إعصار ساندي كشف النقاب عن نمط حياة انعدم فيه التواصل التكنولوجي
12:32 م - الخميس 10 يناير 2013
شاشات فارغة. هواتف خلوية معطلة. ألعاب ساكنة في صالات رياضة مظلمة. بالنسبة لمجموعة من المراهقين ومن هم في مرحلة ما قبل المراهقة على الساحل الشرقي الأميركي جسد تعطل الكهرباء الذي أعقب إعصار ساندي الشهر الماضي المرة الأولى في حياة هؤلاء الشباب التي ينفصلون فيها عن العالم الخارجي تماما، من دون القدرة على كتابة نصوص أو تشغيل لعبة «ماين كرافت» أو الدردشة المرئية وفحص موقع «فيس بوك» أو إرسال تحديثات إلى موقع «تويتر».
إذا ما أرادوا الحديث إلى صديق، فإن عليهم القيام بذلك بشكل شخصي. إذا كانت رغباتهم الأولى ما بعد العاصفة تتمثل في فحص تطبيق خاص بالطقس، فإنه لم يعد بمقدورهم سوى استخدام أجهزة راديو تعمل بالبطاريات.
مع تجلي النطاق الكامل للضرر الذي ألحقته العاصفة، بدا واضحا أن هذه الصور من المضايقات أصبحت شديدة جدا.
ونظرا لأن السواد الأعظم من الأطفال والبالغين، وجدوا في نهاية المطاف نوعا من التواصل عبر أحد الجيران غير المتضررين أو مقهى «ستارباكس»، غالبا ما كان الانسحاب أقرب إلى مجرد تقنين لاستخدام الوسائل التكنولوجية لا امتناع تام.
غير أن العاصفة وفرت لمحة نادرة عن الحياة من دون الاتصال بالإنترنت.
لقد أصابت بعض الأطفال بالجنون، في الوقت الذي تمكن فيه آخرون من تبني تجربة تباطؤ رقمي.
فضلا عن ذلك، فإنها قد أثمرت عن بعض الفوائد الهائلة غير المتوقعة بالنسبة لأولياء الأمور المتلهفين بالفعل على القضاء على هوس أطفالهم بالوسائط الرقمية.
وفي وقت سابق من هذا العام، حينما كشفت ميشيل أوباما السيدة الأميركية الأولى عن قوانين جائرة تتعلق بالتكنولوجيا طبقتها على بناتها (عدم السماح لهن باستخدام تلفزيونات أو هواتف خلوية أو أجهزة كومبيوتر خلال الأسبوع باستثناء ما يلزم للمساعدة في أداء الواجبات المدرسية)، استغلت بام أبيل ديفيس من ساوث أورانج بولاية نيوجيرسي، تلك الأخبار في تهديد أطفالها الذين أفسدتهم الوسائل التكنولوجية الحديثة بلوائح وقوانين أوباما.
«قطع ابني الطالب في الصف الأول على نفسه عهدا بـ(إغلاق التلفزيون) خلال الأسبوع للفوز بميدالية ذهبية»، هكذا تحدثت ديفيس، مهندسة البرامج بمؤسسة «روبين هود فاونديشن».
وواصلت قائلة: «لكن الأمر كان يفوق قدرته». فحدثني قائلا: «أمي، لنكتف بالميدالية الفضية».
ضربت العاصفة الحي الذي تقيم به ديفيس، لكنها أبقت على منزلها، الذي أصبح محطة شحن للهواتف الخلوية والألعاب الإلكترونية بالنسبة لأصدقاء ابنتها، لوسي رينال، 13 عاما.
بعدها، في يوم الأحد الماضي، انقطعت الكهرباء، خلال إزالة الأشجار الساقطة من الطريق، وفي غضون دقائق، تم إخلاء المنزل، ولم يعد نافعا للمراهقين الذين يستخدمون الكهرباء بكثافة شديدة.
تروي ديفيس: «كادت لوسي تصاب بأزمة قلبية عندما تعطل الواي فاي، إلى أن أبصرت صورا للدمار تحيط بنا من كل اتجاه».
وأضافت: «اشتريت لتوي شاحنا يدويا ظننت أنه سيكون هدية قيمة. كنا نديره بعنف ونتصبب عرقا وأنفاسنا تنقطع».
حاكى استخدام شاحن الكهرباء في السيارة مشهدا من فيلم «ملك الذباب»، بحسب غيل هوروود من سكارسديل بولاية نيويورك، وهو مسؤول بشركة رعاية صحية.
وكشفت بريدجيت، 15 عاما، وليلا، 11 عاما، عن كل هاتف معطل قديم في ماضي الأسرة وحاولت ترتيب الضيوف بحيث يمكنهم إعادة الشحن.
