مكافحة «حرقة المعدة» .. قد تتسبب في حدوث كثير من الأمراض
02:02 م - الخميس 27 سبتمبر 2012
أربعة من بين كل عشرة أميركيين يعانون من أعراض مرض الارتجاع المريئي المعدي.. ويعتمد كثير منهم على مثبطات مضخة البروتون مثل «بريلوسيك» أو «بريفاسيد» أو «نكسيوم» لخفض أحماض المعدة.
وتعد هذه الأنواع الثلاثة الفئة الأعلى مبيعا بين الأدوية في الولايات المتحدة بعد مضادات الذهان وأدوية الستاتين.. بأكثر من 100 مليون وصفة طبية بقيمة 13.9 مليار دولار في عام 2010.
إضافة إلى التي تباع من دون الوصفات الطبية في المرة الأولى التي فقدت فيها جوليني رودل وعيها، اعتقدت أن ذلك كان نتيجة لصعوبات دراستها كونها طالبة في كلية الطب، لكنها عادت لتفقد وعيها مرة أخرى بعد أسبوعين.
وأظهرت اختبارات الدم، أن عدد خلايا الدم الحمراء ومستوى الحديد في دم رودل كانت منخفضة بشكل خطير. لكنها كانت نهمة في تناول الطعام (ومحبة لأكل اللحوم)، وأشار طبيبها إلى احتمال وجود سبب آخر، يتمثل في تناول عقار شائع استخدمه الملايين من الأميركيين من أمثال رودل لمنع الارتجاع المريئي المِعَدِي gastroesophageal acid reflux أو ما يسمى «حرقة المعدة» heartburn.
مضاعفات أدوية الحموضة
قد يجعل استخدام الأدوية، التي تسمى «مثبطات مضخة البروتون» proton pump inhibitors على المدى الطويل، من الصعب امتصاص بعض العناصر الغذائية. وكانت رودل، البالغة من العمر 33 عاما، تتعاطى هذه الأدوية على نحو متقطع لعشر سنوات تقريبا.
وقد عالج طبيبها حالة الأنيميا بجرعات عالية من الحديد، وأوصاها بمحاولة معالجة المشكلة من دون استخدام مثبطات مضخة البروتون، لكن ذلك شكل صعوبة بالنسبة لها. وقالت: «آمل أن أتمكن من وقف مثبطات مضخة البروتون بعد الانتهاء من تعليمي، لكن لا يزال أمامي سنوات كثيرة».
هناك أربعة من بين كل عشرة أميركيين يعانون من أعراض مرض الارتجاع المريئي المعدي، ويعتمد الكثير منهم على مثبطات مضخة البروتون مثل «بريلوسيك» Prilosec، «بريفاسيد» Prevacid أو «نكسيوم» Nexium، لخفض أحماض المعدة.
وتعد هذه الأنواع الثلاثة الفئة الأعلى مبيعا بين الأدوية في الولايات المتحدة بعد مضادات الذهان وأدوية الستاتين، بأكثر من 100 مليون وصفة طبية ومبيعات بقيمة 13.9 مليار دولار في عام 2010، إضافة إلى المبيعات التي تباع من دون الوصفات الطبية.
لكن إدارة الدواء والغذاء الأميركية أصدرت في السنوات الأخيرة تحذيرات كثيرة بشأن مثبطات مضخة البروتون، مشيرة إلى أن الاستخدام طويل الأجل والجرعات العالية من هذه الأدوية ترتبط بزيادة خطر كسور العظام والعدوى ببكتريا «كلوستريدوم ديفيسيلي» Clostridium difficile التي تشكل خطورة كبيرة على المرضى المسنين.
وقد نبهت أبحاث نشرت مؤخرا إلى توصيات الخبراء بشأن استخدام كبار السن لهذه الأدوية لأقصر فترة ممكنة.
