قصة مريض بطفح جلدي .. حير الأطباء
12:27 م - الخميس 31 يناير 2013
شك مستشار البرمجة إد ويليامز، عندما ظهر على بشرته طفح جلدي أحمر يثير الشعور بالحكة بعد لعبه في دورة غولف في صيف عام 2004، في أنه قد سار على مقربة شديدة من شجرة لبلاب سام أو لمس شيئا قد أحدث رد فعل مسببا للحساسية.
«اعتقدت أن الطفح سوف يختفي»، هكذا يسترجع ويليامز الذي يعيش في واحدة من ضواحي روتشستر بولاية نيويورك.
لكن عندما استمر الطفح على ذراعيه وساقيه وظهره، استشار ويليامز، الذي لم يكن يعاني من مشكلات جلدية مسبقا، اختصاصي أمراض جلدية.
وأخبره الطبيب أولا أنه مصاب بـ«التهاب الجلد التماسي» (Contact Dermatitis)، وهو مرض جلدي شائع تحفزه مجموعة من العوامل المهيجة.
وقد قرر الأطباء لاحقا أن المرض الذي يعاني منه هو الصدفية، الذي يسبب حرشفة الجلد والشعور بالحكة الشديدة ويمكن أن يظهر فجأة.
قد يستهلك التعامل مع هذا المرض الجلدي الالتهابي، والمؤلم في أغلب الأحيان، إضافة إلى الجهود الكثيرة غير المثمرة لعلاجه، الستة أعوام المقبلة من حياة ويليامز.
ولم يكن نحو أربعة وعشرين اختصاصيا قادرين على تحديد سبب تحسن حالة الطفح، الذي انتشر على وجهه بشكل دوري، في بعض الأحيان، ولكن مع عدم اختفائه بالكامل مطلقا.
في النهاية، اتضح أن السبب غير المحتمل للإصابة بالطفح أكثر ترويعا مما قد تخيل ويليامز. فالعلاج اللاحق لم يزل آثار الطفح بسرعة فحسب، بل أنقذ حياته.
تركت الحالة أيضا انطباعا يتعذر محوه لدى بريان بوليغون، اختصاصي الأمراض الجلدية بجامعة روتشستر وتاسع اختصاصي استشاره ويليامز، الذي اكتشف لاحقا أنه كان مخطئا.
وقال بوليغون (39 عاما): «إنها قصة لا تصدق بحق.. وستكون واحدة من تلك الحالات التي سأطرحها في حياتي المهنية».
البثور والعرق
قال ويليامز (54 عاما)، إنه شعر بالاطمئنان عندما أعطاه أول طبيب أمراض جلدية يتعامل معه كريما (مرهما) موضعيا.
يتذكر قول الطبيب له: «هذا الكريم سيحسن حالتك».
لكن بعد خمسة أشهر، حينما فشلت عدة أدوية في القضاء على الطفح، قام باستشارة اختصاصي أمراض جلدية ثان.
وقال ويليامز: «لقد عكف على علاج الحالة لما يقرب من سنة مجربا أنواعا مختلفة من العلاج التي لم تجد نفعا». وفي يناير (كانون الثاني) 2006، بدأ في استشارة اختصاصي أمراض جلدية جديد بكلية الطب بجامعة روتشستر عن «التهاب الجلد المستعصي».
وقال ويليامز إن الطفح الجلدي سيترك مجموعة من البثور الصغيرة المؤلمة على الظهر والإبط والأربية، أي في أي مكان يتعرق فيه.
حتى إن قدميه أحيانا ما كان يظهر عليهما الطفح. «حاولت ألا أعرق»، هكذا يسترجع، فضلا عن أنه قد تجنب ممارسة رياضة الغولف والعمل الشاق.
وفي أسوأ حالات الطفح، انتشرت البثور بمعظم أجزاء وجهه، وأحيانا ما كانت تجعل عينيه تنتفخان بحيث تبدوان شبه مغلقتين.
يسترجع قائلا: «كان لزاما علي استخدام فوطة وجه دافئة لفتح عيني» في الصباح، وكانت الحلاقة مهمة مستحيلة.
