جدل حول اسم أكبر صحفي قام بالانفرادات الصحفية أوائل القرن العشرين

لغز حول من أجرى الحوار مع عامل اللاسلكي الذي نجا من كارثة السفينة تايتانيك
لغز حول من أجرى الحوار مع عامل اللاسلكي الذي نجا من كارثة السفينة تايتانيك

لو كان من المعتاد أن تحمل مقالات الصحف أسماء المراسلين الصحافيين منذ 100 عام لما كان هناك تساؤل حاليا عمن سجل واحدا من أكبر الانفرادات الصحافية في أوائل القرن العشرين، وهو الحوار الذي أجري يوم 18 أبريل (نيسان) 1912 مع عامل اللاسلكي الذي نجا من حادثة غرق الباخرة «تايتانيك».
وقد نشر هذا الحوار في الصباح التالي لوصول الناجين من الكارثة إلى نيويورك على متن الباخرة «كارباثيا» التي أنقذتهم في قلب المحيط الأطلسي. 
وقد كانت هذه الرواية، التي تعد حدثا كبيرا في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، مهمة بما يكفي لوضع اسم صاحبها عليها - وهو أمر غير مألوف في تلك الأيام - إلا أن هذه المقالة كتبت بصيغة المتكلم، لذا فقد كان اسم صاحب المقالة هو اسم عامل التلغراف هارولد برايد، وليس المراسل الصحافي الذي دون كلمات برايد. فمن هو هذا المراسل الصحافي؟
يخبرنا كتاب ماير بيرغر، الذي صدر عام 1951 بعنوان «قصة نيويورك تايمز» (The Story of New York Times)، كيف قام مدير التحرير كار فان أندا وقتها بحشد فريقه من أجل محاورة الناجين عند وصول الباخرة «كارباثيا».
ويقول بيرغر إن فان أندا أرسل معظم مراسليه الصحافيين إلى الرصيف البحري، لكنه أمر أحدهم بالذهاب إلى أطراف المدينة، التي كان غوغلييلمو ماركوني يتناول الطعام فيها مع جون بوتوملي، المدير العام لفرع شركة «ماركوني» في الولايات المتحدة.
ويذكر بيرغر أن ماركوني وبوتوملي والمراسل الصحافي ذهبوا معا بعد ذلك إلى الرصيف البحري، وأن ماركوني والمراسل الصحافي تمكنا من دخول الباخرة رغم أن أحد ضباط الشرطة صاح في وجههم قائلا «ممنوع وجود المراسلين الصحافيين»، حيث ظن الضابط أن بوتوملي هو المراسل الصحافي فدفعه بعيدا وسط الزحام.
ويحتوي كتاب «الأمانة» (The Trust)، وهو كتاب صدر عام 1999 عن صحيفة «نيويورك تايمز» من تأليف سوزان تيفت وأليكس جونز، على مذكرة طويلة عن الحوار الذي أجري مع عامل اللاسلكي تتفق كثيرا مع رواية بيرغر، والاختلاف الوحيد كان في اسم المراسل الصحافي، حيث ذكر بيرغر أن اسمه هو جيم سبيرز، في حين ذكر كتاب «الأمانة» أن اسمه هو إيزاك راسل.
وقد كتب كينيث، وهو محام من مدينة سولت ليك سيتي أجرى أبحاثا عن حياة راسل، إلى صحيفة «نيويورك تايمز» بعد نشر مقالة عن ذكرى مرور 100 عام على كارثة السفينة «تايتانيك»، يؤكد أن اسم المراسل الصحافي هو سبيرز.
وقدم كينيث ما قال إنه الوصف الوحيد لبطولة راسل الذي نشر في فترة غرق السفينة «تايتانيك»، وهو عمود صحافي بعنوان «أبناء سولت ليك في غوثام» ظهر في إحدى الصحف التي تصدر في ولاية يوتا.
وذكر العمود أن راسل «قدم القصة الأكثر إثارة عن الكارثة حتى الآن»، كما وصف كيف تم الخلط بين راسل، المولود في مدينة سولت ليك سيتي، والساعد الأيمن لماركوني.
إذن من هو جيم سبيرز؟ ولماذا أشاد به بيرغر، الذي كان هو نفسه مراسلا صحافيا فريدا يتمتع بسمعة كبيرة من الدقة في التفاصيل؟ ليس هناك أي دليل على أن شخصا يدعى جيم سبيرز كان يعمل لدى صحيفة «نيويورك تايمز»، إلا أن الصحيفة كان يعمل بها مراسل صحافي اشتهر باسم ليم سبيرز، وفي العشرينات من القرن العشرين، عندما بدأت أسماء المراسلين تظهر على مقالاتهم، كان اسمه الذي يظهر فوق المقالات هو إل سي سبيرز.
