د. حازم يس: مرض السكر وتأثيره الشديد على العين

يعتبر مرض السكر من أكثر الأمراض شيوعاً وبالذات في مصر لأسباب كثيرة أهمها اتباعنا لعادات غذائية سيئة يغلب عليها الإفراط فى النشويات والسكريات حتى تحدث الإصابة بمرض السكر الذى  يبدأ فى صورة مبسطة عبارة عن اضطراب فى التمثيل الغذائى للنشويات والمواد الكربوهيدراتية مما يؤثر على التمثيل الغذائى للدهون والبروتينات أيضاً ومعنى ذلك أن كل المواد الغذائية يضطرب تمثيلها الغذائى. مما يؤثر على جدران الأوعية الدموية متوسطة الحجم فتقل كمية الغذاء لكل الأنسجة وتقل مناعة الجسم وتبدأ الإصابة بالعدوى والالتهابات.
تأثير السكر على العين يكون واضحاً حيث لا يترك أى جزء من العين إلا ويؤثر فيه فمثلاً:
- تأثير السكر على الجفون:
تصاب الجفون بتجمعات دهنية ويكثر حدوث الالتهابات والأكياس الدهنية والدمامل.
- تأثير السكر على الملتحمة:
تصاب الملتحمة بالتهابات متكررة ولا تستجيب للعلاج بسهولة.
- تأثير السكر على القرنية:
تكثر الإصابة بقرح القرنية ويكون التئامها بطيئاً للغاية.
- تأثير السكر على القزحية:
تصاب القزحية بالتهابات متكررة وفى المراحل الأخيرة تنمو على القزحية أوعية دموية تكاثرية تسبب الإصابة بالمياه الزرقاء التى تقاوم العلاج بشدة والواقع أن الطبيب عندما يرى هذه الأوعية الدموية على سطح القزحية يتولد بداخله شعور بأن الأيام قد قاربت على فقدان الإبصار بتلك العين.
- تأثير السكر على العدسة البلورية:
تصاب العدسة بالمياه البيضاء بصورة مبكرة عند سن الأربعين.
- العصب البصرى:
يصاب بالتهابات متكررة تؤدى إلى انخفاض حاد بقوة الإبصار.
- تأثير السكر على الشبكية الجسم الزجاجى:
يعتبر مرض السكر هو ثالث سبب فى العالم أجمع لفقدان الإبصار والمحزن فى الأمر أن مرض السكر يؤثرعلى الشبكية بعد فترة معينة (ما كان مكتوباً فى المراجع العلمية خمسة عشر عاماً).
ولكنني شاهدت مرضى من السكر منذ ما يزيد على العشرين عاماً بدون أية مشاكل وذلك قد يرجع إلى محافظتهم الشديدة على نسبة السكر فى الدم سواء السكر الصائم أو السكر بعد الأكل بساعتين.
ولكن ماذا يفعل مرض السكر فى الشبكية؟
المرحلة الأولى: التغييرات البسيطة فى الشبكية:
يحدث فى هذه المرحلة أمران مهمان أولهما حدوث تمدد شريانى فى جدران الأوعية الدموية فى صورة حويصلات دموية.. وبالطبع فإن سريان الدم يقل فى هذه الحويصلات الدموية ويحدث بها جلطات والأمر الثانى حدوث تسرب من جدران الأوعية الدموية ويحدث بها جلطات التى يصيبها الوهن مسببة ارتشاحاً فى الشبكية. تماماً كما لو كان هناك ماسورة مياه داخل الحائط حدث بها تسرب فيبدأ دهان الحائط فى النشع.
المرحلة الثانية: التغييرات ما بعد البسيطة فى الشبكية:
تبدأ الأوعية الدموية وبالذات الأوردة فى التغير سواء فى مسارها أو تركيب الجدران نفسها وتبدأ هذه الأوردة فى الاحتقان والتمدد وتكوين تركيبات بصورة غير سوية وحدوث موت لبعض خلايا الشبكية.
المرحلة الثالثة: التغييرات المتقدمة أو التكاثرية بالشبكية:
فى هذه الحالة تقل كمية الدم الواردة للشبكية فيعانى من نقص الأوكسجين الوارد إليها. وهنا تبدأ الشبكية وخلاياها فى إفراز مادة لها القدرة على تشجيع تكوين أوعية دموية تكاثرية. 
إلى هنا والأمور تبدو أن الشبكية تحل مشاكلها بالبدء فى تخليق أوعية دموية تكاثرية جديدة لحل مشكلة نقص الغذاء ولكن الكارثة أن تلك الأوعية الدموية التكاثرية الجديدة ليست مثل الأوعية العادية بل أن جدارها ضعيف للغاية وقابلة للنزيف تلقائياً بدون أى مقدمات.