وقال ويليامز إنه خلال تلك الفترات، حاول أيضا تنظيم مواعيد اجتماعات العمل أو السفريات، وهي مهمة كانت صعبة على وجه الخصوص، عندما كان يجري مفاوضات من أجل بيع شركته.
يقول ويليامز: «كان الأمر قاسيا»، على الرغم من أن «غالبية الناس لم يعلموا بحقيقة حالتي ما لم يكن الطفح ظاهرا على وجهي».
أشعة فوق بنفسجية
أفادته أشكال العلاج التي تستخدم فيها الأشعة فوق البنفسجية، وهو أحد أنواع العلاج المستخدمة في علاج الكثير من الأمراض الجلدية، من بينها الصدفية، لأنها جعلت بشرته أقل حساسية وإيلاما.
غير أنه لم تقض أي من العلاجات - الاستيرويدات أو المضادات الحيوية أو حتى أدوية أخرى، مثل «الميثوتريكسيت» (Methotrexate) المستخدم في علاج السرطان، والسلسبت (Cellcept)، مثبط المناعة عند المرضى الذين يخضعون لجراحات زراعة الأعضاء على الطفح.
تم أخذ عينات من جلد ويليامز عدة مرات؛ والتي أشارت جميعها إلى إصابته بمرض الصدفية.
تشخيص متواصل
في 23 سبتمبر (أيلول) 2009، ذهب ويليامز إلى مكتب بوليغون، الذي كان قد وصل لتوه من كلية ييل للطب. وفي ذلك الوقت، كان ويليامز قد زار كل شركاء بوليغون في مجموعة روتشستر للأمراض الجلدية.
وعندما فحص المخطط الضخم لمريضه الجديد، رأى بوليغون أنه لم يتمكن أي من اختصاصيي الأمراض الجلدية الثمانية الذين سبقوه من تحديد السبب الأساسي للطفح.
وقال بوليغون: «إنه من غير الشائع مطلقا» بالنسبة لمريض أن يستشير عددا هائلا من الأطباء من دون التوصل إلى تشخيص مؤكد.
يسترجع بوليغون قائلا: «سألت نفسي ما الذي أفتقده؟ في المقام الأول، المريض أمامك وأنت تحاول البحث عن علاج مناسب».
يمكن أن يكون للطفح الجلدي والشعور بالحكة أسباب كثيرة، تتنوع ما بين اللبلاب السام وسرطان الدم المميت.
لم يدرك الأطباء حتى ما إذا كان الطفح الذي أصيب به ويليامز بمثابة رد فعل لمشكلة داخلية أو بيئية.
على مر السنين، درس الأطباء الحالة وقرروا أنه مصاب بمرض الإكزيما، وهو نوع غير معتاد من حساسية القطط والضغط.
كان ويليامز يعاني من احمرار في الجلد في تلك الزيارة الأولى، ووصف له بوليغون جرعة من الاستيرويد، إضافة إلى مضاد حيوي، نظرا لأن بعض البثور بدت معدية.
ومجددا، كان تأثير العقاقير عارضا فقط.
وفي يناير 2010، لم يكن ويليامز في حال أفضل، ووصف له بوليغون دواء «آزاثيوبرين» (Azathioprine)، وهو عقار قوي وسام في بعض الأحيان يثبط الجهاز المناعي ويعطى للمرضى الذين أجريت لهم عمليات زراعة أعضاء. يسترجع ويليامز شعوره بإحباط متزايد. «كان لسان حاله يقول: اسمعوا، الأشياء التي تقومون بها تقلل من حدة الحالة، علينا أن نجرب شيئا» يخلصنا منها تماما.
ولكن ماذا كانت النتيجة؟
بعد أخذ عينة أخرى من الجلد، هي العينة الرابعة، تبين أيضا أنه مصاب بالصدفية.
وفي يونيو (حزيران) 2010، قرر بوليغون عرض حالة ويليامز في مؤتمر طبي يقام شهريا ويحضره 20 متخصصا من روتشستر لمعرفة ما إذا كانت لديهم أي أفكار.
لكن على نحو يخالف آماله أخذ بعض الأطباء يسألون: «هل فكرت في...؟» يتذكر بوليغون أنه كان هناك كثير من فترات من «قدح زناد الفكر» والصمت. لم يكن لدى أحد من الأطباء الحاضرين أي أفكار.