ومن الممكن أن يكون بيرغر، الذي ألف كتابه بعد 4 عقود تقريبا من كارثة «تايتانيك»، قد تمكن من الوصول إلى مذكرات عن ليلة وصول الباخرة «كارباثيا» - ولعلها تكون رواية مكتوبة غير رسمية كان من الممكن أن تبدو فيها كلمة «ليم» مثل كلمة «جيم»؟ فهل كان سبيرز واحدا من مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز» الأربعة الذين سمح لهم بالمرور إلى الرصيف البحري حيث رست الباخرة «كارباثيا»؟ وهل لعب سبيرز دورا آخر في نشر الحوار؟ هل كان محررا قام بتنقيح ما سلمه إليه راسل؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الأدلة تبعث على الحيرة، فعندما مات سبيرز عام 1946 عن عمر يناهز 70 عاما، ذكر نعيه الذي نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» أنه كان يراسل من لندن ومكسيكو سيتي وأميركا الجنوبية، كما ذكر أنه قام بتغطية «فضيحة تي بوت دوم» إلى جانب قصص أخرى خلال السنوات التي قضاها في مكتب «نيويورك تايمز» بواشنطن، إلا أنه لم يورد أي ذكر للسفينة «تايتانيك».
من جانبه، يبدو أن راسل لم يذكر مقابل برايد حتى عام 1917، في مقال بصحيفة «ذا إيفننغ ميل»، حيث عمل بعد إقالته من «التايمز» (أقاله فان أندريا في عام 1915 بسبب مقال له علاقة بتيودور روزفلت)، حيث كان أرسل نسخة من مقال «ذا ميل» مع رواية مفصلة في وثيقة كتبها راسل بعد ذلك إثر انتقاله لشيكاغو حيث توفي عام 1927.
وفي مذكراته، وصف الإحباط الذي أصيب به عندما أدرك أن مهام هذه الليلة البالغة الأهمية وزعت على الآخرين وتم تجاهله.
ووصف ذلك «بالضربة المؤلمة»، وقال إنه لم يتعرض للإذلال على الإطلاق كهذه المرة (ولم ير السبب الذي دفع مدير التحرير إلى تهميشه). وكتب في مذكراته «كنت في حالة كئيبة، بدأت من مكتبي أشتري (زوجا من الأحذية)»، لكنه عدل عنها وكتب «عشاء».
وكتب أن فان أندا أوقفه أثناء خروجه وطلب منه الذهاب إلى منزل بوتوملي (دائما ما كان راسل يخطئ في كتابة بوتوملي مدير شركة ماركوني).
أراد فان الحصول على رسالة تقول بأن العاملين في «ماركو» اللاسلكية على متن سفينة «كارباثيا» لديهم تصريح بالحديث إلى مراسلي «التايمز».
أراد فان أندا تسليم الرسالة إلى أحد مراسلي «التايمز» لدخوله إلى الرصيف.
أشار راسل إلى أنه أسرع لاقتناص هذه المهمة. وفي مقاله في «ذا ميل»، قال راسل إن ماركوني ظهر على المدخل مع بوتوملي خلال سعيه للحصول على الرسالة. وسأل ماركوني «هل تعتقد أن صحيفتك قادرة على الحصول على تصريح لي؟».
وقال راسل إنه اتصل بـ«التايمز»، وكتب «أجاب مساعد مدير التحرير (لقد استهلكت كل أذون مرورنا)»، لكن راسل أخبره بقصة مختلفة، وقال له «نعم، سأحصل على تصريح لك».
على رصيف الميناء بعدما أعطى راسل الرسالة إلى زملائه في «التايمز»، كان المكان في حراسة الشرطة، وكتب راسل في مذكراته «كنا ثلاثة، ماركوني وكبير مهندسيه وأنا صحافي في غير وقت دوامه، لكني وضعت بطاقة تعريفي الصحافي في قبعة المهندس لمساعدته في المرور حيث رغب في اللحاق بنا.
ونتيجة لارتباكه أمسك الحراس بالمهندس وطردوه في الوقت الذي صعدت فيه أنا وماركوني على سطح (كارباثيا)».
وقد عثرا معا على برايد، وعندما غادر ماركوني وراسل السفينة ذهبوا إلى «التايمز» وكتب راسل المقال، وقال إنه بكي وهو يكتبه. وكتب راسل في مذكراته «أما بالنسبة لماركوني فلا بد أن مديري التايمز قد التقوه الآن واصطحبوه في عشاء منتصف الليل.
لكني تحولت إلى آلتي الكاتبة. يقولون إن الأدب هو الحقيقة بلمحة عاطفية، وقد كتبت بشكل متواصل لمدة 20 عاما أو أكثر.