وقد أظهرت الدراسات أن استخدام مثبطات مضخة البروتون لفترات طويلة قد يخفض من امتصاص المواد الغذائية المهمة والفيتامينات والأملاح المعدنية بما في ذلك المغنسيوم والكالسيوم، وفيتامين بي 12، وربما يحد من فاعلية الأدوية الأخرى، إضافة إلى التحذير الصادر عن إدارة الدواء الغذاء الأميركية من أن تعاطي «بريلوسيك» إلى جانب مضاد التجلط (بالفيكس) قد يضعف الوقاية عند مرضى القلب.
ووجدت أبحاث أخرى أن الأشخاص الذين يتعاطون مثبطات مضخة البروتون يواجهون مخاطر الإصابة بالتهاب رئوي، وربطت دراسة أخرى استخدام الدواء بزيادة الوزن.
وينفي مسؤولو شركة الأدوية مثل هذه التقارير، مؤكدين على أنها لا تقدم دليلا على أن مثبطات مضخة البروتون سبب في حدوث مضاعفات، وأن الكثير من مستخدمي هذه الأدوية هم من كبار السن الأكثر عرضة للعدوى والأكثر احتمالية للإصابة بالكسور والقصور الغذائي.
استخدام مؤقت ويرى خبراء أن استخدام هذه الأدوية لفترات قصيرة قد لا يسبب مشكلة لكنها قد تزيد من الاعتماد عليها، وهو ما يدفع بالمريض إلى استخدامها لفترة أطول من الفترة الموصى بها، التي تتراوح ما بين 8 إلى 12 أسبوعا، حتى إن البعض يلازمها مدى الحياة.
وتلزم كثير من المستشفيات مرضاها باستخدام مثبطات مضخة البروتون لدى دخولهم المستشفى، لمنع القرح الناتجة عن التوتر، لكنها توصيهم لدى خروجهم من المستشفى بمواصلة تناول الدواء في المنزل.
ويقول الدكتور تشالي بايوم، رئيس الشؤون الطبية للولايات المتحدة في شركة «تاكيدا» للصناعات الدوائية لأميركا الشمالية إن دواء «ديكسيلانت» آمن لدى استخدامه وفق الغرض المخصص لمدة تصل إلى ستة أشهر من أجل الوقاية، على الرغم من وصف كثير من الأطباء له لفترات زمنية أطول.
وقالت الدكتورة شوشانا هيرزيغ، بمركز «بيث إسرائيل ديكونيس» الطبي في بوسطن: «أظهرت الدراسات أنه ما تتناول هذه الأدوية، يكون من الصعب الإقلاع عنها. فهي على الأغلب أشبه بالإدمان».
تعمل مثبطات مضخة البروتون على منع إنتاج الحمض في المعدة، لكن الجسم يرد على ذلك بالإسراف في تعويض الخلايا المنتجة للحمض، وقالت: «يعمل الجسم على إعادة عملية تكوين الخلايا التي تنتج الحمض وزيادة نموها في المعدة، لذا عندما تمنع الإنتاج، تتكون لديك المزيد من الآلات لصنع الحامض».
علاوة على ذلك، لم تكن مثبطات مضخة البروتون بالدواء المثالي الذي كان الخبراء يأملون فيه. فهناك كثير من العلاجات واسعة الانتشار للارتجاع المريئي التي لم تقلل من حدوث سرطان المريء. وقد تراجع سرطان الخلايا الحرشفية المرتبط بالتدخين، لكن سرطان المريء المرتبط بارتجاع المريء زاد بنسبة 350 في المائة منذ عام 1970.
أحماض طبيعية
وقال الدكتور جوزيف ستابس، طبيب ألباني بولاية جورجيا، والرئيس السابق للكلية الأميركية للأطباء: «عندما يتناول الأشخاص مثبطات مضخة البروتون فإنها لا تعالج مشكلة الارتجاع , إنها تتحكم فقط في أعراضه». وتقدم مثبطات مضخة البروتون وسيلة للأفراد لتجنب القيام بتغييرات نمط الحياة الصعبة، مثل فقد الوزن أو خفض كمية الطعام التي تسبب حرقة المعدة.
