القميص الأبيض سيد الألوان أرتديه حسب طريقة تنسيقه
لا بد أن الجميع لاحظ تحولا خفيفا في الذوق العام، حيث أصيبت المرأة، لا سيما التي تفضل ان يكون لها أسلوبها الخاص على أن تسير وراء القطيع، بنوع من التخمة من الصرعات التي تنهال عليها من كل صوب.
فبعد سنوات طويلة من الضياع والجري وراء إملاءات الموضة، عادت إلى رشدها وباتت ترجح كفة العقل على القلب، وتعرف قيمة توفرها على قطع أساسية وعملية تنقذها من حيرة الخيارات المتنوعة التي تتبارى المحلات على طرحها، ليس كل موسم، بل كل أسبوع تقريبا، مما جعل الموضة تتحول إلى سلعة متاحة تفتقد إلى لذة التحدي والتفرد.
هذا التحول يشير إلى ان الحمى التي أصابت العديدات بعد السلسلة التلفزيونية «سيكس اند ذي سيتي»، خفت. ففي بداية الألفية، روجت بطلات السلسلة، وعلى رأسهن الممثلة سارة جيسيكا باركر، بأن نفش الريش في أزياء لا تصلح إلا على منصات العروض مقبول حتى في الأيام العادية، بل وحتى بالنسبة للمرأة العاملة التي تكد لاكتساب لقمة عيشها وتضطر لاستعمال الأنفاق والحافلات للوصول إلى مقر عملها. ليس هذا فحسب، بل روجن بأن صرف مبالغ طائلة على الأحذية والحقائب، أكثر متعة من دفع الفواتير أو استثمارها في شيء بعيد المدى.
لحسن الحظ انه بعد سنوات من التسوق العشوائي، تم الوصول إلى معادلة مهمة، وهي الحاجة إلى تنبيت الريش ونفشه في الوقت ذاته، بمعنى الوصول إلى مرحلة من النضج وإدراك الحاجة إلى العملي، من خلال أساسيات تمنح الراحة، بقدر الحاجة إلى الجمال، من خلال كماليات تشعر بالزهو والتميز.
على رأس هذه الأساسيات يأتي القميص الأبيض، الحاضر الغائب في خزائن كل امرأة، الذي عرف أوج تألقه في الثمانينات كرد فعل على موضة مسلسلات مثل «دالاس» و«ديناستي» المبهرجة، وأيضا انعكاسا للأزمة الاقتصادية آنذاك.
وإذا كان القميص الأبيض البسيط انتعش في التسعينات كردة فعل على مبالغة بريق الثمانينات، فهو الآن ردة فعل على المظهر البوهيمي، وتماشيا مع موضة الخياطة المفصلة، سواء على شكل تايورات أو تنورات مستقيمة لمظهر «نظيف» يجمع بين البساطة والرقي في الوقت ذاته.
وبينما يخفي المظهر البوهيمي الكثير من العيوب باعتماده على الطبقات المتعددة، فإن القميص الأبيض لا يخفيها فحسب، إذا كان بنوعية قماش جيدة وعلى المقاس، بل هو أيضا أسهل طريقة لاكتساب أسلوب متميز في الأيام التي نشعر فيها بالحيرة عما يمكن لبسه بأقل جهد. فهو لا يحتاج إلا إلى تنورة أو بنطلون مع كنزة أو جاكيت لاكتساب مظهر متألق قد يكون في غاية الجدية أو الأنوثة حسب طريقة التعامل معه وتنسيقه مع باقي الأزياء والماكياج وتسريحة الشعر.