كانت هناك لحظة تعين فيها على ليلا الدراسة استعدادا لاختبار في عواصم الدول، ومن ثم، بينما كانت الأضواء تومض ثم تخبو قبيل انطفاء الأنوار، وجدت أحجية صور مقطوعة تعود لمرحلة الطفولة من الولايات المتحدة.
غير أن أي عودة واسعة الحيلة إلى أساليب المدرسة القديمة لم يكن من المتوقع أن تستمر.
قالت هوروود: «ليست فرصة. إنه عالم رقمي وهم يعيشون فيه».
واجهت عائلة زاندر من جنوب سالم بنيويورك أزمة انقطاع كهرباء وعانت من الظلام العام الماضي.
تقول لورين هاندل زاندر التي تدير شركة لورش العمل التدريبية: «لذلك، أصبحنا بارعين في استخدام ما يتعلق بحقبة القرن التاسع عشر في منزلنا».
وتقول إن أطفالها الثلاثة «يستمتعون بجهاز آي باد الخاص بأمهم»، مقارنة الأيام الأولى من انقطاع الكهرباء بإعادة التأهيل.
قالت: «يبدو الأمر مثل الإقلاع عن المخدرات. هناك حالة انسحاب تستمر لمدة 48 ساعة إلى أن يتوقفوا عن السؤال عن التلفزيون كل دقيقة».
استمتع أطفال زاندر بالفعل بالاهتمام الذي لا يتجزأ غير المعتاد بأم عاملة.
تتحدث زاندر بنبرة حزينة قائلة: «توقفت الأم. لا أعمل (بدون توقف) إذا ما تعلق طفلي بأحد تلك الأجهزة. مارست لعبة كلو التي لم ألعبها منذ فترة طويلة جدا. وبات علينا التنزه بصورة أكبر، الأمر الذي كان بمثابة تغيير كامل في نمط حياة الأسرة، لكنها مشكلة كبرى».
من بين الآباء الذين تحدثوا بفخر عن وقت الأسرة الذي تم اكتشافه حديثا عندما أجبر أطفالهم على الانقطاع عن شبكة الإنترنت، كانت هناك اعترافات صادقة عن حالة انهيار المتعة الناتجة عن القدر المبالغ فيه من الترابط.
حدث طفل عمره 10 أعوام في مانهاتن السفلى والدته بلسان معسول قائلا: «يمنحنا هذا فرصة للحديث».
بعد ثلاث ساعات من الأحاديث كانت تتوسل في هدوء لشخص ما بأن يعيد التيار الكهربي.
قالت مارجوري إنغال، وهي كاتبة في إيست فيلدج: «على مدار الثلاثة أيام الأولى، كان يملأني الزهو كأم، انظروا لأطفالي: إنهم يقرءون على ضوء الشموع ويصنعون أشكالا من العرائس الورقية ويشاركون في ألعاب تخيلية بارعة. كنا أشبه بـ(منزل صغير على المروج). وبعدها، مر اليوم الثالث وتلاشى سحر الحياة معا من دون شاشة تلفزيونية. كنت أخشى بالفعل من أن نقتل بعضنا بعضا».
في الوقت الذي توجهت فيه الأسرة إلى منزل خاص بأحد الأقرباء مزود بالكامل بالكهرباء، أمضى أحد الأطفال ثلاث ساعات أمام التلفزيون متجاهلا كل الأفراد الموجودين.
قالت إنغال: «توقعي: ستكون هناك فترة تتراوح ما بين أسبوع إلى 10 أيام قبل أن نعود إلى عاداتنا الأصلية».
يقدم ويليام باورز نصيحة أخرى. يقول باورز، مؤلف كتاب «بلاك بيري هاملت: بناء حياة جيدة في العصر الرقمي»: «تتمثل إحدى أعظم المهارات التي يمكنك أن تعلمها لطفل في: ليس لزاما عليك أن تكون متصلا بجهاز كي تنجح في حياتك».
يقول: «هناك عنصر إبداع يأتي من الاستقلالية والاكتفاء الذاتي. تأتي بعض من أفضل الأفكار والمساهمات من الانعزال. يكون الأمر صعبا حينما تصبح لديك تلك الأصوات الرقمية الأخرى طوال الوقت».
على مدى عدة سنوات، ظل باورز وأسرته خارج نطاق الشبكات بشكل جزئي أو كلي في كل عطلة أسبوعية.
وقال: «حينما تقوم بالأمر بتلك الطريقة، تصبح نوعا من المغامرة الأسرية وليس لأننا تعرضنا لضربة مدوية جراء هذه العاصفة».