وبعد ثلاثة أشهر، قرر بوليغون إجراء محاولة أخرى.
كان بيتر هيلد، أحد أساتذة أمراض الجلدية بييل وأستاذ بوليغون، قادما إلى روتشستر لإلقاء محاضرة، وقرر بوليغون عقد مؤتمر ضخم آخر، أملا في أن يقدم هيلد اقتراحا بشأن الحالة التي قد أصبحت من بين أصعب الحالات التي يدرسها بوليغون.
وقبيل الاجتماع، ذكر بوليغون أنه جلس وعرض 4 تشخيصات محتملة، أحدها أن تكون هناك إصابة بمرض تسببه عدوى فطرية، عادة ما يتمثل في مرض القدم الرياضية.
أما التشخيص الثاني، فهو مرض «الحمامي الهاجرة النخرية الانحلالية» (Necrolytic Migratory Erythema – NME)، وهو طفح جلدي مرتبط بنوع نادر من سرطان البنكرياس. ويعتبر المرض أيضا على درجة بالغة من الندرة إلى حد أن بوليغون لم يشهد مطلقا مثل تلك الحالة.
بدت الإصابة بمرض الحمامي الهاجرة النخرية الانحلالية غير محتملة.
وبينما كان ويليامز مصابا بطفح جلدي، لم يكن مصابا بالأنيميا أو فرط سكر الدم أو الإسهال أو غيرها من الأعراض الأخرى المميزة لهذا المرض، ولم تكشف الكثير من عينات الجلد عن إصابته بهذا المرض.
يسترجع بوليغون: «للمرة الأولى، اعتقدت أن نتائج العينات ربما تكون خاطئة». اتفق هيلد معه في الرأي، ونصح بمواصلة النظر في مرض الحمامي الهاجرة النخرية الانحلالية كتشخيص محتمل للحالة.
وأمر بوليغون بأخذ عينة أخرى من الجلد وعلى غرار العينات الأخرى السابقة، بدت تشير إلى الإصابة بالصدفية، فضلا عن فحصي دم؛ أحدهما يقيس مستوى الغلوكاغون، وهو هرمون يفرزه البنكرياس، والآخر، يقيس مستوى الإنسولين.
وكشفت الفحوص عن نتائج مهمة:
سجلت قراءة مستوى الغلوكاغون عند ويليامز 620 بيكوغراما لكل ملليلتر، وهو مستوى أعلى بكثير من الحد الأقصى الطبيعي المقدر بنحو 130 بيكوغراما لكل ملليلتر. وكان مستوى الإنسولين لديه 71 ميكرو - وحدة لكل ملليلتر؛ الحد الأقصى الطبيعي هو 27.
سرطان البنكرياس
أما الخطوة التالية، فقد تمثلت في الفحص بالأشعة المقطعية.
كشف الفحص، الذي أجري في ديسمبر (كانون الأول) عام 2010، عن نتيجة مروعة: تكون ورم سرطاني بحجم ثمرة الخوخ في بنكرياس ويليامز.
لم يكن هناك ثمة شك في أن الطفح الجلدي لدى ويليامز عرض لمرض الحمامي الهاجرة النخرية الانحلالية وأنه كان مصابا بورم غلوكاغوني glucagonoma، نوع نادر من سرطان البنكرياس يعرف باسم ورم الغدد الصماء العصبية.
أصيب ستيف جوبس مؤسس شركة «أبل» بورم في الغدد الصماء العصبية للبنكرياس يعرف باسم «الورم الجزيري الإنسوليني» (Insulinoma).
لقد تم تشخيص أقل من 250 حالة إصابة بورم غلوكاغوني على مستوى العالم منذ عام 1942، وتشير تقديرات الجمعية الأميركية لجراحي الغدد الصماء إلى أن واحدا من بين كل 20 مليون شخص يصاب بهذا المرض سنويا. ولا يوجد سبب معروف للورم، غير أنه في بعض الحالات، ربما يكون التاريخ الأسري مع مرض السرطان أحد الأسباب.
