الملكة "شجرة الدر" عاشت مكرمة وجليلة وماتت ذليلة

شجرة الدر، جارية من جواري الملك الصالح، اشتراها الملك نجم الدين، حيث اختلف المؤرخون في تحديد جنسيتها، فمنهم من قال إنها تركية ومنهم قال إنها جركسية أو رومانية.
ولم تكن شجرة الدر كباقي الجاريات، بل تميزت بالذكاء الحاد والفطنة والجمال كما أنها نالت الإعجاب بفتنتها وفنها، إذ كانت متعلمة، تجيد القراءة والخط والغناء.
أعجب بها الملك نجم الدين واشتراها، ولقبها بشجرة الدر، وحظيت عنده بمنزلة رفيعة، بحيث أصبح لها الحق في أن تكون صاحبة الرأي ثم أصبحت الشريكة الشرعية وأم ولده. 
وأرسل الأمير نجم الدين بأمرٍ من والده إلى حصن كيفا، لولاية وحكم هذا الحصن، ثم وردت إليه أنباء من القاهرة تقول بأن أباه الملك الكامل عين أخاه الصغير أبا بكر (الملك العادل) وليا للعهد بدلاً منه، وكانت أمه أقرب إلى قلب الملك من أم الأمير نجم الدين، وغضب الأمير نجم الدين من تصرف الملك ؛ لأن أخاه كان طائشا، ولأن الدولة كانت في خطر من كل الجوانب، ويتربص بها الأعداء من الصليبيين والمغول. 
وفي هذه الأثناء كانت شجرة الدر نعم الزوجة، حيث قامت بتشجيع وتأييد زوجها، فساعدته في الوصول إلى حقه المغتصب، وفي هذه الفترة أنجبت له ولدا أسماه خليل، وتوجه الأمير نجم الدين إلى القاهرة، ومعه زوجته شجرة الدر وابنهما، وبطانته المؤلفة من عشرات الجنود فقط وبعض المماليك، وعلى رأسهم "بيبرس وأيبك وقلاوون وآق طاي". 
وبينما هم في طريقهم انقض عليهم جيش الملك الناصر داود، وهم ابن عم نجم الدين، والي إمارة الكرك والشوبك، وما يليهما من أرض الأردن، وأسرهم في قلعة الكرك عام 63 هـ، ثم أرسل إلى الملك العادل يخبره بما حدث ويطلب منه ثمن جلوسه على عرش الشام، واستمر سجنهم سبعة أشهر، كان الملك الناصر خلالها يساوم الملك العادل في القاهرة على الأمير نجم الدين، أما زوجته شجرة الدر فقد وفرت له كل أسباب الراحة، وبثت التفاؤل في نفسه، خلال مدة الأسر.
مرت الأيام إلى أن أصبح زمام الأمور داخل مصر وخارجها في يد زوجها الملك المعز، وبلغها أن زوجها يريد خطبة ابنة الملك بدر الدين لؤلؤ، صاحب الموصل، فساءت العلاقات بين شجرة الدر وبين الرجل الذي وثقت فيه وجعلته ملكا وكادت تفقد عقلها من شدة الحقد والغيرة وعلمت أيضا أنه ينوي إنزالها من قصر القلعة إلى دار الوزارة في القاهرة، وذلك ليتفادى الجدل والخصام معها، وحتى تتم تهيئة القلعة لاستقبال العروس الضرة، وغضبت شجرة الدر غضباً شديدا لما فيه من جرح لمشاعرها وكبريائها، خاصة بعد تأكدها من عزيمته في التخلص منها، فكان لابد من التخلص منه.
فدعته ذات يوم واستقبلته بصدرٍ رحب وبشاشة، وكأن شيئا لم يحدث بينهما، حتى شعر بالطمأنينة ودخل الحمام، وانقض عليه خمسة من غلمانها الأقوياء وضربوه إلى أن مات، ثم أذيع بأن الملك المعز توفى فجأة، ولكن لم يصدق الناس هذا النبأ.
حاولت شجرة الدر أن يجلس أحد الأمراء المماليك على العرش لكي تحتمي بهِ، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، والتجأت إلى البرج الأحمر في القلعة عام 1257، ولكنها لم تنجُ بفعلتها، حيث تم القبض عليها من قبل الأمراء المناصرين لزوجها القتيل، وفرض عليها السجن المنفرد، ولاقت فيه ألوانا مختلفة من العذاب والهوان. 
ومن ثم تدخلت ضرتها أم علي، وهى زوجة الملك المعز الأولى، وحرضت ابنها علي على قتلها انتقاما لأبيه، وهناك مراجع أخرى تقول بأنه تم قتلها على يد الجواري اللاتي واصلن ضربها بالقباقيب إلى أن فارقت الحياةوهكذا عاشت شجرة الدر مكرمة وجليلة ذات نفوذٍ وقوة، ولكنها ماتت ميتةٍ ذليلة ومهينة.
إن سيرة شجرة الدر مازالت تروى، وهناك العديد من النساء يتمنين أن تقوم بشخصية شجرة الدر، وذلك لقوة نفوذها، وذكائها ودهائها، وقدرتها العجيبة في الحكم، وقد خلد التاريخ ذكراها، وذكر الخدمات التي قدمتها للمسلمين ومصر، إلا أن غيرتها على كبريائها وكرامتها كانت السبب الذي دفعها لارتكاب تلك الجريمة التي أسقطتها من قمة الشهرة وقضت عليها.