان مع المجوهرات بدأت مع إبراهيم الفردان، في نهاية القرن الـ 19 كتاجر لؤلؤ. فهذا الحجر كان آنذاك أهم إصدار في الخليج وأغلى منتج يتم تصديره، خصوصا أن اللؤلؤ الذي كان يستخرج من الساحل القطري كان من أجود الأنواع.
ومع الوقت، اشتهر بصفته خبيرا في هذا المجال. بعد ظهور اللؤلؤ الاصطناعي في نهاية العشرينات من القرن الماضي، ثم نشوب الحرب العالمية الثانية، تأثرت هذه التجارة، مما استدعى ترتيب الأوراق ودخول عهد البترول باستثمارات جديدة وفي صناعات أخرى مثل السيارات وغيرها، لكن المجوهرات ظلت ركيزة من ركائز عائلة الفردان، لا يمكن التفريط فيها بقدر ما يجب تطويرها والغرف من كنوزها.