(بعد تشخيص حالته، اكتشف ويليامز أن جدته توفيت جراء إصابتها بسرطان البنكرياس في سن الثامنة والستين، على الرغم من أن نوعه ليسوا معروفا على وجه التحديد).
تنتج الأورام الغلوكاغونية عن فرط إنتاج هرمون الغلوكاغون؛ وهذه الزيادة المفطرة في إنتاجه تعيق إنتاج الإنسولين، الذي ينظم سكر الدم.
إن نحو 70 في المائة من مرضى الأورام الغلوكاغونية مصابون بمرض «الحمامي الهاجرة النخرية الانحلالية»، وكثير منهم أيضا يفقدون أوزانهم، مثلما حدث مع ويليامز، الذي اعتقد أن فقدانه 30 رطلا من وزنه تدريجيا ناتج عن ضغط التعامل مع إصابته بالطفح الجلدي.
ويعتبر إجراء جراحة لإزالة الورم هو أفضل أنواع العلاج، نظرا لأن الأورام الغلوكاغونية لا تستجيب جيدا للعلاج الكيماوي.
ونظرا لأن تلك الأنواع من السرطان، التي تنمو ببطء، لا يتم اكتشافها إلا بعد انتشارها في البنكرياس، فإن الجراحة تعالج نحو 20 في المائة من المرضى فقط.
وقال بوليغون إنه وزملاءه كانوا متشائمين؛ فقد استمرت أعراض المرض عند ويليامز لأكثر من ستة أعوام، وظنوا أنه من المحتمل أن يكون السرطان قد انتشر في جسمه.
وقال بوليغون إنه قد اتصل باختصاصي سرطان وجراح، ثم نقل الأخبار إلى ويليامز، الذي لم يكن مدركا لمدى خطورة تشخيص حالته في البداية.
يسترجع قائلا: «إنني في واقع الأمر لم أربط الورم بالسرطان إلى أن أخبروني بأنه سوف يتم علاجي في مركز السرطان».
احتواء السرطان
وفي 22 يناير 2011، خضع ويليامز لجراحة.
كانت النتائج أفضل مما يأمل أي شخص. لم ينتشر السرطان في عقده الليمفاوية أو كبده، وظن الأطباء أنهم أزالوا الورم تماما.
وبعد أربعة أسابيع، اختفى الطفح الجلدي؛ ولم تحمل الفحوص التالية أي إشارة إلى إصابته بالسرطان.
يسترجع بوليغون: «كنا في غاية الاندهاش من أنه قد تم احتواء الورم»، مضيفا أن الأطباء يرون أن هذه الجراحة عالجت حالته.
وقال بوليغون إن اختصاصي أمراض جلدية عاد وفحص كل العينات التي أخذت من جلد ويليامز ولم يجد دليلا معينا على الإصابة بالحمامي الهاجرة النخرية الانحلالية.
وبخلاف الطفح الجلدي وفقدان الوزن، لم يكن لدى ويليامز أي من الأعراض التقليدية الأخرى التي ربما تكون قد دفعت الأطباء في البداية إلى الشك في إصابته بسرطان البنكرياس، فضلا عن أنه لم يبد في حالة مرض خطير.
وبخلاف ذلك، بدا راغبا بشدة في التخلص من الطفح الجلدي.
يسترجع بوليغون قائلا: «بدا لسان حال ويليامز يقول: إنكم تقتطعون من وقت ممارستي رياضة الغولف ووقت عملي، أعيدوني مجددا إلى حالتي الطبيعية»، مضيفا: «كان عزائي أننا قد حققنا نتيجة ممتازة في علاج حالته».
وقال ويليامز إنه يتذكر شعوره بالإرهاق الشديد، ولكن لم تكن حالته الصحية خطيرة.
وقال إنه عندما يتذكر الأحداث فقط يدرك «مدى الضعف الذي أصبح عليه»، مضيفا: «أشعر بأنني إنسان جديد».
في بعض الأحيان، يتأمل الست سنوات التي أمضاها في استشارة الأطباء واحدا تلو الآخر بشأن طفحه الجلدي.
يقول: «لسان حالك يقول: لماذا لم يجروا هذا الفحص قبل عامين؟. لكنك تقول لنفسك بعدها: لقد توصلوا إلى التشخيص الصحيح».