يقول: «الظروف التي تسببت في آخر حالة تعطل غير مواتية، لكن ثمة طريقة تمنح الناس من خلالها رؤية لهذه المساحة الأخرى التي لم نعد نقضي وقتا فيها مجددا. يعزي ابني، وهو عازف سكسوفون موهوب، حياته الموسيقية الناشئة إلى الفترة التي يقضيها في العطلات الأسبوعية من دون اتصال بموقعي التواصل الاجتماعي (فيس بوك) و(تويتر)».
قضى سبنسر ستاتس، 14 عاما، فترة بعيدا عن جهاز «آي بود» وجهاز كومبيوتر ماك من أجل توثيق معارض الصور في حي تشيلسي الذي أغرقته السيول باستخدام كاميرا عتيقة. يروي والده مايكل ستاتس، الرسام ومصمم المطاعم: «كانت لديه رغبة في تصوير فيلم. لكن عندما عاد إلى المدرسة، بعث لي برسالة نصية هي (عليك أن تخطرني عند عودة التيار الكهربي)».
عادة ما تقنن بام فرديريك وقت مشاهدة التلفزيون أو الجلوس أمام الكومبيوتر بالنسبة لأطفالها الثلاثة، الذين تبلغ أعمارهم 12 سنة و10 و6 سنوات. لكن الأسرة لم تستطع العيش يوما واحدا من دون كهرباء؛ حيث غادرت منزلها في تريبيكا متجهة إلى فيرمونت.
تقول السيدة فريدريك، التي تعمل أستاذة بنظام الدوام الجزئي بكلية الصحافة بجامعة كولومبيا: «المشكلة التي أجدنا نصطدم بها هي مدى ارتباطنا كبالغين بأجهزتنا الرقمية. عليك أن تراجع نفسك، إذا كنت ستضع قانونا لأطفالك».
كانت هناك فترة واحدة في هذا العام لقيت فيها التكنولوجيا ترحيبا خاصا في منزلها.
حينما كان زوجها يتحدث مع ابنهما الأكبر حول قضايا متعلقة بالعلاقات الجنسية.
تروي السيدة فريدريك قائلة: «قرر أن يفعل ذلك أثناء لعب الغولف على الكومبيوتر»
تضيف: «ظنت أنها كانت ضربة عبقرية. لم يكونا بحاجة للنظر لبعضهما البعض بينما يتجاذبان أطراف الحديث حول الواقي الذكري».
أتاح الإعصار العودة إلى متع الطفولة التي لا تتطلب بطاريات. حصل توماس غين، 11 عاما، على أول هاتف خلوي في مرحلة روضة الأطفال وعلى جهاز الكومبيوتر في الصف الثاني، على الرغم من أن والدته، ساندرا ييب، تشير إلى أن جهاز الكومبيوتر كان موضوعا في مساحة مشتركة وموديل الهاتف كان مناسبا لطفل.
عندما انقطع التيار الكهربي عن شقة يبب غين في مانهاتن السفلى قبل أسبوعين، فرت الأسرة هاربة إلى أحد الفنادق، آخذة معها لعبتي «ليغوس» و«مونوبولي» وبطاقات اللعب، مع أن توماس لم يكن موقنا مما يمكن أن يستخدم البطاقات فيه، حتى بدأت أمه في تأييد كل ما هو قديم وجذاب، والأسماء العتيقة.
على الجانب الآخر، لم تجد أسرة كولفينباك «المعادية للوسائل الرقمية» ظروف الإعصار مختلفة بشكل جوهري.
تقول روان كولفينباك، الفنان في «تريبيكا»: «إننا لا نملك حتى جهاز تلفزيون. وغير مسموح لأطفالنا باستخدام أي جهاز رقمي في ليالي الدراسة، ويمكنهم اللعب باستخدام تلك الأشياء لمدة ساعتين فقط في العطلات الأسبوعية».
كان أصل سياستها نابعا من سرعة تأثرها بتحذيرات وسائل الإعلام.
تروي قائلة: «مررت بفترات كنت أظل فيها جالسة أمام شاشة التلفزيون حتى الساعة الثانية أو الثالثة صباحا وأشعر بالضيق بعدها. كنت أشاهد كل أنواع المواد التلفزيونية، الحلقات القديمة من (ماكميلان آند وايف). لقد أصبحت قبيحة إلى حد ما».
أثناء فترات انقطاع التيار الكهربي، أصيب بيكر، 10 سنوات، وهوليس، 8 سنوات، بقليل من الملل والعصبية، لكنهما اجتازا الإعصار من دون شكوى.
تقول كولفينباك: «ومن الممكن أن يحول موقفنا المتصلب أطفالنا إلى مدمنين». لكنها تؤكد أننا جميعا – بالغين وأطفال – نبالغ في الاستمتاع بترف بأجهزتنا، ونكرس أنفسنا للأشياء التافهة. «إذا كنت ستحل مشكلة المجاعة العالمية، فعليك بامتلاك بجهاز «آي فون». وإلا..