جراحات الوسامة .. بين التجميل والتعديل
03:24 م - الخميس 29 نوفمبر 2012
رغم أن الخضوع لمبضع الجراح عادة ما يكون وسيلة للحصول على نتيجة جذابة تحسن شعور الناس تجاه أنفسهم وتجاه مظهرهم، تبين أن العكس صحيح أيضا. ويتعلق الأمر هنا بالحالة النفسية التي يمكن أن تتأثر بشكل كبير إلى حد حصول انفصام بين الشخص وصورته الجديدة حين تكون التغييرات جذرية.
وهذا ما يؤكده علماء النفس الأميركيون قائلين أن هناك علاقة وثيقة بين الشخصية والملامح، وأن أي تغيير في هذه الملامح يمكن أن يسبب خللا أقرب إلى عدم التوازن بين الشخص وصورته الجديدة.
السبب يعود، حسب علماء النفس، إلى وجود حالة تعلق لا شعورية تربط بين الإنسان وملامح وجهه. تشرح عالمة النفس والمؤلفة د. فيفيان ديلر لموقع «باز فيد» (BuzzFeed) أنه بعد إجراء جراحة جذرية لتغيير المظهر يدرك الشخص في الغالب أن «ذلك العيب الذي كانوا يريدون التخلص منه بأي شكل من الأشكال، كان في الواقع جزءا من هويتهم».
وتشرح بأن أنفا كبيرا أو معقوفا، مثلا، قد يكون جزءا من هوية الشخص دون أن يدرك ذلك فعليا، وعندما تتغير هذه الملامح المتفردة فإن تعريف الذات يتأثر.
وتضيف د. ديلر قائلة إن المرضى قد يشعرون بالانفصال عن وجوههم الجديدة، لأن «تلك الصورة التي يراها الناس في المرآة ولا يدركون قيمتها تكون متغلغلة داخل شخصيتهم».
وأشار د. بول لورنس، مؤلف كتاب «عمل صغير: خلف أبواب جراح تجميل في شارع بارك أفينيو» (A Little Work: Behind the Doors of a Park Avenue Plastic Surgeon)، إلى أن عددا قليلا من المرضى فقط هم الذين يشترطون أن يظل مظهر عيونهم أو ابتسامتهم كما هو بعد الجراحة، في حين يطلب معظم المرضى العكس.
وهكذا، وبدلا من الحصول على مظهر أفضل لملامحهم، فإنهم يريدون أن يصبح مظهرهم مثل ممثل وسيم، أو عارضة أزياء مشهورة، وهذا يدل على وجود رغبة متأصلة في التحول إلى شخص آخر. شخصية شهيرة تعيش في تصور المريض حياة خالية من المشكلات وتبدو مثالية في الظاهر.
ويحذر د. لورنس من أن هذا يمثل «إشارة خطر»، لأن هذه الصورة المثالية لا تتوافق في الغالب مع النتائج التي كانوا يحلمون بها، مما قد يحدث آثارا نفسية عميقة عندما يتخلى المريض عن إحساسه بذاته بتغيير وجهه ثم يدرك أن الهوية التي كان يسعى للحصول عليها ليست إلا سرابا.
وهناك عدد قليل من الأطباء الذين يقومون بفحص حالة الزبون النفسية للتحقق من أنه لا يريد إجراء الجراحة لهذه الأسباب الخاطئة. ويوضح د. لورنس أنه إذا ارتاب في أن أي طلب لإجراء جراحة تجميلية ينبع من حالة نفسية خفية مثل «اضطراب التشوه الجسمي» (body dysmorphic disorder)، فإنه يحيل الزبون إلى طبيب نفسي.
غير أن دانيلا شريير، وهي معالجة تتعامل مع الناس الذين يعانون من مشكلات مرتبطة بجراحات التجميل، تنفي أن تكون هذه النوعية من الفحوصات النفسية كافية.
ورغم أنها كثيرا ما تصادف مرضى ندموا لاحقا على إجراء تلك الجراحات، فهي تؤكد أن جراحي التجميل الذين تحدثت إليهم غير راغبين في جعل الفحص النفسي شرطا أساسيا لإجراء الجراحة.
وتضيف أن بعضهم يشعر بالقلق من أن يضر هذا بنشاطه التجاري. وتصدق د. ديلر على هذا الكلام، مؤكدة أن «هناك أناسا معدومي الضمير في كل مجال»، وجراحات التجميل ليست استثناء.
ولكن رغم زيادة وعي الجراحين بالحاجة إلى الفحص النفسي، فإن هذا قد لا يمنع جميع المشكلات، ولا يعني توقف العمليات التي تعمد إلى تغيير الملامح بشكل جذري.
تشير فيكتوريا بيتس تايلور، وهي طبيبة نفسية ومؤلفة كتاب «تجار الجراحة: العافية والمرض في الثقافة التجميلية» (Surgery Junkies: Wellness and Pathology in Cosmetic Culture)، إلى أن «تغيير مظهر المرء الجذري عن طريق الجراحة، يصعب معه توقع التأثيرات النفسية التي يحدثها الحصول على وجه مختلف أو شكل مختلف تماما للجسم».
فمن الممكن أن يجري الجراحون مثل لورنس فحوصات لاكتشاف «اضطراب التشوه الجسمي»، غير أنه لا يمكنهم دوما التيقن مما إذا كان إحساس زبائنهم بأنفسهم سيظل كما هو عندما تتغير وجوههم تماما.
وربما يكون إجراء تغييرات تدريجية على مدار فترة من الزمن، أفضل ويسهل التكيف معه مقارنة بإجراء عملية واحدة تتم فيها تغييرات كبيرة مرة واحدة.
وتضيف أن إحساسنا بالهوية، وخصوصا فيما يتعلق بالمظهر، عادة ما يترسخ في سن صغيرة أثناء مرحلة المراهقة، وبالتالي فإن أي تغيير بدني، سواء كان كبيرا أو صغيرا، سوف يتطلب شكلا ما من التعديل والتكييف الذهني.
وعندما يكون هذا التغيير كبيرا، فإن التعديل قد يستغرق وقتا أطول.
وتشير د. ديلر إلى أن السيدات اللاتي أجرين جراحة قبل انتشار هذه «الموجة الجديدة من الفهم» بين الأطباء يعانين الآن من مشكلات نفسية طويلة المدى مع دخولهن في مرحلة الخمسينات والستينات من عمرهن.