احذري القلق المرضي عند طفلك .. اليك المسبب والعلاج

القلق والخوف والوقوع فريسة لأفكار معينة، والميل نحو القيام بعمل أو سلوك معين، كرد فعل لموقف أو ظرف معين حدث فعلا أو على وشك الحدوث، يعتبر شيئا طبيعيا في حياة الإنسان اليومية، حيث إن هذه المشاعر حسب رأي خبراء الصحة النفسية ما هي سوى صمام الأمان، والذي يقوم بتحذير الإنسان من وجود خطر ما يهدد الجسم وضرورة تجنب هذا الخطر من خلال سلوك أو ردود فعل معينة.
تشكل الأمراض النفسية عبئا كبيرا على مرضاها، ويعاني الأطفال من المشكلات النفسية كما يعاني منها البالغون، ومن أبرز هذه المشكلات اضطراب القلق العام (generalized anxiety disorder) واختصارا "GAD"، وهو المصطلح الذي حددته الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال لتفسر القلق المستمر والمفرط وغير المنطقي وغير المحدد نحو شيء بذاته أو موقف معين لدى الأطفال.
وفي الواقع فإن الجسم يقوم عند حدوث مشاعر الخوف والقلق، بسلسلة من التغييرات الفسيولوجية الداخلية والتي من شأنها مساعدة الإنسان على التعامل مع موقف الخطر الوشيك سواء بالهرب من الموقف أو مواجهة الموقف.

ما هو القلق العام؟

مرض القلق العام عبارة عن مشاعر خوف ورهبة مبالغ فيها أو غير مبررة لعدم وجود سبب واضح لها، وتستمر هذه المشاعر المبالغ بها أو الوهمية لمدة تزيد عن ستة أشهر.

نوبات الهلع والذعر الشديد:

وبالنسبة لمشاعر الخوف والذعر الشديد والخوف من خطر وهمي لا وجود له تسمى طبيا بأمراض نوبات الهلع والذعر الشديد غير المبررة.
وتحدث أمراض نوبات الهلع والذعر الشديد عادة في فترة المراهقة أو السنين الأولى بعد البلوغ، والأسباب تتراوح بين الوراثة وعوامل كيميائية حيوية إضافة للأسباب النفسية مثل خوف وذعر قديم مكبوت داخل المريض.
وإن تناول كميات كثيرة من الكافيين (قهوة، شاي، مشروبات غازية) حسب رأي أطباء الصحة النفسية يؤدي إلى تنشيط وتحفيز حدوث نوبات الذعر والخوف الشديد.

القلق العام لدى الأطفال:

وبالنسبة للأطفال الذين يعانون من مرض القلق العام، فهم يكونون أكثر عرضة وأكثر تأثرا من أقرانهم من غير المرضى في مواجهة المواقف نفسها، حيث إن توترهم يكون أكثر كما وكيفا فهم يقلقون حيال أدائهم المدرسي وتنافسهم مع الآخرين، سواء دراسيا أو حتى رياضيا، وأيضا على سلامتهم الشخصية وسلامة أفراد العائلة، إلى جانب القلق من أحداث مستقبلية مثل الزلازل أو حدوث تغيرات مناخية عنيفة كالعواصف أو ما شابه ذلك.
وقد يتمكن المريض من تجاهل القلق، ولكن تبقى المشكلة في عدم القدرة على التحكم به لأن الأطفال المصابين بالقلق العام يمرون بأوقات صعبة في محاولة إيقاف أو تهدئة القلق بداخلهم، وهذا يمكن أن يؤثر بالضرورة في أدائهم الدراسي أو سلوكهم العام، بالإضافة إلى الإحساس بعدم الأمان؛ حيث تتملكهم رغبة دائمة في الحصول على مشاعر الطمأنينة والأمان، مما يؤثر في نمو شخصياتهم وعلاقتهم الاجتماعية.

قلق الأطفال:

