"عطور الجزائر" يثير الجدل والحنين
01:13 م - الثلاثاء 23 أكتوبر 2012
تمضى المهرجانات السينمائية، بأيامها واحتفالاتها، ولقاءات من صادفت من النجوم، وأحاديث أخرى على هامش المهرجان، الشىء الذى يبقى فى الذاكرة هو مجموعة من أشرطة السينما، والتى تأخذك لعوالم متباينة وتنقلك بين أزمنة مختلفة، بعضها يستدعى الماضى ليؤكد على حاضر مأساوى أصبحنا نعيش فيه، والآخر يناقش موضوعات حياتية وسياسية.
ومن ضمن الأفلام اللافتة، والتى عرضت بالدورة الـ 6 من مهرجان أبو ظبى السينمائى فيلم "عطور الجزائر" للمخرج الجزائرى رشيد بلحاج الذى يرصد تحولات ومفارقات عاشتها الجزائر على مدار 50 عاماً تفصل بين تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسى عام 1962، وصولا إلى المد الإرهابى الذى شهدته البلاد فى التسعينات، والذى كان يهدف طبقا لمن حملوا أفكاره إلى تحرير البلاد من أعداء الله، كما يقول بطل الفيلم المتشدد لشقيقته، والتى عادت من باريس بهدف إنقاذه بعد الحكم عليه بالإعدام لاشتراكه فى العديد من المذابح.
يبدأ الفيلم بحصول بطلته كريمة، التى تقوم بدورها الممثلة الإيطالية مونيكا جريتورى، على جائزة التصوير الفوتوغرافى، وتتلقى اتصالا من أمها، وتجسد دورها شافية بودراع، ترجوها أن تعود، حيث اعتقل أخوها المحكوم عليه بالإعدام.
كريمة والتى تعد فخرا لبلادها تعمل جاهدة على نسيان كل شىء يتعلق بالجزائر، والتى هجرتها فى سن الشباب لقسوة الأب، والذى ارتكب الكثير من الظلم ضدها وضد شقيقها مراد الخجول الحالم، وأيضا اغتصابه لابنة رفيق كفاحه، كريمة تصر على عدم العودة، ولكنها فى النهاية تخضع لرغبة والدتها.
فيلم رشيد بلحاج يثير الكثير من الشجن الجدل لتميز عناصره السينمائية، من تصوير ومونتاج مبنى على تفاصيل صغيرة، تم تعشيقها بحرفية عالية لتصف الحالة المتردية التى كانت تعيشها الجزائر فى فترة المد الدينى، كما أن السيناريو يتسم بالحرفية العالية من خلال تعدد مستوى السرد مابين الماضى والحاضر، وتوظيف الفلاش باك بمهارة وتكثيف شديدين.
الجدل فى الفيلم يأتى من رفض البعض تشويه صورة المناضل الجزائرى الذى جسد دوره الأب الديكتاتور والمغتصب، رغم أن هناك معادلا آخر لشقيقه المناضل، والذى يرفض قمع الأفكار، وتحول بعض المناضلين إلى ديكتاتورية جديدة، حيث تكتشف كريمة من خلال رحلة العودة كم التغييرات التى لحقت ببلدها، وتستدعى طفولتها مع أخيها، الذى كان خجولا والقسوة المفرطة من أبيهما، الذى تكره الآن زيارته فى المستشفى، حيث يرقد فى غيبوبة كاملة، ولكنها لا تتردد فى مساعدة أخيها، وتتوسل للحصول على إذن بزيارته فى معتقل ناءٍ، غير أن لقاء الأخوين كان فاتراً.. فمراد يرى كريمة قد تناست أهلها وبلدها ولغتها، وسيحاسبها الله على عقوقها.
وترد عليه كريمة فى مشهد معبر أقرب فى تنفيذه إلى تقنيات المسرح:
"أن هذا ليس أخاها الذى تعرفه، وقبل أن تغادر باب الزنزانة تستدير إليه وتقرأ الآية القرآنية "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا... فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون"، وتذكره أنها لم تنس القرآن، كما يتهمها".
كما ترصد كريمة تحولات منها فرض حجاب صارم على ابنة أخيها ذات الـ 5 أعوام، واقتحام متشددين للمنازل، ولكنها لا تبالى، وترفض المشاركة فى مظاهرة تزمع على تنظيمها النساء المطالبات بحقهن فى الحرية، وتنصح قريبتها الشابة بمغادرة البلاد، ولكن الفتاة التى تنتمى إلى جيل جديد ترفض الفكرة، إذ سيلاحقها الماضى وتكشف عن ساقها التى ألقى عليها متشدد ماء النار، لأنها ارتدت جيب قصيرة، وتقول: "إن الميليشيات تستهدف غير المحجبات".
وينتهى الفيلم بمظاهرة النساء تشارك بها كريمة حاملة ابنة أخيها بعد استشهاد أمها فى حادث إرهابى، ويأخذنا فيلم رشيد إلى منطقة أخرى تتعلق بحاضرنا بعد صعود التيار الإسلامى، والمخاوف التى يحملها كل منا.. وذلك هو جمال السينما.