وقال: «قد يقول البعض لنفسه يمكنني أن أواصل أكل ما أشتهيه وأتناول هذا الدواء، ومن ثم فلن تكون هناك مشكلة. وقد بدأنا نلاحظ أنك إن فعلت ذلك يمكنك أن تواجه بعض الأعراض الجانبية الخطرة».
ويشير الدكتور جويل هيدلبو، اختصاصي طب العائلة في مستشفى آن آربور بولاية ميتشيغان إلى أن بعض الأفراد قد يقبلون على تناول الأدوية دون سبب واضح بتكلفة كبيرة لنظام رعايتهم الصحية.
ولدى مراجعته التقارير الطبية لما يقرب من 1000 مريض يتناولون مثبطات مضخة البروتون في العيادات الخارجية لمستشفى شؤون المحاربين القدماء في آن بور كانت ثلث التشخيصات فقط تبرر وصف الدواء. لكن الآخرين كانوا قد حصلوا على الدواء «كنوع من الاحتياط».
ويقول الدكتور غريغ بلوتنيكوف، الطبيب المتخصص في العلاج التكاملي في معهد بيني جورج للصحة والعلاج في مينابوليس: «نخضع الأفراد للعلاج بمثبطات مضخة البروتون ونتجاهل حقيقة أننا خلقنا، والحامض موجود في معدتنا».
تتلخص أهمية أحماض المعدة في الحاجة إليها لتفتيت الطعام وامتصاص المواد المغذية إضافة إلى انتظام أداء المرارة والبنكرياس. واستخدام مثبطات مضخة البروتون ربما تتدخل في هذه العمليات. أما الحيلولة دون إنتاج أحماض المعدة التي تقتل البكتريا والميكروبات الأخرى، فإنه ربما يجعل الأفراد أكثر عرضة للعدوى مثل المطثية العسيرة.
ويقول الدكتور بلوتنيكوف: «إن تناول مثبطات مضخة البروتون تغير من طبيعة الأمعاء وتسمح فعليا بالنمو المفرط لبعض الأشياء التي تنمو بصورة معتدلة في الحالات الطبيعية. وتحفز أحماض المعدة أيضا السعال الذي يسهم في إخلاء الرئتين. ويعتقد بعض الخبراء أن هذا هو السبب في مواجهة بعض المرضى، خاصة الضعفاء وكبار السن مخاطر متزايدة بالإصابة بالالتهاب الرئوي إذا ما تناولوا مثبطات مضخة البروتون.
لكن كثيرا من اختصاصيي الأمراض الباطنة البارزين مقتنعون بأن فوائد الدواء تفوق المخاطر. ويرون أن الدواء يمنع المضاعفات الارتجاع المرئي القرحة المعدية والبلعومية والجهاز الهضمي التي تحدث عندما تسبب الالتهابات في تضييق الجزء الأسفل من المريء.
ويقول الدكتور دونالد كاستل، مدير قسم اضطرابات المريء في الجامعة الطبية في جنوب كارولينا ومؤلف الإرشادات العملية للكلية الأميركية لمرضى الجهاز الهضمي للمصابين بالارتجاع المعدي المريئي، الذي تربطه علاقات مالية بشركات الأدوية التي تنتج عقاقير مثبطات مضخة البروتون: «إن الدراسات التي كشفت عن المخاطر العالية بين المرضى الذين يتناولون مثبطات مضخة البروتون هي تحليلات إحصائية لقطاع كبير من المرضى، فكيف ستتصرف أنت كشخص يتناول الدواء؟ ربما تعمد إلى التخلص منه على الرغم من مزاياه الجيدة».
ويعتقد غالبية الأطباء أن الارتجاع المريئي عرض جانبي لانتشار السمنة، وأن تغيير نمط الحياة يمكن أن يخفف من الحرقة بالنسبة للكثيرين.
ويضيف الدكتور كاستل: «إذا أخذت 100 مصاب بالارتجاع وألزمتهم باتباع نمط حياة صارم، لن يحتاج 90 منهم إلى أي أدوية، لكن يبدو أن من الصعب عليهم أن يحظوا بحظوظ جيدة تدفعهم إلى القيام بذلك».