تحذير من عقوبات قانونية قد تطال من يحمل تصاميم لأزياء وإكسسوارات مقلدة

التقليد يمتد إلى الهواتف الثمينة وبضائع مزورة ضبطتها الشرطة الفرنسية وفرنسا تخسر 15 مليار يورو سنويا بسبب التزوير الآسيوي .. والعقوبة السجن وغرامات
التقليد يمتد إلى الهواتف الثمينة وبضائع مزورة ضبطتها الشرطة الفرنسية وفرنسا تخسر 15 مليار يورو سنويا بسبب التزوير الآسيوي .. والعقوبة السجن وغرامات

كانوا يفرشون بسطاتهم تحت برج إيفل في باريس، أو في محيط ساحة الرسامين في «مونمارتر»، شبان أفارقة يحملون أكياسا بلاستيكية على ظهورهم مليئة بكل ما يمكن أن يغري السياح: حمالات مفاتيح على شكل البرج وطيور اصطناعية تحلق مترين في الجو ثم تتهاوى وبطاقات بريدية تحمل صور أشهر معالم العاصمة الفرنسية.
 
وبين هذا وذاك، يحدث أن تظهر بين البضاعة حقيبة «شانيل» مقلدة، أو بلوزة تحمل توقيع «ديور»، أو هاتف منسوخ من أحدث إصدارات الهواتف الجوالة الذكية. كم كان عددهم؟ عشرة بائعين أو مائة؟ الرقم يتباين حسب المواسم.
 
ثم بدأت دوريات الشرطة تكتسح المواقع السياحية وتطارد «تجار الشنطة» الذين عبروا الحدود من إيطاليا وإسبانيا أو كانوا مجرد بائعي مفرد لتجارة واسعة تبدأ في دول شرق آسيا وتحديدا في الصين وتنتهي على أرصفة أجمل مدن أوروبا.
 
جاءوا يبيعون الماء في حارة السقايين ويعرضون قطعة مزورة لا يطلبون فيها أكثر من بضع يوروات بينما تستقر النسخة الأصلية في واجهة فخمة في جادة «مونتين»، لا تبعد كثيرا عن البرج وساحة تروكاديرو.
 
إن العين الخبيرة تجيد التمييز بين الأصل والتقليد من أول نظرة. لكن الفارق الحقيقي يكمن في السعر لأن الحقيبة المعروضة في واجهات «فويتون» و«غوتشي» و«ديور» و«موسكينو» تساوي في سعرها ثمن 1000 حقيبة مزيفة.
 
كانت فرنسا أكثر البلدان تضررا من تجارة البضائع الفخمة المقلدة. إنها موطن العلامات التجارية الراقية التي تشكل رافدا مهما من روافد الميزان التجاري. لذلك انتقلت مكافحة باعة المقلد من مجرد مطاردتهم في الشوارع واستنفار شرطة الحدود لضبط البضائع المزورة الداخلة عبر البر والبحر والجو، وصار الأمر يقترن بقوانين تجريم وبغرامات باهظة.
 
مع هذا بقيت المشكلة قائمة لأن البائع الفقير الآتي من مالي أو السنغال لكي يعتاش من تجارة ممنوعة، لا يملك مبلغ الغرامة. إنه يدخل التوقيف ليبيت ليلته فيه ثم يطلق سراحه ليعود إلى تجارة الرصيف، ثانية.
 
بدأت دور الأزياء الراقية تضرب الحصار على واجهاتها وتستخدم حراسا أشداء لمنع السياح الآسيويين من تصوير ما هو معروض فيها من ثياب وحقائب وأحزمة وأحذية ونظارات. مع هذا لم تنفع هذه التحوطات لأن الأزياء تعرض على المنابر وفي مواسم معروفة وأمام المئات من عدسات المصورين.
 
لذلك كان لا بد من ضرب الأفعى في جحرها، أي التحرك عالميا لمنع لمحاصرة التقليد وإلزام الدول باتفاقيات تدفعها إلى مكافحة تجارة البضائع المقلدة على أراضيها. وكانت تلك المساعي تنجح أحيانا وتخفق في مرات كثيرة، لا سيما بعد تفشي التبادل التجاري عبر الإنترنت.
 
تجلس السيدة الأنيقة في غرفتها في مونتريال أو لوس أنجليس أو بيروت وتطلب، عبر الشبكة الإلكترونية، ما تشتهي من لوازم أناقتها. واختلط الحابل بالنابل، فصارت حقائب «شانيل» الباهظة الأسعار معلقة على كل المعاصم وعوينات «ري بان» تحجب الشمس عن كل العيون والجميع يضبط مواعيده على ساعات «كارتييه».
 