وتنمو هذه الأوعية التكاثرية على رأس العصب البصرى أو فى أى مكان فى الشبكية. ولكن المشكلة أن هذه الأوعية الدموية التكاثرية لا تجلب الغذاء للشبكية أى أنها ضارة لإمكانية حدوث النزيف منها كما أنها غير مفيدة لأنها لا تجلب الغذاء للشبكية. 
ومعنى ذلك أن مشكلة تغذية الشبكية لم تحل وبالتالى سوف يستمر تكوين أوعية دموية تكاثرية وبالتالى تزيد فرصة حدوث نزيف فى الجسم الزجاجى أمام الشبكية وعلى سطح الشبكية نفسها.
فى هذه المرحلة ليس هناك حل آخر سوى التضحية بأطراف الشبكية غير المهمة نوعاً ما وذلك عن طريق حرقها بشعاع الأرجون ليزر فتموت خلايا الشبكية فى الأطراف وبالتالى لا تحتاج لغذاء وهذا معناه أن الغذاء القليل القادم للشبكية عن طريق الأوعية الدموية العادية سيتوزع على مساحة أقل وأهم من الشبكية وهى المنطقة المركزية والمناطق المجاورة لها.
 وهو أمر يشبه مجاعة تعرض لها شعب ما فإن فصائل المجتمع المهمة والمؤثرة تحصل على غذاء كاف بينما أفراد الشعب المهمشين قد يموتون جوعاً.
ويظل الوضع هكذا أملاً فى ألا تتدهور الأمور فى الشبكية عن ذلك وألا تقل التغذية عن ذلك أى أن هدف استخدام شعاع الليزر الأرجون هو وقف تدهور الحالة وليس تحسين حدة الإبصار مع الوضع فى الاعتبار أنه لو قلت كمية الأكسجين والغذاء فإن الحالة تتدهور اكثر وأكثر بالرغم من استخدام الليزر.
وإذا زادت الأمور سوءاً فهذا معناه أن الأوعية الدموية التكاثرية قد تنزف ويصب هذا النزيف فى الجسم الزجاجي. ويبدأ هذا النزيف التجلط وتكوين أنسجة ليفية عنيفة لها القدرة والقابلية على الانكماش وبالتالي تبدأ فى الشد على الشبكية فيحدث الانفصال الشبكى الناتج عن تليف الجسم الزجاجي.
 
وعندما يصل المريض إلى هذه المرحلة فليس هناك حل سوى استئصال الجسم الزجاجى المتليف مع حقن زيت السيليكون مكانه فى محاولة لارجاع الشبكية المتليفة إلى مكانها وهذا يكون مصحوباً بإمكانية حدوث نزيف من الأوعية الدموية التكاثرية بصورة متكررة أى أننا نكون قد دخلنا فى دخلنا فى دائرة مغلقة خبيثة ومفزعة.
وفى هذه الأثناء قد يصل العامل (X- factor) غلى الجزء الأمامى من العين فيؤدى إلى تكوين أوعية دموية تكاثرية على سطح القزحية فيصطبغ لون القزحية البنى بالأوعية الدموية التكاثرية ذات اللون الأحمر ليصبح شكل القزحية كحجر العقيق ويطلق على هذه الحالة القزحية العقيقية ومعناها تكون أوعية دموية تكاثرية على سطح القزحية. 
وأول مكان تتكون فيه هذه الأوعية التكاثرية بجوار الحدقة ثم تبدأ فى الزحف على سطح القزحة فتمنع اتساع الحدقة ثم تغزو زاوية الخزانة الأمامية فتغلقها.
ويعنى ذلك أن يصاب المريض أيضاً بالمياه الزرقاء ذات الأوعية الدموية التكاثرية أى أنضغط العين سيرتفع مما يدمر العصب أيضاً فتزداد الأمور سوءاً على سوء وأخيراً يفقد المريض الإبصار نهائياً وبلا رجعه أو أمل فى علاج.
ولعل الأمور تبدو أكثر قتامة إذا ذكرت أنه فى خلال الفترات الأولى من المرض عندما تكون حدة الإبصار للمريض جيدة فإن نسبة حدوث انسداد فى الأوعية الدموية تكون عالية للغاية.
انسداد وريد الشبكية:
ويعنى ذلك ألا يتم تصريف الدم القادم عن طريق الشريان المغذى للشبكية ويحدث هذا أثناء النوم ليلاً ليستيقظ المريض فى الصباح على انخفاض حاد فى الإبصار فى هذه الحالة ليس هناك ما يمكن عمله سوى بعض الأدوية التى تساعد على امتصاص النزيف قد يحتاج المريض إلى أشعة ليزر الأرجون لقتل جزء الشبكية المصاب وليس لتحسين الإبصار.
