العلماء يوظفون نتائج الدراسات العلمية للخلايا الجذعية في تطبيقات طبية

يعمل العلماء حاليا على تحويل علم الخلايا الجذعية إلى «طب الخلايا الجذعية». هناك الكثير من الأمراض التي تتضمن موت خلايا متخصصة لا يستطيع الجسم استبدالها بصورة طبيعية، فالنوبة القلبية تدمر خلايا عضلة القلب فجأة، والسكتة الدماغية تدمر خلايا المخ فجأة - وكذلك يعمل مرض الزهايمر ولكن ببطء.
والعلاج الأمثل لذلك هو استبدال تلك الخلايا المفقودة وإحلال خلايا مماثلة لها تماما محلها، إلا أن الجسم لا يستطيع أن يفعل ذلك بمفرده.
ويقول الدكتور ديفيد سكادين، المدير المشارك لـ«معهد هارفارد للخلايا الجذعية» إن اكتشاف الخلايا الجذعية قدم بديلا.
ويوضح قائلا: «لدينا بالفعل مثال لعلاج ناجح للخلايا الجذعية لدى البالغين - وهو عملية زراعة خلايا الدم الجذعية blood stem cell (وتسمى أحيانا عملية زراعة النخاع العظمي bone marrow transplant)»، فقد صار من الممكن تحويل الخلايا المأخوذة من طبقة الأدمة أسفل الجلد إلى خلايا جذعية.
نجاح حقيقي حينما تصاب خلايا الدم بأحد الأمراض - مثل اللوكيميا - يقوم الأطباء في بعض الأحيان بتدمير الدورة الدموية المريضة باستخدام العلاج الكيميائي، ثم يقومون بزراعة خلايا الدم الجذعية، على أمل أن تشكل تلك الخلايا دورة دموية كاملة جديدة وسليمة.
ويمكن لهذه الخلايا المزروعة أن تنقذ حياة المرضى، وقد قوبل تطوير عملية زراعة الخلايا الجذعية باحتفاء كبير، في صورة جائزة نوبل.
إلا أن خلايا الدم الجذعية وغيرها من الخلايا الجذعية لدى البالغين لا يمكن أن تتطور سوى إلى أنواع قليلة محدودة من الخلايا، ولهذا فقد تحمس العلماء لإمكانية الاستفادة من الخلايا الجذعية الجنينية، التي يمكن تطويرها إلى مختلف أنواع الخلايا في الجسم.
وهناك مشكلتان تحدان من قدرة الخلايا الجذعية الجنينية، فبعض الناس لديهم مخاوف أخلاقية من استخدام الأجنة البشرية (التي هي مصدر الخلايا الجذعية الجنينية) في الأبحاث، وهناك مشكلة عملية أيضا، فإذا كنت بحاجة إلى خلايا جذعية جنينية، فإنك في أفضل الاحتمالات سوف ترغب في خلاياك أنت، المتطابقة معك وراثيا، إلا أن خلاياك الجذعية الجنينية لا توجد سوى قبل مولدك.
وهذه هي النقطة التي كانت تتوقف عندها علاجات الخلايا الجذعية حتى 5 سنوات مضت، حين سجلت بعض الاكتشافات البارزة، وكان بعضها في كلية الطب بـ«جامعة هارفارد».
ويقول د. سكادين: «أدرك العلماء أن الـ13 تريليون خلية الموجودة في أجسامنا تحمل جميعها نفس مجموعة الجينات، إلا أن هذه الخلايا المتخصصة كلها تختلف كثيرا عن بعضها البعض: فهناك خلية عضلية قلبية تقوم بضخ الدم، وخلية مخية تقوم بتخزين الذكريات - وكل واحدة منها تبدو مختلفة، كما أنها تختلف في وظائفها. ولكن لماذا، إذا كانت بها نفس الجينات؟».
طفرة علمية والإجابة هي أنه بداخل كل نوع من الخلايا المتخصصة، هناك جينات معينة تعمل وتتوقف عن العمل - وهي خلايا مختلفة في كل نوع من الخلايا، ولهذا فإن الخلايا الجذعية الجنينية تختلف عن الخلايا المتخصصة التي تلدها.
ومنذ 5 سنوات، اكتشف العلماء «برنامج» الجينات التي تعمل في الخلايا الجذعية الجنينية، ولكن ليس في الخلايا المتخصصة.
وبعد ذلك قام العلماء بوضع الجينات المنشطة الموجودة في الخلايا الجذعية الجنينية داخل خلية من خلايا الجلد المتخصصة، وأذهلهم أن تلك الخلايا الجلدية المتخصصة تحولت إلى خلايا شديدة الشبه بالخلايا الجذعية الجنينية - وهي خلايا تسمى بـ«الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات» (induced pluripotent stem cells).
والواقع أن العلماء أثبتوا بهذا الاكتشاف أنه يمكنك إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
ويوضح د. سكادين: «بمقدور الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات أن تحل المشكلتين الكبيرتين المتعلقتين بالخلايا الجذعية الجنينية. أولا، فمن الممكن توليدها دون الحاجة إلى إيجاد أو استخدام جنين، مما يؤدي إلى التغلب على الاعتراضات الأخلاقية. وثانيا، فهي تكون مطابقة لك وراثيا، مما يجعل من المستبعد أن يرفضها جسمك».
على سبيل المثال، هب أنك تعرضت لنوبة قلبية دمرت الملايين من خلايا عضلة القلب لديك وأضعفت من قلبك.
فمن الناحية النظرية، قد يكون في مقدور الأطباء تحويل الخلايا المأخوذة من جلدك إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات وتوليد الملايين من تلك الخلايا، ثم قد يكون في مقدورهم تحويل تلك الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات إلى خلايا عضلية قلبية وحقنها في أحد الأوردة، الذي سيحملها عبر الدورة الدموية إلى القلب، حيث توجد حاجة لها.
وفي الحقيقة، فإن الباحثين يحققون نجاحا في تنفيذ ذلك مع فئران المختبرات، وهم يستخدمون أيضا الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات في علاج أنيميا كريات الدم الحمراء ومرض الشلل الرعاش لدى الفئران.
وبقدر ما أن هذه النتائج مثيرة للاهتمام، فإن ما يصلح مع القوارض لا يصلح دوما مع البشر.
ويؤكد د. سكادين: «سوف يتطلب الأمر الكثير والكثير من العمل للتأكد من أن الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات لا تسبب آثارا عكسية.
أيضا، فنحن لسنا واثقين من أن الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات سوف تجد طريقها إلى عضو مريض موجود بعمق داخل الجسم، ثم ترتبط بالخلايا السليمة في ذلك العضو كي تعمل في تناغم معها.
لا بد أن يتحول علم الخلايا الجذعية إلى طب الخلايا الجذعية».