إنه هجوم «إرهابي» لتخريب الاقتصاد الفرنسي. هكذا وصفته الصحافة في باريس، وتنادى نواب الأمة إلى اجتماعات مطولة تحت القبة لدراسة قانون يتصدى لتقليد ما تبدعه مخيلات كبار المصممين.
 
ويلفت النظر أن البرلمانيين عادوا إلى عبارة للفيلسوف ديدرو، نطق بها قبل 250 عاما، تساءل فيها: «هل من اللازم اعتماد المبادئ القاسية للعدالة لكي ندرك أن التزوير محض سرقة؟». وكان الكاتب والمفكر الفرنسي يتحدث، يومها، عن قرصنة الكتب.
 
أمام أعضاء مجلس الشيوخ، كانت هناك دراسة شاملة تشير إلى أن محاربة البضائع المقلدة تندرج في نطاق حقوق الملكية الفكرية. فقد بلغ حجم تجارتها نسبة تتراوح بين 5 و10 في المائة من التجارة العالمية.
 
وفيما يخص فرنسا فقد أشارت الدراسة إلى أنها تخسر سنويا أكثر من 15 مليار يورو من الضرائب غير المتحصلة على تلك التجارة غير الشرعية. ويأتي قسم كبير من هذا الرقم (7.6 مليار يورو) من تقليد الثياب والمصنوعات الجلدية، تليها العطور ومستحضرات التجميل (3 مليارات يورو).
 
وقد امتد التقليد من تلك البضائع التي توصف بالراقية ليشمل كل أشكال الصناعات، لا سيما الأدوية والأجهزة الإلكترونية والسجائر ولعب الأطفال والثياب الرياضية وحتى الأطعمة والمشروبات.
 
ولا تضر ظاهرة التزوير بالاقتصاد فحسب بل تشكل خطرا على الصحة العامة لعدم التزامها بشروط السلامة، كما تنتج عنها تداعيات اجتماعية تتمثل في الاستغناء عن أكثر من 30 ألف عامل وعاملة في فرنسا، سنويا، بسبب تقلص الصناعة المحلية أمام غزو السلع المقلدة التي تنتج في دول ذات أيد عاملة رخيصة. لكن الخطر الأكبر يتمثل في الخيوط الخفية التي تجمع بين تجارة التقليد وبين عصابات المافيا وتبييض الأموال وجماعات الإرهاب.
 
راحت المراكز الحدودية تستنفر موظفيها وشرطة الحدود تشمر عن سواعدها لتفتيش الحقائب والشحنات المشتبه فيها. وأسفر ذلك عن مصادرة أكثر من 7 ملايين قطعة سنويا. وصار من المعتاد أن يرى المشاهد الفرنسي تقارير في نشرات الأخبار التلفزيونية تصور رجال الحدود وهم يقومون بإحراق أو إتلاف أكوام من الحقائب والسجائر والأدوية المهربة. ودخلت دار «لوي فويتون» للجلود والأزياء طرفا فاعلا في عمليات المكافحة باعتبارها تقف في صدارة المتضررين من تقليد منتجاتها.
 
وشكلت الدار فريقا متخصصا في محاربة التقليد في باريس، مع فروع له في الخارج. وتمكن الفريق من رصد 13 ألف حالة تزوير في السنة ونفذ، بمساعدة الجهات المختصة، 6 آلاف عملية مداهمة لمصانع ودكاكين غير شرعية. كما تم القبض على نحو من 1000 مزور للتحقيق معهم.
 
السؤال الذي قد يهم المستهلك الذي يشتري بضاعة مقلدة هو: «ما المخاطر التي قد أتعرض لها إذا اشتريت ساعة مقلدة من مراكش أو حقيبة غير أصلية من بانكوك؟». إن ضبط سائحة تدخل إلى فرنسا وهي تحمل، مثلا، حقيبة ذات علامة معروفة مقلدة يعرضها للملاحقة حيث تصادر حقيبتها ويكون عليها أن تدفع ضعف ثمن النسخة الأصلية منها، بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 300 ألف يورو والسجن لمدة قد تصل إلى 3 سنوات. يعني خراب بيوت بسبب قطعة رخيصة مصنوعة في تايوان بيعت بأقل من 20 يورو.