والواقع أن الطبيب يكون فى موقف حرج للغاية ما بين أن يخبر مريضه بحقيقة الأمر فيصاب المريض بإحباط شديد يدفعه إلى رفض متابعة الحالة ورفض تلقى العلاج وأخذ جلسات الليزر، وما بين أن يخفى الطبيب عن مريضه بعض الحقيقة فيتشبث بأمل مبالغ فيه.
وأعتقد أن الطبيب الماهر عليه أن يكون حصيفاً فيما يقوله لمريضه فلا يدفعه إلى حافة الإحباط وهاويتها السحيقة ولا أن تجعله يتعلق بخيوط الأمل العنكيوتية الواهية.
وتجزئ الحقيقة فى جرعات مقننة قد يساعد المريض على أن يتحرك بصورة إيجابية بتنظيم غذائه ليكون عوناً للطبيب فى مساعيه لمحاصرة الحالة قبل أن تستفحل.
انسداد شريان الشبكية:
هنا تحدث الجلطة بشكل مفاجئ فتسد شريان الشبكية فلا يصل إليها أى غذاء فينعدم الإبصار مباشرة ليصل إلى مرحلة عدم استقبال الضوء وتموت خلايا الشبكية فى خلال ستة ساعات بلا رجعة.
وقد تكون هناك بعض العلامات المنذرة فمثلاً قد يشكو المريض بأنه يتعرض لحالات فقدان بصر وإظلام تام لا تستغرق أكثر من ثوان إلى دقيقة ثم يعود الإبصار مرة أخرى عادياً.
وتفسير هذه الحالة أنه يحدث شلال من الجلطات الصغيرة التى تسد الشريان ثم سرعان ما تتحرك فيبدأ الدم فى السريان إلى الشبكية مرة أخرى.
وفى هذه الحالة من استمرار انقطاع الإبصار لعدة الدقائق فعلى المريض الذهاب مباشرة إلى الطبيب وإخباره بحالته حيث أنه باستخدام المواد المذيبة للجلطة مثل مادة الستوبتوكينيز قد يمكن إنقاذ الإبصار فى الست ساعات الأولى ووقتها يعتبر المريض محظوظاً بشدة.
ولكن هل من الممكن حدوث انخفاض الإبصار فى مراحل مبكرة من المرض؟
نعم هذا وارد جداً فى مرحلة رشح الشبكية إذا حدث هذا الارتشاح فى مركز الإبصار وهو الماقولة ويستخدم الليزر فى هذه الحالة بجرعات أقل فحداث تغيير وتنشيط للخلايا الصبغية المحيطة بمركز الأبصار لتبدأ فى امتصاص هذا الارتشاح.
مريض السكر ومعاناته مع النظارات الطبية:
يذهب مريض السكر لعمل مقاس نظارة دون أن يكون مستوى السكر عنده مستقراً (مرتفع مثلاً) وبعدها يأخذ مقاس النظارة إلى محل النظارات وإلى أن يحين وقت استلام النظارة يكون قد تغيرت نسبة السكر فى الدم وبالتالى تتغير مقاسات النظارة لذا أنصح مريض السكر بعدم عمل مقاس نظارة إلا إذا كان مستوى السكر فى الدم مستقراً ولفترة لا تقل عن شهر أبداً.
المرحلة الأخيرة فى مرض السكر:
وهى تحدث بعد أن يفقد البصر تماماً وأيضاً يرتفع ضغط العين أى تحدث جلوكوما أو مياه زرقاء شديدة فتصبح العين مؤلمة ألماً شديداً علاوة على أنها لا تبصر.
وفى هذه الحالة يبدأ العلاج المسكن للألم ويكون عبارة عن تدمير جزء من الجسم الهدبي المسئول عن إفراز السائل المائي للعين أو تدمير الخلايا العصبية المسئولة عن الإحساس بالعين.
وهكذا نرى أن مرض السكر والمياه الزرقاء كل منهما فتاك بمفرده فما بالك لو اجتمع الاثنان فإن تأثيرهما يكون مدمراً وفى فترة وجيزة للغاية. لذا أكرر النصيحة لتفادى تناول الأطعمة الكربوهيدراتية بشراهة (مثل الأرز والمكرونة والخبز والدهون) لتفادى حدوث السكر مع ضرورة الكشف الطبى الدورى مرة كل عام للتأكد من عدم وجود جلوكوما بالعين.