يبدو هؤلاء الأطفال غالبا مطيعين جدا ويسعون دائما نحو الكمال، وهم في حالة نقد دائم لأنفسهم، وغالبا ما يكونون مصرين على فعل الأشياء نفسها عدة مرات، مهما كانت هذه المهام بسيطة، لكي يتأكدوا أن المهمة قد أديت على أكمل وجه، وهم يقومون بهذا الأداء التكراري لكي يتمكنوا من خلق خط دفاعي لأنفسهم في مواجهة التوتر والقلق الدائم لديهم حيال أدائهم أمام الآخرين.
وينتشر القلق بنسبة ليست قليلة بين الأطفال؛ إذ تشير أحدث الدراسات الأميركية إلى وجود القلق بنسبة تتراوح بين 2.9 في المائة إلى 4.6 في المائة بين الفئة العمرية من 12 وحتى 17 عاما، وبشكل أقل حدة في الفئة العمرية من 5 إلى 11 عاما.
والأطفال والمراهقون من مرضى القلق غالبا ما يعانون من القلق المصاحب لبعض الأمراض النفسية الأخرى، مثل الوسواس القهري أو المخاوف غير المبررة.
وتميل اضطرابات القلق إلى عدم الاستقرار مع الزمن، أي أن الطفل يظل في حالة معاناة دائمة مع القلق لمدة طويلة، ولكن ليس بالضرورة للسبب نفسه.
واضطراب القلق مشكلة كبيرة وخطيرة تواجه الأطفال والمراهقين، ويدرك العلماء الآن أنه بالإضافة إلى التأثير البالغ السوء على حياة الطفل الاجتماعية والأكاديمية، فإنه يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة طويلة المدى، خاصة إذا صاحب القلق اضطراب نفسي آخر مثل الاكتئاب، حيث يرفع ذلك من معدلات محاولات الانتحار.

أسباب القلق:

هناك عوامل متعددة تؤدي إلى القلق، مثل العوامل العائلية والعوامل البيئية. وقد أظهرت الأبحاث أن هناك علاقة بين الآباء الذين يعانون من القلق والتغير في سلوك الطفل، حيث يصبح الطفل أكثر عرضة للإصابة من خلال وجوده الدائم مع نموذج للسلوك المتوتر، وبالتالي يتم التحفيز بشكل غير مباشر على القلق وزيادته.
كما تلعب دورها أيضا الأحداث المحيطة بالطفل، مثل المشكلات التي تواجه الأسرة سواء كانت مادية أو خلافات عائلية أو أخبار صادمة، كوفاة أحد الأقارب أو وقوع الطلاق بين الأبوين، وكذلك سلوك النهي والنهر المتواصل من الآباء جراء أخطاء بسيطة، مما يضع الطفل في حالة قلق دائم.. ولذلك فإن دور الأسرة بالغ الأهمية في تفهم حالة القلق لدى الأطفال.

الأعراض: 

-  سرعة التنفس وسرعة ضربات القلب.
-  العرق والغثيان وبرودة اليدين.
- صعوبة البلع أو الإحساس بوجود شيء ما في الحلق.
- تشنجات العضلات أو تنميل أو آلام في العضلات.
- الصداع أو آلام بالمعدة.
ولكن ينبغي إدراك أن هذه الشكاوى ليست بالضرورة مصاحبة للقلق، ويجب التعامل معها على أنها شكاوى جسدية حتى يتم تشخيص القلق.

تشخيص القلق:

يتم عن طريق معرفة التاريخ المرضي بعناية من العائلة، والسؤال عن تاريخ عائلي للقلق أو الاعتلال النفسي لأحد الوالدين، وكذلك جلسات متابعة مباشرة مع الطفل وملاحظة سلوكه والسؤال عن أدائه الدراسي والاجتماعي مع أقرانه، مع الأخذ في الاعتبار التفرقة بين الأعراض الجسدية للقلق وبعض الأمراض الأخرى، مثل زيادة نشاط الغدة الدرقية أو قرحة المعدة.

ويجب عدم تشخيص المرض إلا عند وجود خصائص معينة منها:

 العلاج:

- العلاج النفسي بمعرفة الطبيب المختص عن طريق جلسات متعددة مع الطفل للتخلص من القلق وتعلم الاسترخاء النفسي، وكذلك تدريبه على معرفة المؤشرات الجسدية المصاحبة للقلق، كما أنه من المهم جدا مشاركة الآباء في العلاج، حيث إن وجود العائلة يساعد على تحسين تفاعل الطفل مع القلق ومحاولة حل المشكلات.
ويجب على الأسرة توفير الجو والبيئة الخالية من التوتر والمشاحنات، ومنح الطفل الثقة بنفسه وبالآخرين، وكذلك تعلم مواجهة المشكلات ومحاولة حلها.
- العلاج الدوائي، الذي يفضل أن يصاحب العلاج النفسي.. ومن أهم هذه الأدوية مضادات الاكتئاب، خاصة المثبطة لإعادة امتصاص السيروتونين بشكل انتقائي (selective serotonin reuptake inhibitor) (SSRI) التي تعد الخط العلاجي الأول.
وهذه الأدوية تعالج القلق بنجاح، ولكن يجب التعامل معها بحرص شديد، والالتزام بالجرعة والطريقة التي يحددها الطبيب، لأن لمثل هذه الأدوية أعراضا جانبية خطيرة، وإذا تم استخدامها بشكل غير مختص قد تؤدي إلى الانتحار، خاصة في مرضى الاكتئاب، أو التعود، خاصة لدى المراهقين، وكذلك يجب عدم توقفها إلا بشكل تدريجي حسب الوقت الذي يقرره الطبيب.