أما من حيث التكاليف، فمن غير الضروري شراء قميص من «بالنسياجا» أو من ماركة «نوار» أو «بول سميث»، فمحلات الموضة الشعبية تتوفر على أنواع لا بأس بها، على شرط اختيارها بتصميم بسيط بعيد عن البهرجة، لأن هذه المحلات لا تتقن التفاصيل الكثيرة مثل الأسماء العالمية، وبالتالي قد تبدو رخيصة وغير أنيقة.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الشركات تعتمد على هذه القطعة بالذات وتخصصت فيها، مثل شركة «توماس بينك»، التي انتبهت منذ زمن إلى تزايد إقبال الجنس اللطيف على القميص الرجالي، لا سيما شريحة معينة من الأنيقات ممن يملن إلى المترف الهادئ، أو السهل الممتنع.
تقول اليسون لوهنيس، مديرة التسويق والمبيعات بالشركة:
«كانت المرأة دائما مهمة بالنسبة لنا، الأمر الذي شجعنا منذ ثلاث سنوات على تقديم قميص مفصل على الجسم خاص بها، بعدها طرحنا قميصا واسعا، أقرب إلى التصاميم الرجالية، لكننا لاحظنا أنها تفضل المفصل على الجسم أكثر لأنه يناسب أسلوب حياتها، التي تتطلب منها أحيانا التوجه مباشرة من مكان عملها إلى دعوة غداء أو عشاء»، وتضيف لهونيس: «هذا العام عدنا مرة أخرى إلى التفصيل والخياطة المحددة، وهو الأمر المثلج للصدر بعد مواسم عديدة من موضة البوهو الواسعة».
لكن «توماس بينك» لم تكتف بالتفصيل المحدد، بل أسهبت في إرضاء المرأة بطرحها قميصا أطلقت عليه اسم «ذي سيتي»، وهو تصميم رجالي خضع لعملية تأنيث ناجحة. «توماس بينك» ليست الشركة الوحيدة التي تغازل المرأة من خلال قمصانها، فإيما ويليس، التي يقع محلها في شارع الخياطة الرجالية الرفيعة، جيرمين ستريت، أيضا قدمت مجموعة خاصة بها منذ بضع سنوات، بينما أكد تشارلز تايروايت، مدير «أشلي بوتر»، بأن القمصان الموجهة للمرأة تعرف إقبالا كبيرا لم يكن أي منهم يتوقعه، وعرفت ارتفاعا بنسبة 12.5% في عام 2006، وهي نسبة يؤكد تشارلز تايروايت «أنها ستتضاعف مع نهاية العام الحالي، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار التصميمات المتباينة بين الضيق الذي يعانق الجسم والواسع الذي تم تأنيثه مع الحفاظ على بعض التفاصيل الرجالية، مثل البليسيهات في جوانب الصدر والأكمام التي تحتاج إلى أزرار (كبك)».
وطبعا ليس خياطو جرمين ستريت وسافيل رو وحدهم من يولي هذا الاهتمام الكبير للقميص، فبول سميث حقق نجاحا كبيرا من ورائه، الأمر الذي شجعه على التوسع بتأنيث حتى البذل والأحذية الرجالية في تشكيلاته الأخيرة. تبريره كان أن المرأة هي التي طلبت منه الأمر في البداية وشجعته على هذا التوجه، بعد أن جربت القميص الرجالي واستحلته، مما فتح شهيتها على المزيد، أو بالأحرى على تصميمات مشابهة، لكن خاصة بها، حتى لا تتهم بالسرقة.
المصمم الفني في دار «جاسبر كونران»، جو هالف، أيضا أعرب عن إعجابه بهذه الموضة قائلا: «قميص أنيق قطعة أساسية في خزانة أي امرأة، فهو يتناغم بروعة مع تايور أو مع تنورة مهما كان تصميمها، كما يضفي على بنطلون الجينز تميزا». وتوافقه الرأي ماريوتشا مانديلي، مصممة دار «كريزيا» بقولها إنها من المعجبات بهذه القطعة،
ولا يخلو أي عرض من عروضها من إدخال بعض التجديدات عليها من دون ان يتأثر الأساس، كما تقول: «لقد لعبت بالتصميم الرجالي الواسع، وجربت أشكالا مختلفة، سواء من ناحية الأكمام أو الصدر».
وهذا اللعب الممتع مع الأشكال المتنوعة لهذه القطعة البسيطة، هو ما شجع ماتيلدا أسبينال، على إنشاء شركتها الصغيرة المتخصصة في القمصان المفصلة، متأثرة بزوجها الذي له باع طويل في تفصيل القمصان الرجالية بجرمين ستريت. البداية كانت رغبتها في استغلال توفر اليد العاملة الحرفية والخامات، فبدأت بتصميم قمصان لاستعمالها الشخصي.
ونظرا للاهتمام والإعجاب اللذين اثارتهما تصميماته لدى المقربات منها، تشجعت على افتتاح شركة. ولا تكتفي ماتيلدا بتصميم أشكال مختلفة كل موسم، بل يمكن ان توفر خدمة عملية جدا، تتمثل في أنه بإمكان الزبونة أن تحدد شكل الأكمام وتختار الأزرار والألوان، بل يمكنها أيضا ان تختار نوع القماش، أو تحضره معها، لتحصل على قميص بكل المواصفات التي تريدها. وربما هذه هي الخدمة التي تتمنى أي واحدة ان تتوفر في مجالات أخرى، خصوصا إذا تهيأت أحيانا أن بداخلها مصممة ماهرة وتعزو فشلها إلى أنها غير ماهرة في الخياطة والتنفيذ.
همسات جانبية ـ أهم شيء اختيار قميص بسيط ومن دون تفاصيل، حتى يمكن ارتداؤه بأساليب مختلفة: مع بنطلون جينز للمناسبات العادية، أو مع تنورة أو بنطلون مستقيم في أماكن العمل، أو مع تنورة منسابة أو تايور في المناسبات بإضافة اكسسوارات.
ـ في ما يخص القميص البسيط والمفصل، فربما يكون خياطو سافيل رو وجيرمين ستريت، أفضل من يلبي ما تحتاجه أجواء الموضة حاليا بتصميماته الكلاسيكية وأقمشته المألوفة. أما إذا كانت الرغبة قميصا على الموضة، فعليك بدور الأزياء، حيث يعمد المصممون إلى إدخال أقمشة جديدة، مثل الساتان والشيفون والدانتيل، إلى جانب التفاصيل الكثيرة مثل الكشاكش وأربطة العنق والبليسيهات وغيرها باسم التجديد والتغيير.
لكن يجب عدم نسيان أن هذه التصميمات، حتى وإن كانت غالية الثمن، موسمية ولن تصاحبك مدى العمر إلا في حالات نادرة، ورغم كل أناقتها، تتضارب مع فكرة القميص الأبيض كقطعة أساسية وكلاسيكية لا تتغير في كل موسم حسب تغير أمزجة المصممين.
ـ في ظل تغير الذوق العام والرغبة في الحصول على الأساسيات، مثل القميص والتايور أو التنورة المستقيمة وغيرها، افتتحت محلات «ايتش أند إم» السويدية فرعا في «ريجينت ستريت» وسط لندن، اطلق عليه اسم COS، لا تباع فيه سوى قطع أساسية في خزانة أي رجل أو امرأة.
كما ان محلات «غاب» تعاونت أخيرا مع ثلاثة من أهم المصممين الشباب في الساحة الأميركية حاليا: دو ـ ري تشانغ «دوري»، ولورا ماليفي «رودارت»، وثاكون بانيشغول «ثاكون»، لطرح تشكيلة محدودة من القميص الأبيض. الفكرة ان يترجم كل واحد منهم القميص الأبيض الكلاسيكي حسب نظرته وأسلوبه، مع الحفاظ على تاريخ هذه القطعة التي اعتمدت عليها «غاب» منذ أكثر 35 سنة، كإحدى كلاسيكياتها المهمة.